إذاً، لا “توافق” لبنانياً – لبنانياً على رئيس جديد. ومع اعلان الأمين العام لـ “حزب إيران/ حزب الله” شروطه/ مواصفاته للرئيس العتيد، أعاد لعبة الفراغ الرئاسي الى مربعَي 2007 بعد انتهاء ولاية إميل لحود التي مدّدها النظام السوري، و2014 بعد انتهاء ولاية ميشال سليمان التي ولدت في “اتفاق الدوحة (2008)”، إذ استحال بعدها “التوافق” على ميشال عون ففرض “الحزب” فراغاً استمرّ عامين ونصف العام ليتمكّن من ترئيسه، مكرّساً “عُرفَ” تحكّمه بالرئاسة، واستطراداً بالدولة والحكومة، ولذلك يعتبر اليوم أن لا سبيل لنقض هذا “العُرف” غير الدستوري الذي يحميه بسلاحه غير الشرعي وبسوابقه في الاغتيالات السياسية، قبل رفيق الحريري وبعده. بات “الحزب” يستند الى “تسوية الدوحة” التي فرضها بـ “غزوة بيروت”، وتسويتَي “سمير جعجع – عون” و”سعد الحريري – عون”، وقد حُرّفت جميعاً ونُقضت عندما انتفت وظيفتها، فما كان هدفها الحفاظَ على “الشرعية” واستنهاض الدولة، كما ظنّ أصحابها، بل تمكين الاحتلال الإيراني بمصادرة رئاسة عون ولاحقاً بتأمين وراثة “عونية” لها.

في 2022 لم تعد كذبة “التوافق” ممكنة. انكشفت وسقطت. لم يعد لها زبائن محلّيون ذوو حيثية، فـ “الأداة العونية” التي اعتمدها “الحزب” خرجت موصومة بتخريب البلد، و”الأدوات” البديلة التي أعدّها لما بعد عون أو امتداداً له عُطبت داخلياً قبل أن تُعطب خارجياً. أصبح قبول الرئاسة، أو مجرّد الترشّح لها باسم حسن نصرالله، عنواناً مسبقاً لفشلٍ محقّق كان عهد ميشال عون نموذجاً بائساً له، ويستلزم الكثير من الغباء والانتهازية لتكراره، فأي “رئيس” يأتي بشروط نصرالله لن يكون “أقوى” من عون الذي اختبر قوّته باقتياد لبنان الى “جهنم”. والفشل المعلن يعني للبنانيين وضعاً أسوأ مما عاشوه وعايشوه حتى الآن، إذا كان هناك أسوأ. “الحزب” الحاكم بأمره أعدّ نفسه لمثل هذه الحال ولا يبالي بالمجتمع، بل يعتقد أن المجتمع الدولي يرفد تسلّطه بمواصلة تقديم مساعداته الإنسانية لإعانة اللبنانيين على الصبر.

ليس أدلَّ الى سقوط “التوافق” من انبراء نصرالله للمواجهة، وإذ خصّص وقتاً طويلاً لمهاجمة “ثورة 17 تشرين” فإنه قدّم اعترافاً متأخّراً بأنها عرّت “نظامه” وفضحت “أدواته” وأفسدت حساباته وجعلته مضطّراً للاحتماء بـ “الورقة البيضاء”، بلا غالبية برلمانية وبلا “مرشّح وحيد” للرئاسة. لا شكّ أن خسارته الرهان على فرض “تسوية” داخلية تلبي إرادته دفعته الى الجهر بـ “مواصفاته” للرئيس المطلوب: أن يكون “غير خاضع” للولايات المتحدة (بل لإيران؟)، وأن يكون “مطمئِناً للمقاومة لا يطعنها في ظهرها ولا يبيعها”. ما دامت “المقاومة جزءاً كبيراً من الشعب اللبناني”، كما يقول نصرالله بكل ثقة، فلماذا يخاف عليها، بل لماذا يفترض أن أي رئيسٍ (من غير “أدواته”) سيتنكّر لها أو “يبيعها”. لكن ماذا عن نصرالله نفسه وعن بيعه البلد وإصراره على الاستمرار بطعنه في ظهره؟ أليست شروطه الرئاسية إبلاغاً علنياً لطهران بعجزه عن فرض “مرؤوسه” على الجمهورية، واستعجالاً لتسوية خارجية تتولّاها إيران مع فرنسا أو سواها؟..

كانت إسرائيل أصرّت طوال ثلاثة عقود، وفي كل مراحل التفاوض مع الفلسطينيين، على أن يقدّم مَن هم تحت احتلالها “ضمانات” أمنية وسياسية موثّقة لهذا الاحتلال، أي لإدامته. أليس هذا ما يطلبه نصرالله من اللبنانيين لإدامة الاحتلال الإيراني؟

النهار العربي