اعتقد المفاوضون القطريون في الدوحة أنهم قد توصلوا إلى اتفاق.

كان ذلك في أواخر تشرين الأول (أكتوبر)، بعد أسابيع من التفاوض مع ممثلي حماس والحكومة الإسرائيلية لتأمين إطلاق سراح الرهائن الذين يقدر عددهم بمائتين وثلاثين رهينة كان المسلحون الفلسطينيون قد أسروهم في السابع من تشرين الأول (أكتوبر).

كانت حماس بحلول تلك المرحلة، قد أطلقت سراح أربع رهائن – أم إسرائيلية أمريكية وابنتها، وامرأتين إسرائيليتين – نتيجة لاتفاقيات توسطت فيها قطر ومصر، وقد لاحظ القطريون أنه على الرغم من عدم وجود مقايضة صريحة، فإن حماس يمكنها أن تتوقع أن إطلاق سراح الرهائن من شأنه أن يسهل تسليم المساعدات الإنسانية إلى غزة، ويؤدي إلى توقف الغزو العسكري الإسرائيلي.

وافقت حماس في 25 أكتوبر/تشرين الأول، على صفقة لإطلاق سراح خمسين شخصاً، لكن كان للمسؤولين الإسرائيليين مطلب آخر: أسماء الأشخاص الذين سيتم إطلاق سراحهم.

امتنعت حماس عن تقديم لائحة بذلك، زاعمة أنها لا تمتلك سجلاً كاملاً جاهزاً للتسليم نظراً لأن الرهائن محتجزون لدى فصائل مختلفة؛ والعمل على وضع لائحة موحدة سيتطلب وقف القتال لمدة أيام.

فسر الإسرائيليون ذلك على أنه تكتيك للمماطلة، وبعد يومين انهارت الصفقة، ليشن الجيش الإسرائيلي غزوه البري واسع النطاق لغزة بعد ساعات، والذي صاحبه قصف جوي متواصل وانقطاع للاتصالات بين فترة وأخرى، مما تسبب في معاناة رهيبة للمدنيين الفلسطينيين.

كانت الحرب عند هذه المرحلة قد تركت نحو احد عشر ألف فلسطيني قتيلا بحسب وزارة الصحة في غزة.

أفادت تقارير أن حماس والمسؤولين الإسرائيليين يقتربون مرة أخرى من التوصل إلى اتفاق وتتضمن الصفقة الجديدة، التي توسطت فيها قطر ومصر والولايات المتحدة، إطلاق سراح خمسين رهينة مقابل إطلاق سراح نفس العدد من الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية، ووقف إطلاق النار لايام عدة.

كانت قطر وسيطًا مفيدًا بشكل خاص مع حماس بسبب دعمها الطويل الأمد لغزة، حيث قدمت للقطاع ما تشير بعض التقديرات إلى مساعدات بقيمة أكثر من مليار دولار أمريكي منذ عام 2014 وقد تم استخدام هذه الأموال القطرية للمساعدة في دفع تكاليف الوقود والعاملين الحكوميين في القطاع، بما في ذلك رواتب الأطباء والمعلمين.

كما استضافت قطر أيضًا مكتبًا سياسيًا خارجيًا لحماس في الدوحة منذ عام 2012، وهو القرار الذي واجهت بسببه انتقادات من إسرائيل ومن بعض المشرعين الأمريكيين، لكنها تدافع عنه بأنه تم اتخاذه بناءً على طلب المسؤولين الأمريكيين، الذين كانوا يأملون في إنشاء قناة اتصال مع حماس عبر الدوحة.

اليوم، أصبحت هذه القناة أساسية للكثيرين – فبالإضافة إلى الإسرائيليين، تضم قائمة رهائن حماس مواطنين أمريكيين وتايلانديين وفرنسيين وبريطانيين؛ وقد سافر مسؤولون من تلك الدول إلى الدوحة في الأيام الأخيرة، على أمل إطلاق سراح مواطنيهم.

في العقود التي تلت أحداث 11 سبتمبر، أصبح احتجاز الرهائن عنصرًا بارزًا بشكل متزايد في الحرب الحديثة، بعد ان قامت الحكومات، بما في ذلك حكومات إيران وروسيا والصين وفنزويلا، باحتجاز مواطنين أجانب بتهم جنائية ملفقة كوسيلة لكسب النفوذ السياسي. (في الولايات المتحدة، تتم إحالة كلا النوعين من الحالات إلى نفس السلطات، ويتم التعامل معها على أنها حالات احتجاز رهائن).

