هل مشكلة السوريين الحالية هي مجرد مشكلة ترحيل للمخالفين لقانون الإقامة !؟ أم هي مشكلة أكبر من ذلك بكثير ولها خلفياتها الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية والنخبوية !؟
من يتابع الكتابات والمقترحات التي كتبت بالأيام الأخيرة يرى أنها ركزت وتمحورت حول مشكلة آنية مؤقتة، وهي حملة الترحيل، وما صحبها من تصرفات غير انسانية وغير مقبولة بحق أناس أبرياء مظلومين مهاجرين فارين من القتل والخوف والدمار. وجل هذه المقترحات والمطالبات كانت تعالج فقط أعراض المرض، يعني مظاهر ونتائج المشكلة، ولم يركز على السبب والجوهر وأصل المشكلة.

من حق أي دولة الحفاظ على امنها وتطبيق قانونها وهي عندما تقوم بمنح اقامات بمناطق مختلفة فإنها تقوم بذلك بناء على دراسات وتجارب كثير من الدول التي تعرضت لموجات من اللاجئين، وكذلك بناء على نسبة تواجد السوريين في كل مدينة، وبناء على توصيات ومقترحات مؤسساستها، وهذا هو عمل الدول والمؤسسات.

لكن هذا القرار وإن كان صحيحا ومحقا ومبنيا على أسس علمية، لكن هناك ثلمة (ثغرة) به، وله سلبياته الواقعية، لسببين، الأول أن كثير من تلك المناطق لاتوجد بها فرص عمل كثيرة لأبناء البلد، ناهيك عن المهاجر، والسبب الثاني أن الدول الأوربية تمنح المهاجر معونة ودعما يكفية ويحميه من مد اليد لغيره. عندها يكون توزيع المهاجرين على المناطق منصفا للجميع. لكن واقع الحال يدفع الكثيرين للهجرة الى مناطق فرص العمل، وهذا واقع وحقيقة.

اليوم هناك نسبة كبيرة من المواطنين الأتراك قد تصل إلى ٨٠ بالمئة لا ترحب بتواجد السوريين، رغم كونهم منتجين وعاملين غير عاطلين. هذا يشير لجوهر المشكلة التي يغفلها الكثيرون ولا يضعون المشرط عليها..

هذا التذمر والتململ من التواجد السوري له مبرراته بالطبع، لكنه دليل على أزمة مجتمعية كبيرة. وهو أيضا بحد ذاته مؤشر كافي للفشل الذي هو نتيجة لتراكمات وأخطاء كثيرة من الطرفين وله أسبابه الثقافية والسياسية والاجتماعية والنخبوية.

من غير المقبول أبدا أن يكون هناك اعتداء وضرب لمواطن عربي في حافلة عامة، لكن المؤلم والغير مقبول ابدا أن يعتذر المعتدى من المظلوم ويقول له : ظننتك سوريا!!
وهذا ما دفع بقية الجاليات العربية لأن توضح للآخر بانهم غير سوريين تحاشيا من اي تنمر او إقصاء او ازدراء. حتى القدامى من السوريين اصبحو يعلنون انهم ليس من المهاجرين الجدد.
هذه مشكلة اجتماعية وفكرية وسياسية عويصة. ومالم يتم تغيير هذه القناعة السلبية المبدئية لدى شريحة كبيرة من المجتمع التركي تجاه المهاجرين بشكل عام والسوريين بشكل خاص، فإن التنمر والنظرة الفوقية والتصرفات المسيئة للضيف ستستمر في كل المجالات، بالمدارس والجامعات والسكن ومراكز الشرطة وداوئر النفوس وأماكن البيع وغيرها..

أعرف حالات هلع وخوف وقلق وأمراض جسدية عضوية منشؤها نفسي، (الأمراض النفسيجسمية- السيكوسوماتية) متزايدة عند شرائح كبيرة من السوريين والمصريين بشكل خاص والعرب بشكل عام نتيجة القلق والخوف من القادم.

لذلك لابد من التشخيص الصحيح العلمي المهني الواقعي وبناء عليه تكون التوصيات الواقعية ليكون العلاج الشافي وإن كان مرا وطعمه لا يطاق.
لذلك التحدي الأكبر هنا بكيفية إصلاح ما افسده العطارون وما أكثرهم..
ايضا خلت أغلب الكتابات والتعليقات من التركيز على الحل الأساسي المنطقي، وهو عودة كل مهجر لبيته وارضه ووطنه. ولكن كيف ؟

هناك قلة مثلي غير متفاجئين مما وصلنا له لسببين الأول أننا توقعنا ذلك وحذرنا منه منذ سنيين. والثاني أن أي متابع بشكل جيد لما دار ويدور من أحداث وتصرفات وتصريحات يدرك أن هذه النتيجة هي نتيجة حتمية ومتوقعة بناء على الأسباب ونظرا لمتصدري المشهد الذي هم بعيدون عن جوهر القضية أو أن امكانياتهم تمنعهم من القيام باي عمل يغير مجرى هذه الأحداث.

المطالبة اليوم بالحل الإسعافي وتخفيف وطأة الخوف والقلق عند المهاجرين ومنع التجاوزات والتصرفات التي تبكي الجميع ؛ لا شك أنه مطلب حق وحل إسعافي. ولكن يظل العلاج الأساسي هو الجوهر والمطلب. وهذه أمانة باعناق المسؤولين والسياسين والنخب الفكرية والاجتماعية من الطرفين.

من أهم أسباب العنف والتفكك الاجتماعي والتفسخ الأخلاقي هو الظلم وخاصة عندما يقع على الشريحة الأضعف والتي لا حيلة لها، فهذا قد يقودها لرفض معتقدات وقيم نبيلة هي التي تحمي المجتمعات من الانهيار.