نشرت مجلة “ذي نيويوركر” تحقيقا مطولا لإيما غرين عن نشاطات جمعية طلابية علمت جيلا من الطلاب عن المسألة الفلسطينية. وراقبت الكاتبة تظاهرة أمام كلية هانتر التابعة لجامعة مدينة نيويورك التي أصبحت من أهم الجامعات الأمريكية وملاذا لأبناء العائلات من أصحاب الدخل المتدني والمتوسط، وهي نفسها التي كانت مرة ملجأ للطلاب اليهود من الخلفية الفقيرة، قبل أن تصبح ملجأ لتنوع من الطلاب القادمين من أرضيات مختلفة.
واستمعت الكاتبة لهتافات مثل “فلسطين حرة” وهتافات ناقدة لإسرائيل، وقالت إن التظاهرة التي بدأت بعشرات من الطلاب والطالبات بعضهن محجبات تطورت لتصبح تجمعا كبيرا لمعارضة الحرب على غزة. وتخللت هتافات “فلسطين حرة” تكبيرات “الله أكبر” و”الشهداء أحباب الله”.
والتقت الكاتبة مع جنة الله نيلا، طالبة علم الاجتماع والصحافة التي قالت “انظري للناس حولك” و”نحن جزء صغير من التنوع” و”نحن الناس الذين معنا الحقيقة”، و”نحن تلاميذ فرانتز فانون“ و”تلاميذ إدوارد سعيد”، وقُرئت أسماء القتلى في غزة أثناء التظاهرة.
وقالت إن المتظاهرين حرصوا على نقد الصهيونية وإسرائيل وليس اليهود. ومع أن هتافاتهم لم تعد تشبه تلك المعروفة في التسعينات من دعم حل الدولتين، فهم يهتفون ضد دولة الاستيطان. وتقول إن المتظاهرين واجهوا الاتهامات التي تشير لتعاطفهم مع حماس أو إبادة اليهود بجدال مختلف، ففي التظاهرة قال أستاذ التاريخ ساندور جون، الذي عرف نفسه بأنه ابن وحفيد ناجين من الهولوكوست “قيل لنا إن الوقوف دفاعا عن الشعب الفلسطيني الذي تسقط عليه القنابل المصنوعة في أمريكا، معاداة للسامية”، ورد الجمهور “عار”، وما قاله جون هو أن معادة الصهيونية ليست معاداة للسامية وأن معارضة إسرائيل وأفعالها العسكرية لا تعني أن اليهود أصبحوا أقل أمنا.
ورغم الخلاف بشأن هذا بين اليهود حول أمريكا، مرر الكونغرس قرارا ساوى فيه بين معاداة الصهيونية والسامية. إلا أن نائب منهاتن اليهودي جيري نادلر الذي صوت بأنه “حاضر” تحدث ضد القرار. وفي جلسة استماع أخيرة ناقشت نائبة نيويورك إليس ستيفانيك 3 رئيسات جامعات وسألت إن كانت الدعوة لإبادة اليهود تمثل خرقا لقواعد السلوك في الجامعة. ويبدو أنها كانت تلمح لشعار “من النهر إلى البحر” ولم تعط أيا من الرئيسات جوابا قاطعا بنعم، حيث استقالت رئيسة جامعة بنسلفانيا أمي ماغيل لاحقا.
وفي داخل جامعة نيويورك، يرى الطلاب اليهود أنهم مستهدفون بشعارات مثل “أيها المتبرعون الصهاينة توقفوا عن دعم إسرائيل”، ويقرن الطلاب الصهاينة باليهود. وتقول نيلا التي نظمت التظاهرة إنها نشأت في عائلة ووعت ما يجري في فلسطين، فوالداها هاجرا من بنغلاديش وكانا يتحدثان عنها في البيت وبدأت بالبحث عن معلومات في الإنترنت و”شاهدت صورة لصهاينة يقفون على تلة ويراقبون سقوط القنابل على الفلسطينيين وهم يصفقون” و”كانت أكثر الصور المقززة التي شاهدتها على الإنترنت، وقد صدمتني. وقلت لنفسي، مهما حاول أي شخص تبريرها أو تصنيفها بأنها شيء آخر، فإنني أعرف كحقيقة ما هو الواقع”.
واتفق الطلاب الذين التقت معهم على أن الإعلام الأمريكي لا يقول الحقيقة عما يجري في غزة. وقالت نيلا إنها تحصل على المعلومات من صحافيي غزة الذين ينشرون على إنستغرام. ويتفق الناشطون المؤيدون لفلسطين على أن ما حدث سابق على هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وفي الوقت الذي تراجع فيه التركيز على عنف حماس وتحوله للتركيز على العنف الذي ترتكبه إسرائيل في غزة، إلا أن الطلاب الذين تحدثت الكاتبة إليهم يرون أن المقاومة ضد إسرائيل مبررة، بما فيها هجمات حماس.
وقال أحدهم “لدي تعاطف إنساني وتفهم للناس الذين قتلوا وكانوا أبرياء” و”لكن البراءة محدودة عندما تكون محتلا للأرض”. والجهة التي نظمت تظاهرة كلية هانتر وهي تحالف التضامن مع فلسطين، مرتبطة بجمعية “طلاب للعدالة في فلسطين” والتي تعتبر من أشهر جماعات المناصرة في الولايات المتحدة وليس بين الطلاب ولكن بشكل عام. وزاد انكشاف الجمعية في الشهرين الماضيين وبعد اندلاع الحرب، وشجب عدد من المشرعين في مجلس الشيوخ بيانات لفروع لها تعليقا على هجمات حماس باعتبارها تصريحات “معادية للسامية وبغيضة وفيها احتقار من الناحية الأخلاقية”.
