تشير التصريحات التركية المتكررة إلى تراجع الاهتمام الروسي باستكمال تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وكان آخرها تأكيدات وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أن تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا ليس من أولويات إيران، كما أن هذه القضية ليست على جدول أعمال روسيا.
الموقف الإيراني الذي كشف عنه فيدان كان متوقعاً ومفهوماً في ظل مخاوف طهران من مزاحمة النفوذ التركي لها في العراق وسوريا، لكن الجديد هو تخلي روسيا عن رعايتها للمسار الذي ضغطت منذ عام 2021 لإنجاحه، وبناء عليه رعت عدة لقاءات بين مسؤولين من تركيا والنظام السوري، ودعمت انطلاق المسار الرباعي للتطبيع بمشاركة إيران.
نبرة روسية جديدة تجاه الدور التركي في سوريا
قبل قرابة الأسبوع على تصريحات فيدان، تحدث المبعوث الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، بنبرة جديدة تجاه دور القوات التركية في سوريا، ووصفها بأنها تتصرف “مثل دولة الاحتلال”، مشيراً إلى صعوبة التقدم في المباحثات بين دمشق وأنقرة من دون تقديم الأخيرة لضمانات بشأن انسحاب قواتها من سوريا.
تصعيد الموقف الروسي أتى بعد أيام قليلة من جولة أستانا 22، حيث تشير المعلومات التي رشحت منها إلى أنها لم تكن إيجابية بين الدول الضامنة للمسار، خاصة فيما يتعلق بمطلب التعاون على مكافحة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم قسد، فقد لمس الجانب التركي عدم وجود رغبة لدى موسكو للضغط على النظام السوري من أجل التعاون مع الجانب التركي في هذا السياق.
أنقرة كانت تطمح للحصول على غطاء من أجل استكمال عمليات مكافحة الإرهاب، وهي منفتحة على وجود دور للنظام السوري في هذا السياق، لكن الموقف الروسي لا يبدو أنه يسير وفق ما ترغب فيه أنقرة، وهذا ما دفع لافرنتيف للتحدث نيابة عن النظام السوري، ونفي إمكانية التقارب بين أنقرة ودمشق في ظل هذه الظروف.
ومن الواضح أن النبرة الروسية الجديدة تعبر عن عدم رضا موسكو عن المباحثات التركية الأميركية، ومحاولة أنقرة تقديم ضمانات لإدارة ترمب تؤكد قدرتها على ملء فراغ القوات الأميركية حال قرر ترمب المضي قدماً في خطة إعادة الانتشار في سوريا، وما قد ينتج عن هذه المباحثات من سيطرة القوات التركية على مناطق حدودية شمالي سوريا بموجب تنسيق مع واشنطن.
وفي ظل الموقف الروسي المستجد من التطبيع التركي مع النظام السوري، عادت أنقرة للتأكيد على استمرار انتشارها العسكري على الأراضي السورية إلى حين إقرار دستور جديد وإجراء انتخابات حرة، وتسعى من خلال هذه المقاربة إلى التأكيد على شرعية دورها استناداً إلى المساهمة في حل الصراع.
تعويل روسي على تفاهم ثلاثي مع واشنطن وتل أبيب
نشطت الاتصالات الروسية مع إسرائيل مؤخراً حول سوريا، حيث اتجهت تل أبيب إلى موسكو لتطالبها بوقف تدفق الأسلحة إلى جنوبي لبنان عبر الأراضي السورية، بالإضافة إلى ضبط الأوضاع الأمنية في الجنوب السوري، ولهذه الغاية، زار وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، موسكو في مطلع تشرين الثاني الجاري.
وفي منتصف الشهر ذاته، أكد المبعوث الروسي إلى سوريا استعداد بلاده للعمل مع فريق ترمب بشأن سوريا، وأشار إلى أهمية دور واشنطن في الملف، وأبدى تفاؤله حيال استعداد ترمب الدائم لعقد الصفقات.
وفقاً لمصادر مقربة من الخارجية الروسية، فإن موسكو ترى إمكانية التفاهم مع إدارة ترمب بخصوص تسوية ما في سوريا تتضمن استيعاب مصالح إسرائيل، بما فيها التنسيق لتأمين حدود الجولان، وقد ينسحب التفاهم باتجاه مناطق شمال شرقي سوريا التي تعتبر بوابة لتدفق الأسلحة من إيران إلى حزب الله عبر الأراضي السورية، حيث تمتلك روسيا في محافظة الحسكة عدة مواقع عسكرية أبرزها قاعدة جوية في القامشلي.
وهذا سيقطع الطريق على خيار توسيع دور تنظيم قسد ليلعب دوراً في ضبط الحدود وبالتالي تضخمه أكثر، كما قد يقنع واشنطن بعدم تقديم مكاسب لتركيا مقابل أن تشارك الأخيرة في ضبط الحدود السورية أيضاً طالما أن موسكو مستعدة للمساهمة في عملية الضبط.
ومن الواضح أن روسيا تفكر بحشد أوراق قوتها استعداداً لمفاوضات محتملة مع ترمب ستستهدف بشكل أساسي الأوضاع في أوكرانيا، ومن ضمن هذه الأوراق إظهار موسكو لقدرتها على المساهمة في إنهاء الحرب جنوبي لبنان، وضبط الأوضاع في سوريا وبالأخص ضمن الجنوب المتاخم لهضبة الجولان ومناطق انتشار حزب الله ضمن الأراضي اللبنانية.
وهذا ما يدفع الشرطة العسكرية الروسية لنشر مزيد من نقاط المراقبة في المنطقة، كان آخرها التي تمت إقامتها قرب خط وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل (خط برافو) على مقربة من منطقة الجولان، وتحديداً في تل أحمر، ليرتفع عدد نقاط المراقبة الروسية إلى 8.
موقع تلفزيون سوريا
Be the first to write a comment.