حزب إيران يعدكم بالوقود لا بحكومة نفط إيراني؟ وبواسطة “حزب إيران/ حزب الله”؟ اللبنانيون لا يمانعون. المهم أن تنتهي “طوابير الذلّ”، ولن تنتهي، فهي مطلوبة لذاتها. “الحزب” يداوي بعض أوجاعهم بجرعات وقود، ويواصل إذلال دولتهم بقطع الطريق على أي بداية معالجة للأزمة.

معالم التصدّع والتفكّك تتكاثر. فحفلة النهب الأخير بدأت، بداعي تمويل الكهرباء بما بقي متوفّراً، أموال المودعين، ومع ذلك فلا كهرباء. المستشفيات على حافة الإغلاق النهائي بعد صرخة “نحن في جهنم حقّاً”. إدارات “الدولة” تتعطّل تدريجاً، أمّا إدارات “الدويلة” فناشطة ولا مشكلة لديها. يشتدّ التهديد للغذاء والدواء، ويتعاظم التحذير من “انفجار اجتماعي”. لا شيء من ذلك يهمّ تحالف المافيا والميليشيا، فلا “طوابير الذلّ” ولا قطع الطرقات ولا تظاهرات الغضب تقلقه. كلّه تحت السيطرة، فالباحثون يومياً عن لقمة العيش وعن حلول لجبل الصعوبات المتراكم فوق كواهلهم لا يشكّلون خطراً على أطراف ذلك التحالف، صانعي الانهيار، كما لو أنهم جالسون في قاعة واحدة يتفرّجون على احتضار البلاد، ويتصدّر سيّد الحزب الحاكم/ “حزب إيران” واجهة المتفرّجين محاطاً يميناً ويساراً بمَن رأّسهم ووزّرهم وحكّمهم وعيّنهم ليكونوا شركاء وشهوداً في صنع الكارثة.

منذ اتضاح أن “الدولة” و”الدويلة” أصبحتا مافيا وميليشيا وتموضعتا في اتجاه التدمير المنهجي للبلد، بدايةً بإفشال أي إصلاحات طوال 2019، ثم بالفشل في التعامل مع “ثورة 17 تشرين” واستجابة مطالب الشعب، ثم بالتخبّط الحكومي، استنتج ديبلوماسي غربي أن أصحاب السلطة يتقصّدون الدفع نحو الانهيار و”قد لا يكون خياراً سيئاً” لإحداث تغيير جذري. على العكس رأى المتسلّطون ويرون أنه “خيار جيد” يؤمّن بقاءهم وجعلهم المستفيدين الوحيدين منه، بدليل أنهم أغلقوا البلد ويريدون إدارة الانهيار وما بعده كما أداروا الأزمة بـ “كفاءة” مشهود لها: لا أشقاء ولا أصدقاء للمساعدة، لا تسهيل لمبادرة فرنسية، لا إشراف لصندوق النقد الدولي… بل إطلاق العنان للنهب والهدر والفساد وكل أنواع التهريب، وصولاً الى تهريب الوقود الإيراني بناقلات يُدفع للروس بدل حمايتها. النظام “الجديد” الذي يعدون به أنفسهم سيكون تقليداً مشوّهاً للنموذج الصومالي.

استغرب زعيم “حزب إيران” في خطابه الأخير، تحميل إيران وحزبه مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة، ساخراً ممن يعزون التعطيل الى تعقيدات مفاوضات فيينا أو الى بطء المحادثات السعودية – الإيرانية. هذا من نوع السخرية السوداء، قد يكون محقّاً فيه، إذ أن إيران وحزبه ما عادا بحاجة الى حسابات إقليمية ودولية للتعامل مع أزمة لبنان، بل يعتمدان على تحكّمهما به. فاللبنانيون يشكون من “طوابير الذلّ” ويعتقدون أن حلولاً ستأتي من الغرب، أما زعيم “حزب إيران” فيقول لهم “إنذلّوا وانتم ساكتون” لأن الحلول لن تأتي إلا من الشرق، ولديه الدليل: فالشرق الروسي أو الإيراني أو حتى الصيني لا يهتمّ بتركيبة الحكومة ومعاييرها ولا يصرّ على إصلاحات بل يرتاح الى البيئات الفاسدة، ثم أن مساهماته يمكن أن تصل بسهولة وبكل الطرق المافياوية السريعة. أما الغرب فيحتاج الى حكومة ذات شيء من المصداقية وإلى اصلاحات كي يقدّم المساعدة، لكن من أين تأتي “حكومة انقاذ” كهذه في لبنان ما دام “حزب إيران” يقطع الطريق عليها؟