تحت شعار «اللاجئون بحاجة إلى تضامننا الآن أكثر من أي وقت مضى» احتفت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بيوم اللاجئ العالمي المصادف 20 حزيران (يونيو) ودعت إلى التضامن مع اللاجئين لأنه يعني «إبقاء أبوابنا مفتوحة، وتسليط الضوء على عزيمتهم وإنجازاتهم، والتأمل في التحديات التي يواجهونها».

وبينت المفوضية أن التضامن مع الأشخاص المجبرين على الفرار يعني أيضا إيجاد الحلول لمحنتهم وإنهاء الصراعات حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم بأمان، وضمان حصولهم على الفرص للازدهار في المجتمعات التي رحبت بهم، وتزويد البلدان بالموارد التي تحتاجها لإدماج اللاجئين ودعمهم.

وتأتي تلك الدعوات في ظل ظروف قاسية يمر بها اللاجئون السوريون في لبنان وتركيا مقارنة بالأردن والعراق، حيث يتعرضون لحملات الترحيل بطرق شتى رغم ما يعرضهم ذلك من تهديد لحيواتهم، خصوصا من لبنان إلى مناطق سيطرة قوات النظام السوري، وفي تركيا يتم إجبار المبعدين إلى مناطق سيطرة المعارضة على التوقيع على طلب «العودة الطوعية».

ويعاني اللاجئون في البلدين من دخولهما في الاستقطاب السياسي الحاد، حيث أصبح اللاجئون السوريون موضوع الحملات الانتخابية الرئيسية في تركيا، سواء انتخابات الرئاسة والبرلمان أو الانتخابات المحلية.

وغير المسبوق في تركيا، انتقال ملف اللاجئين إلى مستوى آخر هو ضغط النقابات والجمعيات الأهلية التركية، فقد أعربت 41 منظمة تركية في ولاية غازي عنتاب جنوبي البلاد عن خشيتها من غرق المدينة باللاجئين السوريين، وأشارت المنظمات في بيان لها إلى خطورة التحولات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية بسبب تدفق اللاجئين.

وجاء البيان كنتاج لمؤتمر «التركيبة السكانية المتغيرة وتأثيراتها في المدينة» الذي عقد في نادي غازي عنتاب وحضره رؤساء النقابات المهنية وعدد كبير من المنظمات غير الحكومية.

وأشار البيان الذي نشره موقع «T24» أن تدفق اللاجئين غير المنظم أدى إلى تغيير جذري في التركيبة السكانية لمدينة غازي عنتاب، وتوقع أن يشكل السوريون نصف سكان غازي عنتاب خلال 20 عاماً بسبب ارتفاع معدلات الولادة والذي يصل إلى 5.3 في المئة بالمقارنة مع 1.62 للأتراك.

كما حذرت المنظمات التركية من تفاقم التوترات الاجتماعية، وظهور أحياء فقيرة ذات طابع عرقي، وزيادة التنافس على فرص العمل والموارد المحدودة، ما قد يؤدي إلى اندلاع صراعات وأزمات يصعب احتواءها.

وطالبت المنظمات الحكومة التركية مراجعة الاتفاقيات الدولية المتعلقة باللاجئين، بما يضمن حماية حقوق اللاجئين والمجتمعات المضيفة على حد سواء، وتنظيم المساعدات المقدمة للسوريين، وضمان وصولها إلى مستحقيها بشكل عادل وشفاف.

ونوهت إلى زيادة عدد الشركات السورية العاملة في قطاعات التجارة والصناعة، حيث زاد عددها عن 5000 شركة في عام 2023 العديد منها تعمل بشكل غير رسمي، ولا تدفع الضرائب أو أقساط الضمان الاجتماعي.

ولفتت المنظمات في بيانها أن معظم السوريين في غازي عنتاب يعيشون على المساعدات المقدمة من المنظمات الدولية أو المساعدات الحكومية و 10 في المئة فقط يمكنهم العيش بدون مساعدات.

وزاد البيان، أن السوريين لا يتخلون عن ثقافتهم وعاداتهم في غازي عنتاب، ما يؤدي إلى صعوبة الاندماج والتكيف مع المجتمع المحلي، ويزيد من التوترات الاجتماعية. واتهم السوريين باستخدام المستشفيات العامة 8 مرات أكثر من الأتراك ما يجبر المرضى الأتراك على اللجوء إلى المستشفيات الخاصة.

وقع على البيان 41 منظمة مجتمع مدني في غازي عنتاب، منها نادي غازي عنتاب وغرفة الصيادلة وفروع غرف نقابات المهندسين الميكانيكيين والمعماريين والمدنيين والكهربائيين وأطباء الأسنان والأطباء البيطريين والمهندسين البيئيين وجمعية السياحة والمقاولين وغيرهم.

