ما زالت ارتدادات هجوم هيئة «تحرير الشام» وحلفائها على عفرين مستمرة للأسبوع الثالث على التوالي، حيث وصل الخلاف إلى صلب حركة «أحرار الشام» الإسلامية، فأعلنت خمس كتل عسكرية منضوية في «الحركة» من خلال بيان أصدرته الأربعاء الماضي، عن عزلها للقائد العام للحركة عامر الشيخ المعروف «أبو عبيدة القطناوي» الموالي للشيخ حسن صوفان، القائد الأسبق للحركة والمتحالف مع أبو محمد الجولاني قائد «تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) وتعيين يوسف الحموي الملقب «أبو سليمان» خلفا له. وتمثل الكتل الخمس الثقل الأكبر في الحركة، وهي «لواء الإيمان» حماة، ولواء «الخطاب» و«قوات النخبة» سهل الغاب، و«لواء الشام» دمشق، و«كتيبة الحمزة» إدلب.
وأوضح البيان أن الكتل الخمس علقت عملها مع القيادة الحالية كوسيلة للضغط عليها لتعيد النظر في سلوكها وتقوم بخطوات إصلاحية تحافظ من خلالها على مسار الحركة لكن من دون جدوى.
ووصف البيان القيادة المعزولة بالانقلابية، داعيا باقي التشكيلات والكتل إلى فعل الشيء ذاته، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل ما وصفته بـ «الانقلاب».
وكانت القيادة المعزولة قد أصدرت قبل أيام بيانًا تبرأت فيه من عدة قادة تاريخيين في الحركة بعضهم أعضاء في «مجلس الشورى» أبرزهم جابر علي باشا، وعلي العمر ومهند المصري ومحمد ربيع الصفدي وأبو حيدرة الرقة، وخالد أبو أنس، وأوضح البيان أن القيادات المعزولة لا ينتمون للحركة ومواقفهم تعبر عن آرائهم كأشخاص لا علاقة لأحرار الشام بها.
بدوره وصف قائد الحركة الجديد يوسف الحموي عبر سلسلة من التغريدات على حسابه الرسمي في منصة «تويتر» المستجدات الطارئة على الحركة بأنها «عملية جراحية ضرورية كان لا بد منها لإنقاذ الحركة من الموت في اللحظات الأخيرة، وإخراجها من الحالة السريرية التي أقحمها فيه قصر النظر وسوء التدبير ممن كان قائمًا عليها».
وكان القائد المعزول «القطناوي» قد سيطر على قيادة الحركة بدعم وتأييد من حسن صوفان القيادي البارز في الحركة والمقرب من الجولاني بعد عزل القائد العام السابق «جابر علي باشا» في 2020 على خلفية الحديث عن اندماج مع «الفيلق الثالث» أحد مكونات الجيش الوطني، ومما لا شك فيه أن زعيم «تحرير الشام» دعم، حينها، عملية عزل علي باشا وتعيين عامر الشيخ.
وهذا ما يؤكده هجوم رتل تابع لهيئة «تحرير الشام» على معسكر لأحرار الشام في منطقة «ترندة» بريف عفرين الخميس، وكان الجيش التركي قد منع تقدم الرتل باتجاه عفرين من معبر الغزاوية ليلتف إلى المعسكر عبر طريق زراعي.
مجددا وتر تحرك الرتل الأجواء في منطقة إعزاز، وهي معقل الجبهة الشامية والفيلق الثالث الذي صد هجوم «تحرير الشام وحلفائها. وخرجت بعد صلاة الجمعة مظاهرة سيارات انطلقت من إعزاز إلى عفرين رفضًا لدخول «الهيئة» إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني، وردد المتظاهرون هتافات نددت بممارسات «الجولاني» وعبرت عن رفض تدخله في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني، وطالبت بإدارة مدنية موحدة تشرف على المناطق المحررة، كما طالب المتظاهرون بإزالة الحواجز والنقاط العسكرية وإخراج المقرات من داخل المدن والبلدات في مناطق عمليات «درع الفرات» و «غصن الزيتون». وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بخروج مظاهرة مساء الخميس بالقرب من دوار القبان في مدينة عفرين، وقال المرصد أن المظاهرات خرجت رداً على انتشار عناصر هيئة تحرير الشام، اليوم بالقرب من دوار القبان، وإغلاق الطرق المؤدية إلى أحد معسكرات حركة «أحرار الشام» في قرية ترندة بريف عفرين الشرقي، وهي نقطة مواجهة مع قوات سوريا الديمقراطية «قسد» المتمركزة في منطقة الشهباء بريف حلب الشمالي.