وكانت الجمعية القوة المحركة وراء تنظيم احتجاجات كبرى وقدم الإطار الفكري لها. وأصبحت فلسطين حالة مركزية وقضية مركزية في دراسات ما بعد الاستعمار، وهو حقل أكاديمي “انفجر” في السنوات العشرين الأخيرة حسب زياد أبو الريش أستاذ الشرق الأوسط الحديث في كلية بارد. وقالت ليندا مارتن ألكوف، الفيلسوفة والمنظرة في مرحلة ما بعد الاستعمار في كلية هانتر، إن أساس النظرية يقوم على أن العالم اليوم قائم وبشكل مقتصر دول ذات سيادة “لا تزال قائمة على حدود ومصادر استعمارية وأفكار وفلسفات استعمارية”.
وظهر جيل جديد من الباحثين ارتبط بحقل فرعي من دراسات ما بعد الاستعمار وهو دراسات الدولة الاستيطانية- الاستعمارية. وهناك مجلة علمية تقوم باستكشاف آفاق هذا الحقل وحاز على اهتمام بين الباحثين الذين عبروا عن دعمهم لفلسطين. وقد دعمت الجمعية الأمريكية للأبحاث والدراسات النقدية الإثنية ودراسات السكان الأصليين وغيرهم لدعم حركة المقاطعة. وساعد الباحثون الشباب والمقررات الدراسية التي سجل فيها عدد كبير من الطلاب على انتشار المجال، وتحولت الكثير من المفاهيم المكثفة إلى شعارات مستساغة، وهذا بفضل الناشطين، وبمصطلحات مثل “الاستعمار الاستيطاني” أصبحت معروفة وبسهولة في إنستغرام. وعندما تحدثت مع طلاب للعدالة في فلسطين، أكدوا أن ما يحدث في غزة ليس صعبا فهمه.
وأشاروا للمفاهيم الأكاديمية هذه وأن إسرائيل هي “كيان صهيوني” ويمكن فهمه بشكل منفرد كقوة قمعية واستعمارية. والطلاب الذين شاركوا في الجمعية هم واحد من اثنين، كما تقول كاري زاريمبا، عضو اللجنة الوطنية للجمعية والتي تخرجت من الكلية العام الماضي، فهم إما مرتبطون عاطفيا بالقضية أو يبحثون عن موضوعات بحس يساري. وعادة ما ينتمي إلى فروعها تنوع من الطلاب- عرب ومسلمون وبيض وطلاب يهود.
ويقول شين إرين، عضو لجنة الجمعية إن فكرة جمعية طلاب من أجل العدالة في فلسطين مكيفة نحو الطلاب الذين لا يعرفون شيئا. وتبدأ الفروع صغيرة بعناصر ملموسة وواضحة من الكفاح الفلسطيني ثم يتم ربط القضية بفصول تاريخية أخرى مثل جنوب أفريقيا وكفاح الهنود الأمريكيين الأصليين، من الفصل العنصري إلى دولة الاستيطان الاستعماري ومنها إلى الإمبريالية. وبحسب حاتم بازيان، أحد مؤسسي الجمعية فقد تم إنشاء أول فرع لها في عام 1993 بجامعة كاليفورنيا- بيركلي.
وكان هذا وقت اتفاقيات أوسلو، وكان بازيان الذي بدأ دراسة الدكتوراه واحدا من مجموعة عارضت الاتفاق و”تم استهداف أي شخص يمكن أن يتحدث ضد أوسلو لأنك تتحدث ضد فطيرة تفاح وأيسكريم”. وبعد سنوات نظمت الجمعية مؤتمرا في بيركلي لمناقشة إطارات فهم مستقبل فلسطين وأن مرحلة ما بعد أوسلو افتقدت النقد له. وانتشرت فروع الجمعية في مرحلة ما بعد الانتفاضة الثانية وحرب العراق حيث تطلع الكثير من الطلاب لأن يكونوا جزءا منها وفهم القضية.
ولم يتفق الناشطون حول الكيفية التي يجب فيها الحديث عن فلسطين وإسرائيل، حسب ويل يومانز، الذي ساعد على تنظيم مؤتمر بيركلي في 2002، والذي ظهرت فيه عدة خلافات. وقال إن جماعة منطقة الغرب كانت محافظة وتريد نهاية الاحتلال الإسرائيلي وولادة دولة فلسطينية. أما جماعة الغرب فقد كان لديهم تحليل أوسع لإسرائيل كدولة فصل عنصري. وطالبوا بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم داخل دولة إسرائيل.
ومع مرور الوقت تحولت جمعية طلاب للعدالة في فلسطين إلى مؤسسة وطنية وأصبح اسمها الجمعية الوطنية للعدالة في فلسطين، وكانت قادرة على توفير دعم قوي للطلاب. وكانت الفروع المحلية قادرة على المطالبة من جامعاتها بسحب الاستثمارات من الشركات المؤيدة لإسرائيل. وأضيف إلى هذا بعد جديد من ناحية دعم الحركات السوداء لهم، من التعاون مع حركة حياة السود مهمة وبعد مقتل جورج فلويد في 2020.
Be the first to write a comment.