تحلّ الذكرى الثالثة عشر لانطلاق ثورة الياسمين في تونس يوم 17 ديسمبر 2010 والتي كانت شرارة الربيع العربي بثوراته الديمقراطية السلمية في ليبيا ومصر واليمن وسوريا ثم في السودان ولبنان والعراق.

وبهذه المناسبة اترحم على روح محمد البوعزيزي وأرواح كل شهداء ثوراتنا وأتقدم للجرحى الذين ما زالوا يعانون من اعاقات بكل عبارات الامتنان والأسف لما فعلته بهم الثورة المضادة والأمل في أن يعاد لهم الاعتبار والتكريم الذي يستحقون يوم يغلق القوس المشين لهذه الثورة المضادة.

وبهذه المناسبة أريد تذكير التونسيين والتونسيات بما يلي:
1-لم تتعرض ثورة لما تعرضت له ثورتنا من تبخيس وتدنيس وافتراء وقلب للحقائق جعلت المخدوعين يصدقون وينشرون كذبة العشرية السوداء والحال أن السنوات الثلاث التي حكمت فيها الثورة (2011-2014) كانت سنوات بناء الدولة الديمقراطية وبناء المواطنة الحقيقية وتمتع الجميع لأول مرة في تاريخ تونس بالحريات الفردية والجماعية والانطلاق الجدي في محاربة الفساد وتسليح الجيش ناهيك عن سمعة عالية جعلتنا مفخرة بين شعوب الأمة والعالم.

أما الآن فتونس تختزل صورتها في دولة متسولة واقتصاد منهار وشعب في طوابير الخبز ومعنويات في الحضيض ومنقلب شعبوي في القصر وكمشة من المبتدئين يسيرون الدولة. كل هذا الانهيار المتفاقم يوما بعد يوم لم يبدأ إلا بعد عودة الثورة المضادة للسلطة في ديسمبر 2014.هل هناك وقاحة وافتراء أكبر والمتسببون في العشرية السوداء هم الذين يعيروننا بها؟

2-رغم كل ما أنجزت فإن الثورة فشلت فشلا ذريعا في التواصل وتحقيق أهدافها. أما السبب فهو فشل كل الأطراف المعنية بنجاحها في الدفاع عنها : فشلي الشخصي في تقدير قدرة الاعلام على تخريب العقول والقلوب …فشل النهضة في صفقاتها مع النظام القديم لضمان أمنها على حساب الثورة … فشل الأحزاب الديمقراطية العلمانية في التقاط اللحظة التاريخية وتغليب كرههم لي وللنهضة على المصلحة العامة … فشل الاتحاد العام الذي قاد الثورة المضادة وها هو يجني ثمار ما زرع … فشل عامة الناس الذين لم يصبروا على الثورة وصدّقوا الدجال الذي وعدهم ببرنامج اقتصادي يدوّخ فلم يدوّخهم إلا مزيد من الفقر والبطالة والهوان. كلنا إذن نتحمل قسطا متفاوتا من هذا الفشل العام ولا حق لأحد أن يتنصل من مسؤوليته وعليه في قرارة ضميره أن يعترف بدوره وخاصة أن يتعلم من أخطائه.

3-إن كان من واجبنا تحمل مسؤوليتنا الشخصية والجماعية في فشل الثورة فلا يجب أن نسرف على أنفسنا بعقدة ذنب لا طائل من ورائها. لقد واجهنا فيتو إقليمي ودولي مصمم على اجهاض ثورتنا وعلى كل ثورات الربيع بكل الوسائل الرخيصة والدموية أساسا الاعلام الفاسد والإرهاب وتجنيد الدولة العميقة لعرقلة كل مشاريع الإصلاح. حقا كان بوسعنا أن نقاوم فترة أطول، لكن النسق الطبيعي للتاريخ هو أن تتبع الثورة دوما ثورة مضادة ليكون مآلها الفشل فيتجدد المسار الثوري وهذا بالضبط وضعنا اليوم.

4-ان الانقلاب الشعبوي لصيف 2021 هو ذروة هذه الثورة المضادة وذلك بنجاحه في تصفية دستور الثورة والنظام الديمقراطي والعودة للحكم الفردي الشيء الذي أدى إلى مزيد من تعطل المكنة الاقتصادية واستشراء الفساد وانهيار سمعة تونس وفقدان التونسيون والتونسيات كل أمل في المستقبل. بهذه الإنجازات ”العظيمة” تكون الثورة المضادة قد استوفت زمانها وأثبتت فشلها وباتت هزيمتها ضرورة قصوى حتى لا يتواصل التفكك والتحلل والتعفن الذي يطال الدولة والشعب بكيفية غير مسبوقة في تاريخنا الحديث.

5-إن مسؤولية وقف الانجراف هي مسؤولية من أسميهم شعب المواطنين. خلافا للشعارات الشعبوية التافهة من قام بالثورة المجيدة ليس الشعب الخيالي ولا الشعب الحقيقي أي العشرة ملايين تونسي وتونسية وإنما مائتي ألف مواطن ومواطنة على أكثر تقدير تجمعت فيهم صفات الوعي والشعور بالمسؤولية والشجاعة والقدرة على التضحية بالمصلحة الخاصة من أجل المصلحة العامة وخاصة الشعور الحاد بكرامتهم وعزمهم على أن يعيشوا وان يموتوا أحرارا.

هؤلاء المواطنون والمواطنات متواجدون في الجيش، في الامن، في الإعلام، في القضاء، في النقابات، في المؤسسات الاقتصادية، في سلك التعليم والصحة الخ وهم من تناديهم تونس اليوم للخروج من الصمت والترقب والإحباط ولمنع مزيد من تفكك الدولة وتعفن المجتمع وانهيار الاقتصاد.

لإنقاذ الوطن وأمام فشل وضعف وقلة مصداقية الأطر السياسية الموجودة لا خيار للقوى الثورية وخاصة الشباب الذي يمثل النواة الصلبة لشعب المواطنين من خيار آخر غير بناء أطر سياسية ومجتمعية قادرة على غزو الشارع وتأطير وقيادة الانفجارات المقبلة وحماية الثورة من أعدائها في الداخل والخارج.

عادت الأفعى فلنعد لها بالنعال. لنستأنف جميعا مسار الثورة متعلمين من أخطائنا ومتحدين لمواجهة أي فيتو إقليمي أو دولي مستلهمين من الشعب الفلسطيني معنى التضحية القصوى حتى لا يكون شهداؤنا قد ماتوا عبثا وحتى لا يحكم على شبابنا أن يموت كمدا في الأرض أو أن يموت غرقا في البحر.

إن الأشهر والسنوات المقبلة ستشهد انفجارات جبارة ليس فقط في تونس وإنما في كل أرجاء الوطن العربي وستضع كل الأفراد والمؤسسات أمام اختيارات بالغة الصعوبة إما الوقوف مكتوفي الأيدي أمام انهيار متسارع للبلاد ودخولها في فوضى غير مسبوقة وإما تحمل مسؤولياتهم في إيقاف هذا الوضع المخل بكل قواعد المنطق والقيم والمصلحة العامة.

المجد والخلود لشهداء المقاومة في فلسطين وشهداء ثورتنا وثورات شعوب الربيع العربي وكل شعوبنا العربية المتعطشة للحرية والكرامة والعيش الكريم.

الحرية للمساجين السياسيين ولا بد لليل أن ينجلي