بعث لي صديق سوري وثيقة تتضمن مبادئ مقترحة لنظام الحكم في سوريا المستقبل، صيغتْ برعاية “مجلس الكنائس العالمي”. وقد تضمنت الوثيقة 20 مبدأ للحكم السياسي لا تختلف في جُلّها عن مبادئ الحكم في أي دولة ديمقراطية، سوى في أمرين استوقفا نظري، هما: المبدأ الثالث الذي ينص على أن “تقف الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان… إلخ”، والمبدأ السابع الذي ينص على أن “يكفل الدستور حيادية الدولة تجاه الدين والمؤسسات الدينية… إلخ”.

ولستُ هنا بصدد نقاش لحقّ “مجلس الكنائس العالمي” في الإشراف على النقاشات الدستورية السورية، أو مسؤوليته عن تحديد مبادئ الحكم في سوريا المستقبل، فذانِك أمران سأتركهما للسوريين. وإنما أريد لفْت النظر إلى أمرين ذكرتني بهما هذه الوثيقة: أولهما ظاهرة التطفيف وازدواجية المعايير السائدة، من خلال غضّ الطرْف عن موقع الديانة المسيحية المركزي في دساتير عدد من الدول المعاصرة ذات الأغلبية المسيحية، وثانيهما اللبس الفكري إزاء الربط بين الديمقراطية والعلمانية، رغم الانفكاك المنطقي والتاريخي بين الظاهرتين.إن المؤشرات الدولية التي تَزِن مستوى التزام الدول بالقيم الديمقراطية تدل على الانفكاك التام بين الديمقراطية والعلمانية، وهي لا تجعل حياد الدولة في شأن الدين شرطا من شروط الديمقراطية، فالمؤشر السنوي للديمقراطية الذي تنشره مجلة “الإيكونوميست” (Economist) البريطانية -وهو من أكثر المؤشرات مصداقية- وضع النرويج وآيسلندا والسويد على رأس أكثر الدول ديمقراطية في العالم عام 2020، علما أن اثنتين من الدول الثلاث تنصان على المسيحية اللوثرية ديانة رسمية في دستورهما، والثالثة تمنح الكنيسة اللوثرية وضعا دستوريا خاصا. وفي المقابل وضَع المؤشر السنوي للديمقراطية كوريا الشمالية وجمهورية الكونغو وجمهورية وسط أفريقيا في أدنى السلَّم الديمقراطي في العالم، والدول الثلاث تنص دساتيرها على أنها دول علمانية.

إن كثيرا من الدول الديمقراطية ذات الغالبية غير المسلمة لم تقف على الحياد في ما يتعلق بالدين الذي تدين به الغالبية من مواطنيها، بل اتخذتْ لنفسها ديانات رسمية، ونصت على ذلك في دساتيرها من دون مواربة؛ علما أن بعض الديانات التي تدين بها شعوب تلك الدول -كالمسيحية والبوذية- ليس في نموذجها التأسيسي بعدٌ سياسي أصلًا، فربْطها بالسياسة بدعة طارئة في مرحلة لاحقة من تاريخها، بعكس الإسلام الذي كان تضمّن أحكاما وقيما سياسية منذ ميلاده.

وفي ما يأتي مجرد نماذج -وليست جردًا حصريًّا- لوضع الدين في دساتير عدد من الدول غير المسلمة، وبعضها ديمقراطيات غربية عريقة:

فالنرويج التي حازت الرقم الأول في المؤشر السنوي للديمقراطية عام 2020 ينص دستورها على أن “قيَمنا ستظل تراثَنا الإنساني والمسيحي،” وعلى أنه “يجب أن يظل الملك دائما مؤمنا بالديانة الإنجيلية اللوثرية” (المادتان الثانية والرابعة على التوالي). وآيسلندا الحاصلة على الموقع الثاني في المؤشر الديمقراطي ينص دستورها على أن “الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي الكنيسة الرسمية في آيسلندا، وبصفتها هذه يجب أن تدعمها الدولة وتحميها” (المادة 62). والسويد الحاصلة على الموقع الثالث في المؤشر الديمقراطي ينص دستورها على أن “الملك يجب أن يؤمن دائما بالعقيدة الإنجيلية النقيَّة، وأيُّ عضو في الأسرة المالكة لا يؤمن بهذه العقيدة فهو محروم من جميع الحقوق في توارث العرش” (المادة الرابعة)، ويمنح دستورها صلاحيات خاصة لـ”كنيسة السويد” -وهي على المذهب اللوثري- في إصدار بعض الوثائق الرسمية التي لا تصدرها سوى الجهات الحكومية عادة (المادة 17)، كما ينص على حق الدولة في تقييد حرية الأجانب الدينية (المادة 25).

