مَن يهتم بأن يكون للبنان رئيس جدي؟ لا أحد. لماذا؟
أولاً، لأن مجلسه النيابي ليس على مستوى الواجب الملقى عليه “دستورياً”، وليست فيه تكتّلات مؤتلفة ووازنة وقادرة على إيصال مرشح مؤهّل يعيد للرئاسة هيبتها وقابليتها للتعاطي مع العرب والعالم.
ثانياً، لأن المضي الى الرئاسة بهذا البرلمان، وبالتركيبة التي خرج بها من صناديق الاقتراع، يكرّس موازين القوى الطائفية المختلّة ويرهن مستقبل النظام لدى الحلف الثنائي بين “حزب إيران/ حزب الله” و”التيار العوني”، وهو حلف لا يضمن صيغة التعايش المشترك (ولو شكلاً) ولا يصون “الميثاقية” (ولو كذباً) ولا يؤمّن تعافياً اقتصادياً ولا استقراراً (ولو بالحدّ الأدنى).
ثالثاً، وبناءً على المعطيات الداخلية هذه، آلت أزمة الشغور الرئاسي الى الجهات الخارجية المعنية (إذا كانت معنيةً فعلاً)، والمتناقضة في أهدافها وفي الموقف من “حزب إيران”، كي تتولّى بلورة “تسوية” في ما بينها أولاً، وبينها وبين إيران تالياً، ليكون ملء الشغور متاحاً، أيّاً من يكون الرئيس.
لكن، رابعاً، إذا كانت إيران و”حزبها” هما من يدير الأزمة الرئاسية، وإذا كانتا تبحثان عن “تسوية” مع الخارج (الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية) فما الذي تتوقّعانه أو تقدمانه… لتسهيلها؟ أن يأخذ الخارج في الاعتبار أن سيطرتهما على لبنان باتت ناجزة وتتمثّل بترسانتهما من الأسلحة والصواريخ والمسيّرات، وأن الخيار الوحيد المتاح هو “انتخاب” رئيس لبناني ملتزم الرضوخ لهذه الترسانة وحمايتها، وأن تعترف الحكومة بـ “المقاومة” وبـ “شرعية” سلاحها فوق الدولة وليس فقط خارجها. واستطراداً، أن تقبل الجهات الخارجية الثلاث بهذه السيطرة، وأن تعترف بـ “المقاومة” وسلاحها، أي أن تخطو – من أجل لبنان! – خطوة استراتيجية لم تقدم عليها سابقاً: أن تعترف للمرة الأولى بـ “المشروع الإيراني”، فما الذي سيحول عندئذ من خطوات مماثلة في سوريا واليمن وفلسطين إذا ما سُلِّم بأن ذلك “المشروع” بات واقعاً معترفاً به في العراق.
كل ذلك لا يمنع حصول “تسوية” أو ما يشبهها، فإيران تنتظر من الولايات المتحدة وإسرائيل ثمن “التنازل” الذي قدّمته في ترسيم الحدود البحرية، وواشنطن لا تزال معنية بإنجاز الاتفاق النووي كأولوية استراتيجية وإن كانت تقول الآن إنها مهتمّة بالحراك الشعبي داخل إيران، لكن يبقى ممكناً أن تقدّم تنازلات أخرى لإنهاء الاستعصاء النووي من دون أن تبارك “شرعنة” “حزب إيران” لا في لبنان ولا في سواه.
أما فرنسا الراغبة في “شراكةٍ” ما، إقليمية أو دولية، مع إيران فتقلّب الخيارات بين يديها ولا تجد سوى التعامل مع الأمر الواقع الذي فرضته إيران و”حزبها” في لبنان، علماً بأنها غير قادرة على ترويضه أو تجاوزه، بل لعلّه هو الذي يروّضها لقبول شروطه واملاءاته مقابل أن يبقى لها دور، وصولاً الى الاعتماد عليها لحشر خصومه المحليين كي يمتثلوا لإرادته. لا يمكن أن تجهل فرنسا أنها تُخضع سيادة لبنان ودولته للمساومة بمجرّد انخراطها في “حوار” عقيم مع “حزب إيران”.
وأما السعودية فمن البديهي أنها لن ترضى بممثّل لهذا “الحزب” في الرئاسة اللبنانية، ولن توافق على أي “تسوية” خارجية في شأنه. وإذا كانت لا تستطيع تعطيل وصوله ولا مقاطعته ديبلوماسياً فإنها ستواصل توفير المساعدات الإنسانية، كمعظم الدول، ولن تكون معنيّة بأي خطط لدعم نهوض “دولة حزب إيران”.
النهار العربي
Be the first to write a comment.