بداية، من المهم القول أنّ التقويم الهجري لم يخترع التقويم القمري، ولم يبدأ التأريخ بناء على مواضع القمر مع الإسلام. بل الواقع أنّ التقويم القمري هو أقدم أشكال التقاويم السنوية في العالم، ويعود تاريخ استعماله وَفْقاً للمؤرّخ الإنگليزي سامويل ميسي Samuel L. Macey إلى أكثر من ثلاثين ألف سنة. والتقويم الروماني مثلاً كان قمرياً وكذلك الهيليني تبعاً لديانة عشتار (عيسه-إيزيس في مصر) تبعاً لتقديس ميقات الدورة الشهرية عند الأنثى. والعرب ما خالفوا السائد من حولهم في الإمبراطوريات المعاصرة لميلاد الإسلام، فحافظوا على اعتماد التقويم القمري للدولة الإسلامية الأولى.
في الواقع كان الخليفة عمر بن الخطّاب هو من شاور أهل دولته في ماهية التقويم الذي ينبغي للدولة الإسلامية اعتماده على المراسلات الرسمية، فلم يُطرح التقويم الشمسي على الطاولة لأنّ الدولة الإسلامية الأولى لم تكن دولة زراعية بل كانت دولة تجارية. وتمّ الاتّفاق على اعتبار سنة الهجرة من مكّة نحو مدينة يثرب المنوّره هي السنة الأولى للتقويم الإسلامي، أي سنة ميلاد الدولة الإسلامية الأولى، لأنّها وبحسب عُمر ”الهجرة“ التي ”فرقت بين الحقّ والباطل“. ثمّ تداول المجلس اسم الشهر الذي تبدأ فيه السنة الهجرية فمال بن الخطّاب إلى الرأي الذي اختار شهر المحرّم لأنّه وبحسب عمر ”منصرف الناس من حجّهم“.
جرت هذه المداولات في المدينة المنوّرة في السنة 17 للهجرة، أي سنة 639 للميلاد. وعلى الرغم من أنّ هجرة رسول الإسلام حدثت فعلاً يوم 21 أيلول سنة 622 م، لكن ولأنّ الشورى اتّفقت على محرّم من تلك السنة ليكون الشهر الأول، فصار التقويم الهجري يبدأ فعلياً يوم 16 تمّوز من عام 622 ميلادي أي قبل هجرة الرسول بشهرين. وهكذا نرى أنّ الدولة لم تحرّك موضع محرّم ليلائم ميقات الهجرة، إنّما اعتمدت مطلع محرّم في مكانه من السنة كما كان قبل الإسلام.
اعتمدت الدولة الإسلامية على أسماء الأشهر ذاتها التي كان اعتمدها ملك العرب ”كلاب بن مرّة“ سنة 412 م، قبل البعثة بنحو 150 سنة. إذ أنّ العرب اجتمعت في مكّة في ذلك العام لتوحيد التأريخ والاتّفاق على تقويم عربيّ موحّد. وجرى الاتّفاق على أسماء اثني عشر شهر تبدأ بشهر شوّال وتنتهي برمضان، وهي: شوّال، ذو القعدة، ذو الحجّة، محرّم، صفر، ربيع الأول، ربيع الآخر، جمادى الأولى، جمادى الآخرة، رجب، شعبان، رمضان. (~الشيخ حسين عامر).
ويبدو من أسماء الأشهر أنّها كانت في الأساس لتقويم شمسيّ، صار قمرياً فيما بعد، سيّما وأنّ شهر رمضان أخذ اسمه من شدّة الرمضاء في ميقات موسم الحر وكان ثابتاً يقابل شهر آب أو أيلول في فصل الصيف… وهنا يدّعي المؤرّخون أنّ العرب جهلت الحساب فأخطأت في أسماء ومواضع الأشهر ولم تعرف الفرق ما بين القمري والشمسي، لكن واقع علوم العرب قبل الإسلام ينفي هذا الادّعاء وينفي عنهم تهمة ”الجاهلية“، وقد كانت علوم الفلك والحساب على تطوّر مذهل في القرون التي سبقت الإسلام وفي بلاده، وخاصة في مصر والشام والعراق.
وكانت حافظت العرب على الأشهر الإثني عشر بعد الإسلام سيراً على آية من سورة التوبة في القرآن جاء فيها ”إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ“… وهي الأشهر الحرُم التي كانت العرب قد حرّمت القتال فيها قبل الإسلام بعدّة قرون، وهي: رجب وذو القعدة وذو الحجّة ومحرّم.