الجدير بالذكر أن فصائل وتشكيلات الجيش الوطني المعارض كانت بدأت صباح الجمعة بالانسحاب وإخلاء مقراتها ومعسكراتها داخل المدن والبلدات والأحياء السكنية الواقعة في مناطق عمليتي «درع الفرات» و«غصن الزيتون» تنفيذًا للأوامر التركية.
وأكد قيادي في «هيئة ثائرون» لـ «القدس العربي» أنهم بدأوا «إخلاء المدن والقرى من المظاهر المسلحة والعسكرة» تطبيقا للاتفاق مع الجانب التركي وتسريعا لخطة إعادة هيكلة الجيش الوطني السوري المعارض. وتناقلت مواقع محلية أن الإخلاء سيبدأ من الأحياء السكنية في مدينة عفرين والقرى المحيطة بها، لتشمل لاحقاً الأحياء السكنية في مدن إعزاز والباب ومارع وصوران والقرى التابعة لها، ضمن مناطق العمليات التركية في شمال وشمال شرقي حلب، وذلك تمهيداً لاستتباع كل الفصائل لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة.
وقال ضابط في الجيش الوطني لـ «القدس العربي» إن خطة وزارة الدفاع هي رفع أعداد العناصر التابعين لإدارة الشرطة العسكرية من 2500 حاليا إلى خمسة آلاف في المرحلة المقبلة» كما أكد تقديم وزير الدفاع، العقيد الطيار حسن حمادة خطة لمسؤولي الملف السوري في أنقرة سمى خلالها قائدا جديدا للشرطة العسكرية وثلاثة ضباط جدد كقادة لأفرع الشرطة العسكرية الثلاثة المنضوية تحت الإدارة. هذا ويشغل العميد أحمد الكردي منصب مدير إدارة الشرطة العسكرية ويعتبر مقربا من «الجبهة الشامية».
وأضاف الضابط الذي فضل عدم ذكر اسمه، أنه يجري «تفحص عدة مواقع عسكرية خارج المدن لاتخاذها كمقرات لقيادة الفيالق الثلاثة بهدف إخراج العسكريين من المدن». وأشار أن الهدف من رفع أعداد الشرطة العسكرية هو «تسلم كافة الحواجز من فصائل الجيش الوطني». وعلمت «القدس العربي» من مصدر في وزارة الدفاع في الحكومة الموقتة المعارضة أن الوزارة طلبت من الفيالق الثلاثة تسليم «قوائم وذاتيات كافة عناصر الألوية مع البطاقات العسكرية من أجل تثبيت قيودهم في الوزارة بغية تسليم رواتبهم عبر الوزارة».
ومما لا شك فيه أن تلك الخطوة ستقلص الأعداد الوهمية لأعداد المقاتلين التي يضيفها القادة في كل الفصائل بنسبة تقدر بين 20-30 في المئة.
في سياق منفصل، أنهت اللجنة المشتركة لرد الحقوق التابعة للجيش الوطني عملها يوم الثلاثاء الماضي، تنفيذا للاتفاق المفروض من الجانب التركي، وتمهيدًا لتفعيل وتمكين دور المؤسسات المدنية والعسكرية وخصوصا القضاء العسكري، وأعلنت اللجنة المشكلة من كافة فصائل الجيش الوطني في أيلول (سبتمبر) 2020 عبر بيانٍ لها إنهاء وجودها وعملها، وأوضح البيان أن «اللجنة المشتركة لرد الحقوق عملت بكوادرها المؤلفة من فصائل الجيش الوطني على مدى عامين ما بوسعها لرد الحقوق وحل القضايا بشكل مباشر». موضحة أنه «آن الأوان لتفعيل المؤسسات المدنية والعسكرية».
وتمثل هذه الخطوات تطبيقاً واضحا لمخرجات «اجتماع عنتاب» الذي جمع قيادات من الجيش الوطني والفيلق الثالث من أبرزهم سيف بولاد قائد «فرقة الحمزة» ومحمد الجاسم «أبو عمشة» قائد فرقة «سليمان شاه» وحسام ياسين قائد «الفيلق الثالث» وفهيم عيسى قائد «هيئة ثائرون للتحرير» مع مسؤول الملف السوري في جهاز الاستخبارات الوطنية التركية.
ومن أبرز مخرجات اجتماع عنتاب خروج «هيئة تحرير الشام» من مناطق عفرين، وإشراف تركي على صندوق مالي للمنطقة وإلغاء كافة السجون والمؤسسات الأمنية التابعة للفصائل، وحل التشكيلات العسكرية الصغيرة ودمجها ضمن مكونات الفيالق الثلاثة في الجيش الوطني، بالإضافة إلى تشكيل هيئة تنسيق بين فيالق الجيش الوطني والحكومة السورية المؤقتة للتشاور مع الجانب التركي لإدارة المنطقة.
القدس العربي
Be the first to write a comment.