أجرى رئيس النظام السوري بشار الأسد سلسلة من التعيينات والتغييرات على مستوى القيادة الأمنية في دمشق، وخلقت التنقلات والإعفاءات التي طالت جهاز الأمن الوطني الذي يتبع قيادة حزب البعث وشعبة المخابرات العسكرية سخطا متكررا لدى عموم السوريين وخصوصا جمهور الثورة والمعارضين للنظام، ترافق مع شهية مفتوحة لدى المتابعين والمراقبين في إطلاق وجهات نظر متباينة للغاية خصوصا مع إعفاء اللواء علي مملوك من منصب رئيس مكتب الأمن الوطني وتعيينه مستشارا أمنيا خاصا في الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية (القصر الجمهوري).
وعُين اللواء كفاح ملحم في رئاسة «الأمن الوطني» بعد نقله من رئاسة شعبة المخابرات العسكرية التي تولى رئاستها في آذار (مارس) 2019 عوضا عن اللواء محمد محلا.
وأصبح اللواء كمال حسن رئيسا لـ«الشعبة» وهو أسرع ترفيع يناله ضابط في المخابرات العسكرية حيث نقل من رئاسة فرع المنطقة (الفرع 227) وجرى ترفيعه ليصبح برتبة لواء ركن وعين نائبا لكفاح ملحم في تموز (يوليو) 2023.
وقبل التنقلات مدد الأسد للواء ملحم في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2023 رئاسة الشعبة لمدة عام. أما كمال حسن فقد رفّعه بشار الأسد إلى رتبة لواء ركن في تموز (يوليو) الماضي ونقله من رئاسة فرع المنطقة (الفرع 227) في دمشق إلى منصب نائب رئيس شعبة المخابرات العسكرية في سوريا، رغم أن العقوبات الأمريكية شملته قبل ذلك بسنتين. ونقل من رئاسة فرع فلسطين (الفرع 235) إلى رئاسة فرع المنطقة الجنوبية (الفرع 227) في تموز (يوليو) 2020.
ووصف مساعد الباحث المتخصص في الشؤون الأمنية والعسكرية في مركز «عمران للدراسات الاستراتيجية» محسن المصطفى التغييرات بأنها «طبيعية بظل ما يقوم به النظام ضمن خطة إعادة الهيكلة علماً أن تواتر التغييرات في المناصب الأمنية أبطأ منه في المناصب العسكرية». وحول تعيينه في رئاسة الأمن الوطني قال إن مجموعة من الصفات تؤهله لاستلام المنصب أهمها «قُربه من بشار الأسد وسابقاً من باسل الأسد وبالتالي تجذر ولاؤه للنظام، على الرغم من غياب باعه الطويل في الملفات الخارجية كما كان مملوك».
وحول فرضية إزاحة الوجوه القديمة وتعيين وجوه جديدة لتحسين صورة النظام في الواجهة الأمنية، علق محسن المصطفى «التخلص من الوجوه القديمة لا يعني بالضرورة فتح صفحة جديدة، فالضباط الحاليون أيضا يخضعون للعقوبات الغربية نتيجة انتهاكات بحق الشعب السوري قاموا بها خلال السنوات الماضية».
وسبق التعديلات الأمنية خبر إحالة العميد أسامة صبوح رئيس فرع المداهمة والاقتحام (الفرع 215) في شعبة المخابرات العسكرية إلى التحقيق بتهم فساد والتعاون مع جهات غير رسمية، حسب ما أكد الضابط السوري المنشق، عصام الريس لـ«القدس العربي».
وفي السياق، أشار الباحث المصطفى أن «إقالة» صبوح الذي يرأس الفرع 215 منذ سبع سنوات تأتي «ضمن الحملة التي يشنها النظام على رجل الأعمال خضر علي طاهر، علماً أن الأخير هو واجهة تجارية لأسماء الأسد». موضحا أن هذا الأسلوب «اعتمده النظام أكثر من مرة سابقاً، حيث تتم إحالة الضابط للتحقيق قبل أن يتم فرض تسوية مالية معه وثم إحالته للتقاعد».
وبعد نحو أسبوعين من التغييرات الأمنية، وفي سابقة، أعلنت رئاسة الجمهورية السورية عن اجتماع رئيس النظام مع قادة الأجهزة الأمنية بحضور رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء ملحم ومستشار الشؤون الأمنية في الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية اللواء مملوك. وتجنبت الرئاسة ذكر أسماء باقي الحضور أو صفاتهم.
ونقلت وكالة «سانا» الرسمية أن الأسد شدد في الاجتماع على «الدور الاستباقي والوقائي للأجهزة الأمنية في محاربة التنظيمات الإرهابية والتعقب الدائم للخلايا التي تحاول الإضرار بأمن الوطن وسلامته».
في حين، كشف الرائد الريس أن الاجتماع ضم قرابة 40 ضابطا من مختلف القطاعات الأمنية والاختصاصات وأعلن الأسد من خلاله عن نيته «إعادة الهيكلة الأمنية ودمج بعض الأفرع وإلغاء بعض الأفرع بشكل نهائي، محددا كمثال فرع المداهمة من الأفرع التي ستلغى».