يقارن المسؤولون القطريون دورهم بالدور الذي يلعبه الدبلوماسيون السويسريون، فقد شارك السويسريون لعقود من الزمن في المفاوضات الدولية بشأن الرهائن، ولكن في المشهد الجيوسياسي الحالي، أصبح القطريون في وضع أكثر فائدة.

قدمت قطر نفسها في الشرق الأوسط على أنها محايدة، حيث تستضيف قاعدة عسكرية أمريكية كبرى بينما تحافظ أيضًا على خطوط اتصال مفتوحة، وفي بعض الحالات، علاقات مباشرة مع الجماعات التي كانت القوات تقاتل ضد واشنطن.

وتُعَد قطر أيضاً مورداً رئيسياً للطاقة للولايات المتحدة، ولكنها تحافظ على علاقات وثيقة مع إيران، التي تشترك معها في حقل رئيسي للغاز الطبيعي، وقد سمح لها ذلك بالتدخل بنجاح في الحالات التي تم فيها احتجاز رهائن في إيران وأفغانستان، لكن في الآونة الأخيرة بدأت قطر أيضًا العمل خارج نطاق نفوذها المعتاد.

فقد لعبت دورًا مهمًا في عام 2021 في تأمين العودة الآمنة للصحفي الأمريكي داني فينستر من ميانمار وساعد المسؤولون القطريون في أكتوبر/تشرين الأول في التفاوض على عودة العديد من الأطفال الأوكرانيين الذين اختطفتهم روسيا.

لكن دور قطر لم يخلو من الجدل.

بدأت جهود الوساطة القطرية الأولى بعد موجة من عمليات الاختطاف التي نفذها إسلاميون في العراق في بداية التمرد الذي نشأ ردا على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة.

كان الصحفيان الفرنسيان، جورج مالبرونو وكريستيان تشيسنو، مسافرين من بغداد إلى النجف في أغسطس 2004، عندما اختطفتهما جماعة تطلق على نفسها اسم الجيش الإسلامي في العراق، وتم إطلاق سراحهم بعد أربعة اشهر مقابل فدية تقدر بملايين الدولارات، وفقا لتقرير نشرته صحيفة التايمز اللندنية.

يقول مالبرونو إن مسؤولا قطريا كبيرا أكد له لاحقا أنه تم دفع الفدية، ولكن ليس المبلغ المحدد، ونفت فرنسا وقطر دفع أي فدية.

وعلى الرغم من أن مالبرونو كان ممتنًا لقطر لأي دور لعبته في تأمين حريته، إلا أنه أمضى سنوات في التحقيق في دور البلاد في تمويل الإسلام السياسي في جميع أنحاء العالم.

وزعم مالبرونو وتشيسنو في كتاب صدر عام 2019 بعنوان “أوراق قطر” أن قطر واستنادًا إلى وثائق سرية كانت تساعد بشكل غير مباشر في تمويل الجماعات الإسلامية – بما في ذلك تلك المتورطة في احتجاز الرهائن – بينما كسبت امتنان الحكومات الأوروبية لفوزها بالإفراج عن رهائن هذه البلدان.

قال لي مالبرونوت خلال مقابلة أجريتها أثناء بحثي من اجل إصدار كتاب عن سياسة الرهائن: “إنها جزء من دبلوماسيتهم المتمثلة في أن يكونوا أصدقاء مع أي شخص”.

وبالرغم من أن المسؤولين في قطر يقولون إنهم يسترشدون بالمبادئ الإنسانية والرغبة في الحد من الصراع وتعزيز الاستقرار، فمن الواضح أنهم استخدموا نفوذهم لاكتساب النفوذ والظهور، وهو الموقف الذي يعتقدون أنه يعزز أمنهم في منطقة مضطربة.

يقول مالبرونو “هذه هي اللعبة المزدوجة وفي المنطقة الرمادية”.

