لندن –”القدس العربي”: قيمت مجلة “إيكونوميست” عودة سوريا إلى الجامعة العربية بقولها إنه بعد 12 عاما من الدم سوريا الأسد تعود إلى البيت العربي، وأن واحدا من أسوأ المجرمين في القرن الحادي والعشرين يعود.

وقالت: “لا أحد يستمتع بلقاءات الجامعة العربية، وكان من المقرر أن تعقد القمة في المغرب عام 2016، لكنه لم يزعج نفسه ووصف المناسبة بأنها مضيعة للوقت. وحصل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان على تقرير طبي كي لا يحضر القمة في العام الماضي بالجزائر. وعادة ما يتم رصد رؤساء الدول وهم يغطّون بالنوم”.

ولا أحد يستمتع بها باستثناء بشار الأسد، الديكتاتور السوري الذي سيفرح بالقمة العربية المقبلة منذ عام 2011، حيث علقت العضوية، عندما بدأ الأسد بقمع الانتفاضة التي انزلقت نحو الحرب الأهلية.

في 7 أيار/مايو وافقت الجامعة على إعادة مقعد سوريا المعلق وقالت إنها ستوجه دعوة إلى الأسد لحضور القمة المقبلة المقررة في السعودية في 19 أيار/مايو. و”تبدو الدعوة من دكان ممل حافل بالديكتاتوريين يبدو فارغا. وللأسد، فهو تتويج لجهود طويلة لإنهاء عزلته العربية وربما كان يأمل بأنها خطوة أخرى نحو الغرب”. وتقول إن نظامه لم يفعل شيئا يستحق عودته، ولم يقدم تنازلات من أجل الإصلاحات السياسية أو المحاسبة لجرائم الحرب لا ولم يحاول إعادة 6 ملايين لاجئ، معظمهم في دول الجوار. وكان عدد سكان سوريا 22 مليون نسمة فرّ نصفهم إلى الخارج أو أصبحوا نازحين في بلادهم. وهو يحكم نخبة فاسدة تغرق الخليج بالمخدرات غير الشرعية وتقيم علاقات قريبة مع إيران، العدوة اللدودة لعدد من الدول العربية. فضلا عن انتشار الفقر، و “يبدو أن أكثر الديكتاتوريين دموية يستطيع الخلاص لو تسبب بمشاكل كافية للآخرين”.
وهذا هو واحد من دروس عودته إلى المسرح الدولي، أما الدرس الثاني، أن المستبدين وأمراء الحرب الذين يبحثون عن دعم روسيا عادة ما يخيب أملهم. فالأسد بحاجة إلى العالم العربي، وبخاصة دول الخليج الثرية، لأن روسيا لا يمكنها إعادة إعمار البلد. وسيكون من الأفضل له لو استطاع تحقيق التقارب مع الغرب الذي وضع نظامه تحت طائلة العقوبات لمنع الإعمار. والعاملون في قطاع الطاقة، مثلا، يمنعون الشركات من بناء محطات طاقة جديدة أو توفير المعدات له. ويشعر المستثمرون من الخليج بالقلق، حتى في مشاريع صغيرة للطاقة الشمسية، ويخافون من خرق العقوبات. ولهذا فالتقارب مع الغرب ليس محتملا. لكن الحديث عن واحد يثير أسئلة، تردد صدى فنزويلا وزيمبابوي، فلو استمر النظام وفشلت العقوبات، فهل يجب بقاؤها رغم أثرها الضار على المدنيين؟ ولم يكن الأسد منبوذا بالكامل في منطقته، فقد رفضت الجزائر قطع العلاقة مع النظام، وفعلت مصر ولو لفترة قصيرة في أثناء ديمقراطيتها التي لم تعمر طويلا، ولكنها استأنفت العلاقة بعد انقلاب عام 2013. لكن الأسد ظل طوال العقد الماضي وحيدا.

وعندما وصل الأسد إلى الإمارات العام الماضي، كانت أول رحلة له للبلد منذ 11 عاما. وكانت الإمارات أول دولة تكسر عزلة الأسد، وافتتحت سفارتها من جديد في 2018 ثم جاءت الهزة الأرضية التي منحت القادة العرب المبرر للتواصل مع الأسد وتقديم التعازي له وتنسيق الإغاثة.