وكانت السنة القمرية العربية قبل الإسلام والمسيحية 13 شهراً وسمح الشهر الثالث عشر بتعادل طول السنة القمرية مع الشمسية، ومن أسماء أشهر السنة القمرية عند عِباد عشتار من العرب:
1. مُؤْتَمِر أو المُؤْتَمِر
2. نَاجِر
3. خَوَّان أو خُوَّان
4. وَبْصَان
5. حَنِين
6. رُبَّى
7. الأَصَمّ أو مُنْصِل الأَسِنَّة أو المُحَرَّم
8. عَإذِل
9. نَاتِق
10. وَعْل أو وَعِل
11. وَرْنَة
12. بُرَك أو مَيْمُون
13. النسيء
وكانت الآية 37 من سورة التوبة قد حرّمت شهر النسيء باسمه: ”إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ“.
عموماً، من صفات التقويم الهجري التي تجاوزنا عنها اليوم أنّ اليوم ينتهي في ميقات غروب الشمس، وليس في منتصف الليل، أي أنّ اليوم التالي يبدأ بعد غروب الشمس مباشرة، فإذا كان اليوم السبت يبدأ الأحد مع الساعة الأولى بعد المغرب. بينما نعتبر في أيّامنا أنّ اليوم لا ينتهي قبل الساعة 12 منتصف الليل… في الواقع، كانت الساعة الإسلامية (الشرقية) تضع الساعة 6 على ميقات الظهيرة، ثمّ ينتهي اليوم حوالي الساعة 12 التي توافق ميقات مغرب الشمس.من جهة ثانية، اعتمدت السلطنة السلجوقية على تقويم هجري شمسي يسمّى بالتقويم الجلالي، وأستغرب عدم اعتماده اليوم في مختلف الدول الإسلامية كي يلغي حالة دوران الأشهر عبر مواسم السنة. وكان هذا التقويم قد وُضع في القرن العاشر في سمرقند من قِبل لجنة من سبعة علماء فلكيّين كان على رأسها ”عمر الخيّام“. ودقّة التقويم الهجري الشمسي أعلى من دقّة الميلادي لأنّه تقويم مداره الأبراج الفلكية التي تمرّ فيها الشمس، حيث أنّ لكل برج فلكي 30 درجة قوسية على مسار الشمس، والشمس تمرّ ببرج واحد في كل شهر شمسي.
وكان التقويم الجلالي هو التقويم الذي استبدل الأسماء العربية واعتمد أسماء أيام الأسبوع كما نعرفها اليوم: الأحد، الاثنين، الثلاثاء، الأربعاء، الخميس، الجمعة، السبت.
كان أسبوع العرب قبل الإسلام يبدأ بالأحد، أيّامه أسماءها على التوالي:
(1) الأحد: كانوا يسمّونه (أوَّل) لأنّه أوّل الأسبوع.
(2) الاثنين: أَهُوَن أو أوهَد، وهو اسم ملك معبود.
(3) الثلاثاء: جُبار، يوم التجاره.
(4) الأربعاء: دُبار، يوم السفر.
(5) الخميس: مؤنس، يوم البركه.
(6) الجمعة: عَروبه، يوم صلاة الغروب.
(7) السبت: شِيار، يوم المشوْره والمشوَره.
بعد أن اعتمدت سلطنة السلاجقة على التقويم الجلالي اعتمدته كذلك جميع الدول الإسلامية آنذاك ما عدا الخلافة الفاطميّة، التي كانت تخالف بغداد بطبيعة الحال، ثمّ لمّا تحوّلت الفاطمية في مصر إلى السلطنة الأيوبية حافظت الأخيرة على التقويم الهجري القمري وأورثته لسلطنة المماليك التي أعادت اعتباره تقويماً عبّاسياً مع انتقال الخلافة الإسلامية إلى القاهرة، فصارت عليه أغلب السنّة من جديد؛ حول المتوسط وفي وأوروپا.
اعتمدت السلطنة العثمانية على التقويم الجلالي لبعض الوقت، ثمّ عادت إلى التقويم القمري المملوكي تماشياً مع الوسط العبّاسي. لكنّ التقويم الهجري الشمسي لم يزل معتمداً إلى اليوم في إيران وأفغانستان، ومعتمد كذلك في تقويم أمّ القرى الذي تعترف به المملكة العربية السعودية. لكن يبدأ التقويم الجلالي في إيران وأفغانستان من يوم الاعتدال الربيعي، بينما تبدأ به السعودية من يوم الاعتدال الخريفي.
