امتنعت روسيا عن التصويت ولم تستخدم حق “الفيتو”، ولو من قبيل المناكفة الاعتيادية مع الولايات المتحدة، فمرّ مشروع القرار الأميركي في مجلس الأمن. لم تعلّق إسرائيل سلباً أو ايجاباً. أما “حماس” فلم تتأخّر في الترحيب. قبل ذلك، طلبت دولٌ عدّة في المجلس، بينها الجزائر، واستجابت واشنطن بإدخال تعديل مهم على المشروع ينصّ على أن “إسرائيل قبلت مقترح وقف إطلاق النار في غزّة”، كما عرضه الرئيس جو بايدن في 31 أيار (مايو) الماضي. وفي الساعات التي سبقت تصويت مجلس الأمن، كان وزير الخارجية الأميركي يطالب في القاهرة بضرورة الضغط على “حماس” كي تقبل المقترح، بل حمّلها مسؤولية تعثّر الهدنة، وكأنه يقول إن تأخّر الحركة في الردّ هو ما أدّى الى المجزرة المروّعة في مخيم النصيرات التي لم تدنْها واشنطن ولم “تأسف” أو “تقلق”، فالمجزرة بالنسبة إليها كانت “مبرّرة” لأنها ارتُكبت خلال تحرير أربعة رهائن بعملية أميركية- إسرائيلية مشتركة.

أصبح هناك قرار أممي بوقف إطلاق النار، وللمرّة الأولى يبدو جدّياً لأن طرفاً أساسياً مباشراً في الحرب على غزّة، أي الولايات المتحدة، هو مَن يتبنّى الهدنة ويدعو إليها، بعدما امتنع عن ذلك طوال ثمانية شهور. بل ان الرئيس بايدن قال في مقترحه إن الوقت حان لـ “إنهاء الحرب” فالتُقطت عبارته حول العالم لإلزامه بها، خصوصاً بعد التذبذب الذي شاب الموقف الأميركي من الاجتياح الاسرائيلي لرفح، وبالأخص بعد محاولة اسرائيل التنصّل من “مقترحها” للهدنة. وفي جلسة مجلس الأمن كان واضحاً أن الدول الأعضاء تفهم مشروع القرار الأميركي باعتباره خطوة أولى نحو “انهاء الحرب”. فهل هذا صحيح؟

هذا ما يُتوقّع من الرئيس بايدن وما عليه أن يبرهنه من دون إبطاء، إذ قال قولَه والعالم ينتظر فعلَه، قبل أن تسخن حملته الانتخابية وتتعطّل فاعلية ديبلوماسيّته. في الأثناء ظهرت ملامح “تهدئة” في الخلافات بين اسرائيل وإدارة بايدن، بعضٌ منها يرتبط بتحريك صفقات السلاح التي ذُكر أنها كانت مجمّدة، وبعضٌ آخر دلّ إليه تفكّك “مجلس الحرب” الاسرائيلي الذي تشكّل بطلب من واشنطن قبل بدء العمليات العسكرية ومثّل نوعاً من الوحدة الداخلية، لكن حلّه الآن يقرّب استحقاق انتخابات مبكرة لا يريدها نتانياهو وحلفاؤه في اليمين المتطرّف. فهل هذ ما يفسر تمرير الموافقة على “مقترح بايدن” على رغم الاحتجاج في صفوف اليمين المتطرّف. وكما أن الشيء بالشيء يذكر، فإن موافقة “حماس” ربما جاءت بعد التشاور مع إيران، وقد يكون رأي طهران مبنياً على تفاهم مع واشنطن؟ في أي حال، شكّل قرار مجلس الأمن مخرجاً لـ “حماس” من صدمة مجزرة النصيرات التي فرضت عليها التشدد بشروط الهدنة.

ولعل من مؤشرات أهمية قرار مجلس الأمن أن محادثات انطوني بلينكن في إسرائيل تجاوزت الجدل حول وقف اطلاق النار الى ضرورة وجود خطة لغزّة ما بعد الحرب، وهو ما يستمر نتانياهو في التهرّب منه. لكن بلينكن شدّد أيضاً على أن هدنة غزّة لا بدّ أن تعني هدوءاً في شمال إسرائيل- جنوب لبنان، وفقاً لما اقترحه بايدن أيضاً. منذ أول من أمس الاثنين بدأ تفعيل الرهان العربي والدولي على أن يُنجز بايدن ما تعهّده، وأي تقاعس أو فشل سيرتدّ عليه سياسياً بمقدار ما يبقي الاحتمالات قائمة لتوسّع الحرب اقليمياً، وعبر جنوب لبنان تحديداً. أما الأهم فهو أن يُظهر بايدن أنه مقتنع بما تطرحه ادارته للشأن الفلسطيني، لأن مصداقيته مفقودة، ولأن إصراره على “صهيونيته” يناقض تماماً مفهوم “حلّ الدولتين”.

النهار العربي