كما أثارت ممارسات قطر حفيظة الحكومات في الشرق الأوسط، ففي عام 2017، تم إطلاق سراح مجموعة من صائدي الصقور القطريين الذين أسرهم أعضاء ميليشيا شيعية مدعومة من إيران في جنوب العراق، بعد مفاوضات شاقة أسفرت عن تحويل قطر مئات الملايين من الدولارات إلى العراق، وبعد فترة وجيزة من الصفقة، أطلق تحالف من الدول العربية، بقيادة المملكة العربية السعودية، حصارًا إقليميًا ضد قطر بسبب قائمة طويلة من المظالم، من بينها الادعاء بأن البلاد تمول الجماعات الإسلامية في سوريا والعراق. (لقد قامت قطر بتصوير مدفوعاتها للعراق على أنها مخصصة للحكومة العراقية).

أصبح السؤال بشأن مدى استمرار قطر في ممارسة “اللعبة المزدوجة” أكثر إلحاحًا مع تطور نهج الولايات المتحدة في مفاوضات الرهائن.

خلال العقد الأول من القرن الحالي، التزمت الولايات المتحدة بسياسة صارمة ضد تقديم تنازلات للجماعات الإرهابية المحددة، وفسر العديد من مسؤوليها ذلك على أنه حظر للمفاوضات.

من المعروف أن الدول الأوروبية، بما في ذلك إسبانيا وإيطاليا، تدفع فدية مقابل رهائنها، لكن واشنطن كانت تشعر بالقلق إزاء هذه الممارسة، التي زعمت أنها حفزت على الاختطاف أثناء توجيه مبالغ ضخمة من المال إلى الجماعات المتمردة والمتشددة، لكن موقف الأميركيين تعرض للامتحان، بين عامي 2012 و2014، عندما أسر مقاتلو تنظيم الدولة مجموعة كبيرة من الغربيين في سوريا، وقد قتل الرهائن الاميركيون والبريطانيون بعد رفض حكوماتهم الدفع، وأطلق سراح الاوربيين بعد ان قامت حكوماتهم بالدفع.

بدأت إدارة أوباما في عام 2014 بمراجعة المبادئ التوجيهية الخاصة بالرهائن، وظلت سياساتها المتعلقة بالتنازلات أو الفديات دون تغيير، لكن المراجعة، التي اكتملت في العام التالي، أوضحت أن المفاوضات ليست محظورة، وأصبحت قطر بعد ذلك لاعبا أساسيا في مثل هذه المناقشات، ومنذ ذلك الحين، أصبح المشاركون في جهود الاستجابة للرهائن، سواء داخل الحكومة أو خارجها، يصفون دور قطر بأنه لا غنى عنه.

يقول كريستوفر أوليري، الذي شغل منصب مدير عملية استعادة الرهائن في الحكومة الأمريكية من مارس 2021 حتى سبتمبر 2023، إن “القطريين وسطاء استثنائيون، ولديهم دوافع كبيرة ومستعدون للغاية للمساعدة في حل النزاعات”.

أوليري، الذي يعمل الآن في شركة استشارات أمنية تشارك في العديد من جهود استعادة الرهائن، قضى معظم حياته المهنية كعميل في مكتب التحقيقات الفيدرالي يركز على مكافحة الإرهاب، ويتذكر الفترة التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر وفي حرب العراق عندما كان المسؤولون الحكوميون قلقين بشأن الدعم القطري المحتمل لتنظيم القاعدة في العراق الناشئ عن شخصيات مؤثرة في قطر ولم تكن التحقيقات التي أجرتها الولايات المتحدة في ذلك الأمر حاسمة، ولم يتم فرض عقوبات على قطر قط.

استفاد المسؤولون الأمريكيون الذين يسعون إلى استعادة الأمريكيين المحتجزين كرهائن في السنوات الأخيرة من علاقات قطر طويلة الأمد مع هذه البلدان والكيانات مع تغير طبيعة عمليات اختطاف الأمريكيين من مشروع تنفذه الجماعات المتمردة إلى حد كبير إلى مشروع تستخدمه بانتظام دول (مثل إيران) وكيانات تسيطر على الأراضي (مثل حماس)،

يقول لي أوليري: “لا أعرف متى تغير الوضع، لكنه انقلب مائة وثمانين درجة”.