وأسماء أشهر السنة الهجرية الشمسية العربية هي: الحمل، الثور، الجوزاء، السرطان، الأسد، السنبلة، الميزان، العقرب، القوس، الجدي، الدلو، الحوت. ولا تتطابق بدايات الأشهر فيها مع السنة الشمسية الگريگورية. وفي إيران تبدأ السنة الجلالية مع يوم النوروز الموافق لـ1 الحمل في بداية فصل الربيع، وهو ذاته توقيت 21 آذار في التقويم الميلادي. بينما تعتبر السعودية أن 1 الحمل هو يوم الاعتدال الخريفي.بكلّ حال، انتشرت التقاويم القمرية في كلّ الثقافات التي قدّست الدورة الشهرية الأنثوية وربطتها بدوران القمر حول الأرض، وهذه قائمة ببعضها:
التقويم الهجري الإسلامي موضوع هذه التدوينة ويبدأ بشهر محرّم.
التقويم العبري، المطابق للتقويم السلوقي القمري ويبدأ بشهر نيسان.
التقويم الكنعاني (الفنيقي) المسمّى بتقويم گِزِر أو گَزُر، وكان عُثر عليه في تل الجزر قرب الرملة في فلسطين ويبدأ بشهر تشرين ”يرحو“.
التقويم الأسوري (الأشوري) واسمه بالأسورية ”سورگاذا أطورايا“ وأسماء الأشهر فيه هي ذات الأشهر السورية اليوم، لكنّه اعتُمد في نسختين، واحدة شمسية والثانية قمرية، وكان في كلا الحالتين يبدأ بشهر نيسان.
التقويم الروماني، كان تقويماً قمرياً يعتمد على تقسيم السنة إلى عشرة أشهر تبدأ بشهر آذار، ثمّ أضيف شهرين إلى السنة الرومانية في عهد الجمهورية، وكان الرومان يضيفون شهراً كل سنتين كي تعادل السنة القمرية المواسم الشمسية من جديد فتصبح السنة 383 يوم.
تقويم شعب يورُبا (Ìran Yorùbá) وهم حوالي 60 مليون من سكان نيجيريا، ويبدأ التقويم المسمّى ”كوجوده“ بمشاهدة القمر الأخير من شهر أيار أو القمر الأول من شهر حزيران.
تقويم شعب إگبو (Ṇ́dị́ Ìgbò) وهم حوالي 45 مليون من سكّان نيجيريا، ويتكوّن تقويم إگبو من 13 شهر للسنة، وسبعة أسابيع للشهر، وأربعة أيام للأسبوع (لا يمكن تسميته أسبوع هكذا). وتبدأ سنة إگبو بمشاهدة قمر شهر شباط.
تقويم شعب نيپال ويسمّى بلغتهم ”نيپال سَمبات“ नेपाल सम्बत ويبدأ في شهر تشرين.
التقويم الجاوي وهو تقويم جمهورية إندونيسيا. ويعتمد على تقسيمات معقّدة توافق ما بين التقويمين الشمسي والقمري، ولا يعرف التقويم الجاوي الأشهر التقليدية لكنّه يقسّم السنة إلى دورات تبدأ في مقابل حزيران ”مَنگسا كَسو“ وطوله 41 يوماً.
تقويم ميانمار أو بورما، ويعتمد على تقسيمات معقّدة توافق ما بين التقويمين الشمسي والقمري ومستنسخ عن التقويم الهندوسي، ويبدأ بشهر تَگُ الذي يدور مع السنة القمرية.
تقويم شعب ماوري، تقويم من 12 شهر لسكّان نيوزيلاند الأصليين، ونتيجة الاستيطان الإنگليزي تحوّل التقويم الماوري إلى بداية السنة بشهر كانون الثاني الذي يسمّى بالماورية ”هانُيره“ Hānuere.
تقويم شعب هايده X̱aayda الذي يعيش على أرخبيل جزائر غرب كندا المعاصرة، وهم من الأميركيين الأصليين، ويبدأ تقويمهم مع شهر نيسان الذي يُسمّى بلغة هايدية ”گَنسگي حلا كونگاس“.
بالخلاصة، التقويم الهجري الإسلامي جزء من النسيج الحضاري الإنساني لمنطقة المتوسط والمنطقة الأفروآسيوية بالعموم. ورغم تحوّله إلى تقويم شمسي خلال القرن العاشر (في ذروة الحضارة الإسلامية) لكن، عادت وأرجعته الخلافة الإسلامية إلى تقويم قمري خلال العصور الوسطى.
رابط مرفق بخرائط وصور توضيحية https://albukhari.com/2020/08/20/hijri/
Be the first to write a comment.