وقال بيان رئاسة الجمهورية إن الاجتماع ركز على «الأثر المرتقب لإعادة الهيكلة التي تجري في المجال الأمني وتطوير التنسيق بين الأجهزة بما يعزز أداء القوات الأمنية في المرحلة المقبلة، وكذلك تطوير أدوات مكافحة الإرهاب». وختم البيان أن الاجتماع وضع «خريطة طريق أمنية وفق رؤى استراتيجية تحاكي التحديات والمخاطر الدولية والإقليمية والداخلية».
ويأتي هذا الاجتماع بعد عدة تغييرات طالت قادة الأجهزة، ويشير المصطفى إلى أنه جرى بعد «تغيير ثلاثة من أصل خمسة مناصب قيادية في الأمن بالإضافة لتعيين علي المملوك بمنصب مستشار أمني» وعزا الإعلان عن هذا الاجتماع لأول مرة كونه «يحمل بطياته عدداً من الرسائل المحلية والإقليمية والدولية خصوصا بعد حرب غزة والتصعيد الكبير في مستوى الغارات الإسرائيلية على سوريا، والحديث عن وجود اختراقات أمنية في صفوف أجهزة الأمن السورية أدت لمقتل عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا».
من جهة أخرى، يسعى بشار الأسد إلى إرسال رسائل إقليمية ودولية أحدها يتلعق بالمبادرة العربية والتطبيع، إذ تستبق الخطوة تعيين سفيرين في دمشق لكل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، كما أن الحديث عن إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية قد يخفف من حدة الغضب في العاصمة عمان ضد نظام الأسد بعد الاشتباكات المتكررة بين القوات الأردنية والمهربين المدعومين من المخابرات العسكرية والميليشيات الإيرانية.
في سياق غير بعيد، يأتي الحديث عن هيكلة المؤسسة الأمنية متساوقا مع المقترح الروسي حول إصلاحها وضم فصائل المعارضة السورية إلى جيش النظام على غرار ضم فرقة شباب السنة التي يقودها أحمد العودة للعمل تحت لواء القوات الروسية قبل أن يتحول اسمها إلى اللواء الثامن وتعمل تحت أمرة المخابرات العسكرية في جنوب سوريا. بالطبع فإن الحديث عن إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية سيلقى رواجا كبيرا من قبل بعض الدول التي تسعى لطي صفحة الماضي مع نظام الأسد.
وتمثل «الحوكمة الأمنية» جزءا من سلة مكافحة الإرهاب وهي إحدى السلال الأربع التي اقترحها المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا، استيفان ديمستورا في جولة جنيف الرابعة المنعقدة خلال شهري شباط (فبراير) وآذار (مارس)2017. حيث تنص السلة الرابعة على «إستراتيجية مكافحة الإرهاب والحوكمة الأمنية، وبناء إجراءات للثقة المتوسطة الأمد».
وهو ما يكرس الاختراق الثاني للمسار السياسي بعد تعطيل المسار الدستوري الذي أفضى إلى تشكيل لجنة دستورية مشتركة بين المعارضة والنظام، عطل الأخير اجتماعاتها وفرغ مضمونها.
وسيساعد ذلك إن صحت الأنباء التي تتحدث عن حل إحدى إدارات الأجهزة الأمنية، حيث يتوقع الرائد الريس أن تحل «إدارة الأمن السياسي» ويعاد تصنيف الأجهزة تحت مسميات متشابهة مع الدول الإقليمية والدولية، بمعنى استحداث جهاز الأمن العام وجهاز استخبارات يضم شعبة المخابرات العسكرية وإدارة المخابرات الجوية، وجهاز مخابرات يضم أمن الدولة وجزءا من إدارة الأمن السياسي.
أخيرا، أن نقل اللواء علي مملوك إلى القصر الجمهوري بصفته مستشارا خاصا للشؤون الأمنية في الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية هو عمليا ترفيع للواء صاحب الخبرة الكبيرة في المجال الأمني وهو أحد أشد أركان النظام خطورة وإجراما وأكثر القادة الأمنيين دهاء في مرحلة الأسد الابن، والجدير بالذكر أن هذا المنصب شغله اللواء محمد ناصيف «أبو وائل» لسنين طويلة في عهد حافظ الأسد وجرى إعادته من تقاعده رغم كبر سنه مع انطلاقة الربيع العربي بهدف تقديم المشورة للقصر الجمهوري والقادة الأمنيين، كما يشغل المنصب ضابط الظل الأبرز اللواء بسام الحسن وهو من الضباط المقربين من باسل الأسد ابن الرئيس حافظ الأسد حاله حال اللواء كفاح ملحم، وما يجمع كل الضباط الذين جرى تنقلهم وترفيعهم أنهم متهمون بجرائم ضد الإنسانية وهم على لوائح العقوبات الأمريكية والأوروبية والكندية بسبب ذلك.
ان عملية إصلاح القطاع الأمني في سوريا كما يريدها النظام هي استبدال ضابط بضابط آخر من صندوق القتلة، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية التي تشاع لا يمكن أن تغسل يد القتلة مطلقا.
القدس العربي
Be the first to write a comment.