خلال السنتين والنصف التي قضاها أوليري في قيادة عملية استعادة الرهائن لصالح الحكومة الاميركية، عمل بشكل وثيق مع المسؤولين القطريين في التفاوض على عودة الأمريكيين من إيران ومالي وأفغانستان – والأخيرة بدءًا من عام 2013، عندما سُمح لطالبان بالاحتفاظ بمكتب في الدوحة.

ونسب أوليري الفضل إلى الدبلوماسيين القطريين في الفوز في عام 2022 بالإفراج عن المقاول الأمريكي مارك فريريكس، الذي احتجزته شبكة حقاني، وهي جماعة أفغانية متشددة مرتبطة بالمخابرات الباكستانية، لأكثر من عامين، وتم إطلاق سراحه مقابل الإفراج عن المتهم بتهريب المخدرات الحاج بشير نورزاي.

أخبرني أوليري أن قطر أصبحت ضرورية للغاية لإدارة مثل هذه الأزمات إلى الدرجة التي أدرجت فيها في محاكاة عالمية لأزمة الرهائن بقيادة الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا العام، إلى جانب ممثلين عن حلفاء أمريكا الأوروبيين الرئيسيين ومجموعة العيون الخمس الاستخباراتية.

وبحسب البيت الأبيض، فإن هناك نحو عشرة أميركيين بين الرهائن مع حماس؛ ومن الواضح أن الإدارة الاميركية تأمل أن تتمكن قطر من المساعدة في التوسط في اتفاق يعيدهم إلى وطنهم، ولكن في الأيام الأخيرة، أصبح العمل العسكري الإسرائيلي في غزة نقطة شائكة في المفاوضات حيث تزعم إسرائيل أن شدة هجماتها تفرض ضغوطاً على حماس لحملها على إطلاق سراح الرهائن، في حين يقول القطريون إنهم بحاجة إلى وقف القتال من أجل وقف إبرام اتفاق.

قال لي مسؤول قطري كبير في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني: “من المحبط والمخيب للآمال حقاً أن نرى أنفسنا نتراجع عن التقدم الذي حققناه”، وأضاف: “لهذا السبب كنا على اتصال وثيق أيضًا مع الإسرائيليين من أجل التوصل إلى وقف التصعيد، والتوقف المؤقت الذي سيساعدنا ويمنحنا بعض المساحة لإطلاق سراح الرهائن”.

إن أخذ الرهائن جريمة وحشية؛ كما أنه انتهاك للقانون الإنساني الدولي، لكن أزمات الرهائن لا يتم حلها من خلال الشعارات أو المواقف، ونادراً ما يتم حلها من خلال عمليات الإنقاذ أو العمليات العسكرية.

الغالبية العظمى من الحالات يتم حلها من خلال المفاوضات، ومن أجل نجاح التفاوض، تحتاج الأطراف المتعارضة إلى محاور فعال.

يقول داني جيلبرت، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة نورث وسترن والخبير البارز في سياسة الرهائن: “بالإضافة إلى القدرة على اجراء الاتصالات والسمعة لتأمين هذه الصفقات، فأنت بحاجة إلى ان تكون هناك عملية ومجموعة المهارات وتقسيم العمل”

ويقول جيلبرت إن كونك مفاوضاً ناجحاً بشأن الرهائن يعني امتلاك “موقع مؤثر” على المستوى العالمي “إن حاجة الدول الأكثر قوة وتقديرهم لك يمنحك مكانة اللاعب القوي الحقيقي في قضية جيوسياسية تحظى بالكثير من الاهتمام”.

ربما تكون قطر قد جنت ثمار القيام بمثل هذا العمل في السنوات الأخيرة، لكنها أثبتت أيضًا أنها يمكن أن تكون قناة موثوقة ومسؤولة، ولا يسع المرء إلا أن يأمل أن تتمكن من إثبات نفسها مرة أخرى.. في غزة.

+ جويل سايمون هو مدير مبادرة حماية الصحافة في كلية كريج نيومارك للدراسات العليا في الصحافة بجامعة مدينة نيويورك ومؤلف كتاب “نريد التفاوض: العالم السري للاختطاف والرهائن والفدية”، وهو المدير التنفيذي السابق للجنة حماية الصحفيين.

مجلة نيويوركر
ترجمة زيد بنيامين