علما أن النص الدستوري على المذهب اللوثري ليس تبنِّيًا للدين المسيحي فقط، بل هو تبنٍّ لمذهب محدود الأتباع، متفرع عن مذهب آخر هو المذهب البروتستانتي، الذي هو فرع من فروع الديانة المسيحية. ولا شبيه لهذا التدقيق والتفصيل في مذهب الدولة الرسمي في العالم الإسلامي، باستثناء الحالة الإيرانية الشاذة، حيث ينص الدستور الإيراني على الالتزام بالمذهب الجعفري الاثني عشري، في المادة الـ12 منه (ولم يكن اختيار رقم المادة اعتباطًا طبعا).

أما المسيحية الكاثوليكية فقد نصت عليها مجموعة من الدساتير ديانةً رسميةً، أو على تخصيصها بدعم رسمي خاص. فقد نص دستور الأرجنتين على أن “تدعم الحكومة الفدرالية العقيدة الرومية الكاثوليكية الرسولية” (المادة الثانية)، ونص الدستور المالطي على أن “ديانة مالطا هي الديانة الرومية الكاثوليكية الرسولية، وعلى سلطات الكنيسة الرومية الكاثوليكية الرسولية الواجب، ولها الحق، في تحديد الحق والباطل من المبادئ، وتعليم ذلك للناس. ويجب توفير تعاليم الكنيسة الرومية الكاثوليكية الرسولية في جميع مدارس الدولة، باعتباره جزءا من البرنامج التربوي الإلزامي” (المادة الثانية)، وعدّ دستور موناكو “الديانة الكاثوليكية الرسولية الرومية ديانة الدولة” (المادة التاسعة).

ونص دستور السلفادور على أن “الشخصية القانونية للكنيسة الكاثوليكية معترف بها” (المادة 26)، أما الأوروغواي فمنح دستورها الكنيسة الكاثوليكية الحق في تملُّك “جميع أماكن العبادة التي أنُفِق على بنائها -كليا أو جزئيا- من الخزينة العامة…” (المادة الخامسة)، واعترف دستور البيرو بالكنيسة الكاثوليكية “باعتبارها عنصرًا مهما في التكوين التاريخي والثقافي والأخلاقي للبيرو…” (المادة 50)، وتشبث دستور أندورا بـ”المحافظة على علاقات التعاون الخاص بين هذه الكنيسة (الكاثوليكية) والدولة طبقا لتقاليد أندورا (المادة 11)، أما بنَما فقد اشترطت في ممارسة جميع الأديان “احترام الأخلاق المسيحية والنظام العام” (المادة 35)، ونص دستورها أيضا على “تدريس الديانة الكاثوليكية في المدارس العامة، لكن بطلب من الوالدين أو أولياء الأطفال…” (المادة 107)، وأكد دستور زامبيا على أنها “أمة مسيحية” (الديباجة)، ومنع دستور هندوراس زواج الشواذ، حتى إن تم إشهاره والاعتراف به في قوانين دول أخرى (المادة 112)، وذلك التزاما بتعاليم الكنيسة الكاثوليكية.

ولا يختلف الأمر في المسيحية الأرثوذكسية التي تبنّتها مجموعة من الدول ديانة رسمية أو ديانة ذات مكانة دستورية خاصة. فاليونان -مثلا- ينص دستورها على أن “الديانة السائدة في اليونان هي كنيسة المسيح الشرقية الأرثوذكسية” (المادة الثالثة، الفقرة الأولى) مع تفصيل مُمِل -وغير معتاد في نصوص الدساتير- عن عقائد هذه الكنيسة وخصائصها وتاريخها، ومنع الدستور اليوناني “الإساءة إلى الديانة المسيحية، أو أي ديانة أخرى معترف بها” (المادة 14)، كما امتاز دستور اليونان بأمر آخر لا مثيل له في الدساتير وهو أنه “يجب الحفاظ على نص الكتاب المقدَّس من دون تحريف، وأي ترجمة رسمية لهذا النص إلى أي لغة أخرى من دون ترخيص من كنيسة اليونان وكنيسة المسيح العظمى في القسطنطينية فهي محظورة” (المادة الثالثة، الفقرة الثالثة). ولا بد من التوقف هنا للتذكير بأن الاتحاد الأوروبي الذي يرفض انضمام تركيا ذات الغالبية المسلمة إليه منذ عقود -رغم نص دستورها على العلمانية- لم يعْترض على انضمام جارتها اليونان إلى الاتحاد رغم الصبغة الدينية الصارخة في دستور اليونان، ولا اعترض الاتحاد الأوروبي على وجود ديانات رسمية في دساتير عدد من الدول الأوروبية ما دام الأمر متعلقا بالديانة المسيحية.

