ليس الصمت خياراً إزاء الإبادة التي يتعرّض لها أهالي غزّة. يطغى وقف المجزرة المتواصلة منذ بدء العدوان على القطاع رداً على عملية طوفان الأقصى على كل أي أمر آخر، فآلة القتل الإسرائيلية ليست في وارد التوقف حالياً، قبل تحقيق جزء على الأقل من الأهداف التي أعلن عنها الاحتلال في ما يتعلق بالقضاء على حركة حماس، وتقويض قدراتها وتأمين “صورة النصر” مهما استغرق الأمر من وقت أو من ضحايا فلسطينيين باتوا يتجاوزون الألف يومياً بين شهداء ومصابين. كل ما يفعله الاحتلال حالياً يصبّ في إطار غرضه المرحلي تفريغ ما أمكن من الجزء الشمالي من القطاع لتسهيل مهمة التوغّل البرّي سواء اتخذ ذلك شكل التقدم الجزئي أو الاجتياح الواسع.

ليس الصمت خياراً أيضاً إزاء محاولات التهجير القسري التي يتعرّض لها أهالي القطاع. يردد المسؤولون العرب أنّ هذا الأمر مرفوض وغير وارد. لكن الطروحات الإسرائيلية التي كانت حتى وقت قريب غير قابلة للتحقّق تعود اليوم وتبدو أكثر قابلية للتنفيذ.

حرِص الاحتلال منذ بدء العدوان على ضمان أوسع دمار ممكن في الجزء الشمالي من القطاع، لترهيب السكان وإجبارهم على النزوح من منازلهم. والنزوح بطبيعة الحال حق لكل فلسطيني يعيش هول الإجرام الإسرائيلي والحصار المحكم حيث لا ماء ولا كهرباء ولا غذاء ولا اتصالات. مُجرِم من يزايد على أهالي القطاع ويطلب منهم التحمّل والبقاء في منازلهم تحت ذريعة منع التهجير. لكن التدفّق البشري الكبير من الشمال حيث يصرّ الاحتلال على تحويله إلى بؤرة غير قابلة للحياة إلى الجنوب يفرض تحدّيات عدة على الأهالي ويطرح تساؤلات عن مدة قدرتهم على البقاء طويلاً في المنطقة مع حد أدنى من مقومات الحياة.

إسقاط مخطط التهجير لا يتطلب فقط تصريحات متضامنة من هنا أو تحذيرات من هناك أو مقترحات من نوع نقل الفلسطينيين إلى النقب. عدم السماح بتحقق ما يصبو إليه الاحتلال ممكن إذا ما اقترنت التحذيرات بأفعال وضغط. من الخطأ الاعتقاد أن الدول العربية لا تملك أي أوراق بإمكانها استخدامها في وجه الاحتلال ومخطّطاته. لكن السؤال الأهم ما إذا كانت مستعدة لاستخدامها بدءاً من مصر مروراً بباقي الدول التي تغرق في التطبيع وتمتلك سفارات إسرائيلية على أراضيها وعلاقات تصل إلى حد الشراكات معها.

بذل كل ما يمكن لوقف العدوان الخطوة الأولى الممكنة لمنع تحقق التهجير لأنه طالما استمرّ القصف بهذه الوحشية ازدادت فرص إسرائيل في تحقيق مخططها. يتحدث المسؤولون الإسرائيليون عن أنهم سيخوضون “كل الألعاب حتى النهاية” وأن وضع غزّة بعد الاجتياح البرّي سيكون “قضية عالمية” للنقاش بين الاحتلال وقادة العالم. هم على استعداد للذهاب بعيداً في تدمير القطاع وتدفيع الأهالي ثمن معركة طوفان الأقصى ولمحاولة تعويض فشلهم في توقع وإحباط العملية. في المقابل يكتفي العرب حتى الآن ببيانات واتصالات في معركة أصلاً غير متكافئة ينحاز فيها جزء رئيسي من العالم إلى المحتل، يحج إليه داعماً بشكل يومي ويتبنى سردياته بشأن المجازر ويبررها بينما يتجاهل حقوق أهل الأرض وما يتعرضون له من إبادة جماعية.

قدم الرئيس الأميركي جو بايدن، صاحب مقولة لا داعي أن تكون يهودياً حتى تكون صهونياً، من تل أبيب مرافعة قديمة/جديدة تمحورت حول “حق إسرائيل في الوجود” مانحاً إياهاً شيكاً على بياض للإجرام في غزّة وواعداً إياها بمليارات الدولارات من المساعدات العسكرية.

لم تكن إسرائيل في وضع محاطة به بكل هذا الدعم منذ عقود، وهي لن تدع ظرفا كهذا يمر من دون استغلاله للحد الأقصى طالما لا يتم التصدي لمخططاتها.

العربي الجديد