في موسم الزلازل وكوارثها تعيد ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري تذكير اللبنانيين، بمن فيهم أولئك الذين نفذوا الأوامر الأسدية- الإيرانية وضلعوا في الجريمة، بأن ارتدادات زلزال ذلك الاغتيال لا تزال ناشطة ومتحرّكة، والمؤكّد أنها لن تهدأ طالما أن القتلة مخرّبي البلاد استولوا على الدولة وحلّوا بالقوة والترهيب محل الذين ساهموا بقيادة الحريري في التعمير والتطوير، وفي وضع لبنان في مكان مرموق على الخريطة العربية والدولية. كان يمكن أن يُنسى الحريري، وأن يُتَجاوَز تغييبه، كأي سياسي يلقى مصيره، كما توقّع مَن أمروا بتصفيته وتمنّوا، لو أنهم تبنوا، مثلاً، مشروعاً تنموياً “بديلاً” من مشروعه، لكنهم اعتمدوا على العكس مساراً تخريبياً جهنمياً لا تزال وقائعه سارية. لا يزال الحريري في أذهان اللبنانيين ووجدانهم ويومياتهم، إذ يقارنون بين الواقع الواعد الذي عاشوه معه وواقع الإفقار والظلام والخطر الوجودي الذي فرضه “حزب القتلة”، “حزب إيران/ حزب الله”، على مستقبلهم.

كما تبدّى غياب رفيق الحريري نكسة تاريخية لإعمار لبنان واقتصاده وأمانه، وكما برهنت الاحتلال الإيراني أنه كان ولا يزال نذير انهيار البلد الى قاع القاع، كذلك تأكد أن انسحاب سعد الحريري- موقتاً أو دائماً- من العمل العام، مؤشّرٌ الى أبواب لبنان ونوافذه لن تُفتح قريباً ليباشر خروجه من الجحيم الذي دفعه “الحزب” وزبانيته إليه. لم يعنِ انسحاب الحريري الابن سوى أن “الشركاء” في التعايش لم يعودوا معنيين بانتشال الوطن من تحت الانقاض بل بفتات السلطة الذي يرميه “حزب إيران” إليهم في غمرة احتفاله بسيطرته وباستزلامهم في خدمة تسلّطه وبتوظيفهم في عبثه الطائفي والمذهبي. قد لا يكون انسحاب الحريري خياراً شخصياً محضاً، وقد لا يكون صائباً بنتائجه السياسية، لكنه عبّر بشكل جلي عن أن “الانتماء العربي” للبنان غرق في مرحلة ضبابية. ربما ظن كثيرون أن نصّ الدستور على ذلك “الانتماء” انما كان عبارة انشائية، لكن الوقائع أظهرت وتُظهر أنه كان بمثابة بوليصة تأمين للبنان. ولا مبالغة في القول إن اغتيال الحريري الأب و”تطفيش” الحريري الابن كانا عنوانين للانسحاب العربي وحتى الدولي من رعاية لبنان.

عشية الذكرى الثامنة عشرة لـ “زلزال” 14 شباط (فبراير) 2005 كان سفراء الدول الخمس يبلغون آخر مسؤولَين ذَوَي “شرعية”، إذا جاز التعبير، أن دعم لبنان مرتبط بانتظام الدولة بدءاً بانتخاب رئيس، لذا فإن أعضاء مجلس النواب ملزمون بأن يتجنّدوا للتنقيب والبحث عن “رئيس جديد” ولو تحت أنقاض الخراب الإيراني في لبنان، وبخلاف ذلك فإن المجتمع الدولي سيعيد النظر في مجمل علاقاته مع البلد، إذ لا يمكن أن تكون الدول الخارجية “أكثر حرصاً من المسؤولين اللبنانيين أنفسهم”. أياً تكن التأويلات فإن “المسؤولية” التي تطالب الدول الخمس بتحمّلها ضائعة في بازار شروط “حزب إيران” والمصالح الضيّقة لحلفائه، فيما مسّت الحاجة داخلياً الى “الوسيطين الوطنيين”، فالأول اغتياله “حزب القتلة” والثاني حاصره هذا “الحزب” وأمعن في مضايقته لإبعاده، ليتفاجأ بأنهما لا يزالان حاضرين، وبأن البلد يحتاج الى دورهما العربي أكثر مما يحتاج الى دور إيران ومشروعها. يمكن الاحتلال الإيراني دفع لبنان الى مزيد من الانهيار لكنه لا يستطيع إنقاذه، حتى لو استأنف نهج الاغتيالات.

النهار العربي