وترى المجلة أن هناك عدة أسباب دفعتهم إلى التطبيع مع الأسد، الأول هو روح التقارب الأوسع، ففي آذار/مارس توصل السعوديون إلى تسوية مع إيران برعاية صينية. وقرر البلدان استئناف العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات. وبعد سنوات من حروب الوكالة في سوريا واليمن وأماكن أخرى، بات الطرفان راغبين في خفض التوتر وتعزيز موقفهما في الداخل. وتحاول تركيا ومصر اللتان تعيشان وسط أزمة اقتصادية إنهاء عقد من العداء. وأنهت دول الخليج خلافاتها وحصار قطر الذي لم يؤد إلى نتائج. ويحاول الأعداء القدماء حول المنطقة التظاهر بأنها عادت صديقة. وعندما يتعلق الموضوع بسوريا، فإنها تريد أمرا أكثر جوهرية، فجيرانها يأملون بالتخلص من ملايين اللاجئين السوريين. نحو مليوني لاجئ في لبنان، البلد الذي لا يتجاوز عدد سكانه الـ 5 ملايين نسمة، وينظر إليهم كعبء وحُمّلوا ظلما الانهيار الاقتصادي في البلد. وفي تركيا تحول المزاج إلى عدواني. وتعهد كمال كيليتشدار مرشح المعارضة في الانتخابات المقررة في 14 أيار/مايو بالتخلص من اللاجئين السوريين في عامين لو انتخب.

ويأمل البعض من التطبيع مع الأسد، إبعاده عن إيران التي ساعدته عسكريا وتحولت سوريا إلى قاعدة للحرس الثوري وحزب الله وبقية الجماعات الموالية لإيران. ويثير وجودها قلقا لدول مثل السعودية والأردن التي ترى في إيران شرا. ولكن لا أحد عليه أن يعول كثيرا. فقد بنى البعض من أبناء الدياسبورا السورية حياة جديدة، مع أن البقية لا يزالون يعيشون في أوضاع بائسة تحت الخيام ويعيشون على المساعدات. وقلة منهم يريدون العودة إلى سوريا، ولن يعودوا لو خيروا إلا حالة قام النظام بإصلاحات سياسية وحصل تقدم في مجال إعادة الإعمار. وبالنسبة إلى إيران فمن الصعب عليها رؤية طرد الأسد القوات التي ساعدته على البقاء في السلطة. وعندما زار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تم الترحيب به بموسيقى تمجّد إيران.

ويشك الكثير من السوريين في قدرة الأسد الذي تحيط بعاصمته الميليشيات الشيعية على طرد الإيرانيين. وربما قامت سوريا ببعض اللفتات، مثل الحد من مادة الكبتاغون التي أصبحت منتشرة في دول الخليج. فقد صادرت السلطات الإماراتية 36 مليون حبة في 2020 تم إخفاؤها في شحنة من الكوابل الكهربائية. وفي العام التالي عثرت الجمارك السعودية على 20 مليون حبة مخبأة في شحنة “غريب فروت”. ويقول الأردن إنه صادر17 مليون حبة في 2022. بزيادة عن 15 مليون حبة عام 2021 وفقط 1.4 مليون حبة في 2020. وقتل حرس الحدود في مواجهة مع مهربي المخدرات.

ويبالَغ في تقدير حجم موارد الكبتاغون، فالحكومة البريطانية تقدرها بنحو 57 مليار دولار وهو مبلغ غريب وأكبر من الناتج المحلي العام للأردن أو الدخل المشترك بين كل عصابات المخدرات في المكسيك. وربما كان الرقم كبيرا ولكنه أقل، ويجعل سوريا مترددة في وقف التصدير. وكانت السنوات الـ 12، جيدة للمتربحين وتجار الحرب حول الرئيس وبائسة للبقية. ووصل سعر الليرة السورية التي كان سعرها قبل الحرب 50 ليرة لكل دولار، إلى 8.700 ليرة لكل دولار.

