ليس أدلّ من كلام الشيخ نعيم قاسم الى أن “حزب إيران/ حزب الله” يرفض أن يسلّم سلاحه. قال: “لا تطلبوا منا شيئاً بعد الآن، فلتنسحب إسرائيل وتوقف عدوانها وتفرج عن الأسرى وتنتهي من الالتزامات الموجودة في الاتفاق (على وقف اطلاق النار)، وبعد ذلك لكل حادث حديث”… لا بد أن إسرائيل استقبلت هذا الخطاب بارتياح، لأنه يبرّر لقادتها وللداعمين الاميركيين والغربيين السياسة التي ينهجونها حيال لبنان- “الحزب”. أما لبنان- “الدولة” فمدعوٌّ لأن يفهم أن “نزع السلاح” مسار طويل زمنياً بل أطول من المتصوّر، وأن “الحزب” لن يتخلّى عنه ولا حتى بـ “استراتيجية دفاع وطني”. ويمكن القول أن “الحزب” استطاع حتى الآن فرض “منطقه” غير الواقعي، والاستثمار في سلبيته، وفي تهيّب الدولة من المسّ بسلاحه لئلا تبدو كأنها تستهدف طائفته، مع أنه، أي “الحزب”، لم يتردّد في تهميش الدولة واستهداف مختلف مكوّنات الشعب.
إذا كان لقاء الرئيس جوزف عون مع وفد كتلة نواب “الحزب” هو “بداية الحوار” المرتقب، بجانبه السياسي لا العسكري، فإن الوفد وضع اللقاء في اطار “تبادل التهاني بعيد المقاومة والتحرير” ونقل عن الرئيس أن “أثنى على دور المقاومة في حماية لبنان”، علماً بأنه حصر طرحه في “الحفاظ عل سيادة الدولة وحماية اللبنانيين”. ثمة تلاعب بالمصطلحات والمفاهيم من جانب “الحزب” أولاً للإيحاء بأن الدولة لا تزال “دولته” وتسبح في مياهه كما قبل حربه وهزيمته، وثانياً للظهور كما لو أنه يساند الدولة ويدعمها “بمساحة واسعة من التفاهم مع الرئيس”، على رغم أنه لم يبدِ منذ انطلاقة العهد أي ترحيب بـ “عودة الدولة” إسوة بسائر اللبنانيين.
ثم أن “الحزب” لم يفوّت أي فرصة للتمييز بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الذي سمح “الحزب” لغوغائه بالهتاف أنه “صهيوني (!)”. وإذ لفت نواف سلام الى واقع “انتهاء عصر تصدير الثورة الإيرانية”، لم يكن واضحاً إذا كان احجام محمد رعد، رئيس كتلة “الحزب”، عن الردّ عليه “للحفاظ، فعلاً، على ما تبقّى من ودّ” أم لصعوبة نفي نهاية “تصدير الثورة”، إذ أن إيران نفسها في صدد طيّه والبحث عن بدائل أكثر جدوى مما خسرته. في أي حال، ليس هناك تناقض بين الرئيسين في مقاربة مسألة “حصرية السلاح” في يد الدولة، أو في وتيرة التعامل مع هذا السلاح، لكن الأكيد أنهما قلقان من إصرار “الحزب” على ممارسة نهج “الممانعة” ضد الدولة، بل يتهمها بتنفيذ “الأجندة الخارجية” متجاهلاً أن نزع سلاحه غير الشرعي مطلب لبناني مزمن.
ما يُفهم من خطاب نعيم قاسم أنه لا يزال يراهن على “فشل الدولة” لتبقى المقاومة بديلاً منها. ما يرجّح هذا الرهان حرص “الحزب” على إبراز “إصرار” الرئيس عون على أن مقاربة ملف السلاح “يجب ألا تقود الى أي صدام”، وهذا موقف وطني سليم لكنه لا يُقابل بمثله من جانب “الحزب” نفسه. ثم أن الرئيس، كما نُقل عته، يتفهم أن يحتاج “الحزب” الى وقت للإجابة عن كثير من الأسئلة، لكن من الجيّد إعطاء “مؤشرات إيجابية” للخارج، فالإصلاحات المطلوبة من الدولة لا تستطيع انتظار أجوبة قد لا يتوصّل “الحزب” اليها أبداً.
النهار العربي
Comments are closed for this post.