في سياق منفصل، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 4714 حالة اعتقال تعسفي لعائدين من اللاجئين والنازحين قامت بها قوات النظام السوري. وأصدرت الشبكة تقريرها السنوي بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، أكدت من خلاله على استمرار الانتهاكات التي ما زالت تمارس في سوريا، وأنها السبب الرئيسي وراء هروب ملايين المدنيين السوريين من بلدهم، وهي السبب الرئيسي وراء عدم عودة اللاجئين، بل وتوليد مزيدٍ من اللاجئين.

وقال مدير الشبكة فضل عبد الغني في اتصال مع «القدس العربي» إن عدم إيقاف الانتهاكات أو محاسبة المتورطين «يدفع المئات من السوريين إلى الفرار من أرضهم، وبيع ممتلكاتهم، وطلب اللجوء حول العالم، حتى بلغ عدد اللاجئين السوريين قرابة 6.7 ملايين شخص، وأصبحوا النسبة الأضخم من عدد اللاجئين في العالم».

هذا وتؤكد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ولجنة التحقيق الدولية المستقلة، والمنظمات الحقوقية الدولية، أن «سوريا بلد غير آمن».

وحسب بيانات الشبكة فإن قوات النظام اعتقلت منذ مطلع عام 2014 وحتى حزيران (يونيو) 2024 ما يزيد عن 4714 حالة اعتقال لعائدين من اللاجئين والنازحين، على يد القوات العسكرية والأمنية التابعة للنظام السوري، أفرج النظام عن 2402 وبقي 2312 معتقلا أصبح 1521 منهم مختفون قسريا. ووثقت مقتل 39 شخصاً تحت التعذيب في مراكز الاعتقال التابعة لمخابرات النظام، 31 قتيلا منهم كانوا قد عادوا من دول اللجوء.

على الصعيد السياسي، وفي بيان بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، قالت هيئة التفاوض السورية المعارضة، إن «ملايين السوريين يعيشون في بلدان لجوئهم يعانون من صعوبات الاندماج، ومن التمييز وأحيانا العنصرية، وكلهم أمل أن يحدث التغيير السياسي المنشود، وتتحول سوريا من دولة فاشلة إلى دولة قابلة للعيش فيها».

وأشار الهيئة في بيان تَلقت «القدس العربي» نسخة منه، إلى أن «مئات الآلاف يعيشون في مخيمات ضمن ظروف قاسية جداً تحت خط الفقر، يناضلون بصبر وقوة وأمل، ويجابهون مخططات لإعادتهم قسريا إلى سوريا».

وطالب البيان هيئة التفاوض الدول المستضيفة بـ«حفظ كرامة اللاجئين واحترام حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحماية والحصول على مأوى آمن وكريم، وتمكينهم من التعليم المناسب والرعاية الصحية الكاملة والحماية القانونية، وعدم ممارسة أي ضغوط لإرغامهم على العودة القسرية».

وشددت هيئة التفاوض على أن «الحل السياسي المنسجم مع القرارات الدولية، وخاصة مع بيان جنيف والقرارين الأمميين 2118 و2254 هو الحل الوحيد الذي يضمن بيئة آمنة لعودة اللاجئين السوريين بكرامة وحرية إلى بلداتهم ومنازلهم، وهو الذي يضمن لهم حقوقهم كمواطنين، ويُمهّد الطريق إلى التعويض وجبر الضرر، ويضمن الأمان والاستقرار المستدامان».

ويعتبر وضع اللاجئين السوريين في لبنان هو الأصعب مقارنة بباقي دول اللجوء بما فيها تركيا، فخيار الترحيل يكون أكثر خطرا على الحياة كون النظام السوري يسيطر على كامل الجهة المقابلة من الحدود وترحيل اللاجئين عبر المعابر الشرعية يعني عمليا تسليمهم إلى مخابرات النظام السوري باليد. أما في الحال التركية فهي ستكون لمناطق سيطرة فصائل المعارضة، ورغم عدم قانونية الترحيل لأنه يحصل بخلاف إرادة اللاجئين إلا انه لا يعرض الحياة للخطر ولكنه في الوقت ذاته يحول حياة الكثير من الأسر السورية إلى جحيم، بسبب فصل أفراد الأسرة الواحدة عن بعضها أو ترحيل الأب وهو المعيل لأسرته إلى الشمال السوري ما يجبر زوجته وأطفاله على اللحاق به.

وتعتبر مطالبات السلطات اللبنانية بترحيل اللاجئين مخالفة للقانون الدولي بطبيعة الحال، لأن ترحيلهم إلى مناطق سيطرة النظام يعرض حياتهم لخطر الاعتقال والقتل تحت التعذيب.

ويزيد الوضع الاقتصادي المنهار في لبنان من صعوبة العيش للاجئين السوريين ويساهم بحملات الكراهية ضدهم، كما يشكل التحزب السياسي والاستقطاب الحاد بين الأطراف السياسية عاملا إضافية لمعاناة اللاجئين.

القدس العربي