والمعدل السنوي للتضخم هو 100%، ولم يتعد تصدير البلد عن مليار دولار من المواد المشروعة وأقل من 11 مليار دولار قبل الحرب. ولم تكن الحكومة قادرة على توفير سوى ساعات قليلة من الكهرباء في اليوم. ويدين الأسد في نجاته لروسيا التي أرسلت آلاف الجنود ومئات المقاتلات في عام 2015. وكل ما دمرته لم تقم بإعماره. وفي 2019 و 2020 أعلن المسؤولون الروس عن مشاريع لتحديث محطات الطاقة الكهربائية وبناء مركز حبوب في طرطوس وشبكة سكك حديدية. وبعد سنوات، لا تزال الكهرباء غير متوفرة والناس يعانون نقص الحبوب، أما القطارات فهي ساكنة. وتوقفت روسيا عن تقديم الوعود الفارغة. ولم يعد لديها ما تقدمه، حيث علِقت في الحرب الأوكرانية وتعاني عقوبات قاسية. وأمن فلاديمير بوتين مصالحه الضيقة، قاعدة بحرية في طرطوس ومصالح التنقيب عن الفوسفات وأمورا أخرى. وهذه لا توفر وظائف وأعمال للسوريين الفقراء. ومن يحلمون بحكم طوال الحياة عليهم الملاحظة، فشركة المرتزقة فاغنر لها حضور في السودان أيضا ومتعاونة مع محمد حمدان دقلو ولها مصالح في مناجم الذهب. وكانت روسيا سعيدة بإرسال جنودها والذخيرة لدعم المقاتلين لكن هذا لا يعني كثيرا في إعادة الإعمار.

ولو أرادت سوريا إعادة إعمار المناطق المتضررة، فالمال سيأتي من أطراف أخرى. فالدول الغربية تمقت أن تتحمل الفاتورة، وربما رحبت دول الخليج بالمساعدة في الإعمار لو حصلت بالمقابل على تأثير سياسي واقتصادي.

من الناحية الرسمية تريد الولايات المتحدة بقاء الأسد منبوذا، واتصل وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن بنظيره الأردني في 4 أيار/مايو وكرر موقف الولايات المتحدة وأنها لا تعترف بالتطبيع. وتبنى الاتحاد الأوربي موقفا متشددا مع أن دولا في وسط وجنوب أوروبا تفضل استئناف العلاقات من أجل التخلص من المهاجرين السوريين لديها. وفي أحاديثهم الخاصة يقول الدبلوماسيون العرب إن أمريكا منحتهم “الضوء الأصفر” أي: حاولوا وتأكدوا من حصولكم على شيء. وتلخص أزمة كبتاغون هذا الوضع المحفوف بالمخاطر. ويقدم المسؤولون الغربيون جدلا واضحا: لأن الأسد خلق المشكلة، فاستئناف العلاقات معه، هو بمثابة مكافأة له لإغراق المنطقة بالمخدرات. ويعترف القادة العرب بهذا التشخيص لكنهم يرون أن الوصفة لعلاج المرض غير صحيحة. فلو كان الأسد يستخدم المخدرات كورقة ضغط، فالحل هو العمل معه. ولكنهم يواجهون مزيدا من الابتزاز. فربما حد الأسد من تدفقه لكنه قد يعيده عندما أراد تنازلات منهم. وفي نفس الوقت، فسياسة الغرب تقوم على الأماني، فالأمريكيون يريدون من الأسد الالتزام بقرار مجلس الأمن 2254 الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار ودستور جديد وانتخابات حرة. وربما لم تكن تريد حكومة سورية أقل بغضا تحول البلاد إلى دولة مخدرات، ومن غير المستغرب، مع أن الأسد لم يظهر اهتماما بإصلاح ما بدا وكأنه نظام جمهوري وراثي منذ 1971. وربما كانت الدول العربية متفائلة كثيرا حول ما يمكن أن يتحقق من التواصل مع الأسد، لكن تجاهله فشل.

إيكونوميست / القدس العربي