وجعل دستور بلغاريا “المسيحية الشرقية الأرثوذكسية هي الديانة التقليدية لجمهورية بلغاريا” (المادة 13)، ونص دستور أرمينيا على أن “جمهورية أرمينيا تعترف بالرسالة الاستثنائية للكنيسة الأرمنية الرسولية المقدسة، باعتبارها الكنيسة الوطنية، في الحياة الروحية للشعب الأرمني، وفي تطور الثقافة الوطنية، وفي المحافظة على الهوية الوطنية” (المادة 17)، وافتخرت المجَر في دستورها بأنها “جزء من أوروبا المسيحية” منذ ألف عام (الديباجة)، وأشادت بـ”دور المسيحية في المحافَظة على الهوية الوطنية” (الديباجة)، ومثلها لاتفيا التي أكدت أن مكانتها “في الفضاء الثقافي الأوروبي” قد صاغتها “القيم المسيحية” (الديباجة)، وكذلك بولندا التي ورد في دستورها “إن ثقافتنا ترجع جذورها إلى تراثنا المسيحي” (الديباجة)، كما جعل دستورها علاقة الدولة بالكنيسة الكاثوليكية محكومة باتفاقيات بينها وبين والفاتيكان (المادة 25).

ولا تختص هذه الظاهرة بالدول ذات الغالبية المسيحية، وإن كنا ركزنا عليها هنا بحكم السياق، وإلا فقد تبنَّت دول آسيوية البوذية ديانة رسمية لها، ومن هذه الدول سريلانكا التي نص دستورها على أن “جمهورية سريلانكا تمنح المقام الأول للديانة البوذية، وبناء على ذلك فإن من واجب الدولة حماية تعاليم بوذا ونشرها” (المادة التاسعة)، ومنها كمبوديا التي جعل دستورها “البوذية هي الديانة الرسمية للدولة” (المادة 43)، وألزم الدولة بدعم المدارس والمعاهد البوذية وتطويرها (المادة 68)، بل جعل دستور كمبوديا قادة الرهبان البوذيين أعضاء في مجلس العرش الذي يختار ملك البلاد (المادة 13)، ونص دستور تايلاند على أن “الملك يجب أن يكون بوذيا، وهو حامي الأديان” (المادة 7) كما نص على إلزام الدولة بحماية الديانة البوذية، و”اتخاذ جميع التدابير والإجراءات التي تضمن أن لا تتضرر هذه الديانة بأي شكل من الأشكال” (المادة 67)، أما بوتان فقد أعلن دستورها أن “النظام الديني والسياسي يتجسد في الملك الذي هو بصفته بوذيا يجمع بين الدين والسياسة” (المادة الثانية)، وعلى أن “البوذية هي التراث الروحي لشعب بوتان” (المادة الثالثة).

وتوجد نماذج أخرى من حضور الدين في النظام الدستوري للدول، لا يتسع المقام لسردها هنا، ويكفي ما أوردناه على وجود ديانات رسمية ووطنية في دساتير العديد من دول العالم، ومنها ديمقراطيات عريقة في أوروبا الغربية، مصنَّفة في أعلى سلَّم التطور الديمقرطي في العالم، وأن هذا الحضور الديني في الأنظمة الدستورية لا يؤثر سلبا في حقوق الأقليات الدينية والجماعات اللادينية إذا تم تحصين تلك الحقوق في نص الدستور. ومع ذلك يستكثر “المجلس العالمي للكنائس”، كما يستكثر بعض أبناء الأقليات الدينية واللادينية على الغالبية الساحقة من المسلمين منْح الإسلام مكانة خاصة في الدستور، باعتباره دين السواد الأعظم من الشعوب.

ويجادل بعض المنظرين العلمانيين العرب، سواء من المنتمين إلى الأقليات الدينية أو الأقليات اللادينية، في التمييز بين الأغلبية الدينية والأغلبية السياسية، ويزعمون أن التي تحكم في الدول الديمقراطية هي الأغلبية السياسية، وأن ليس للأغلبية الدينية أهمية سياسية في ذاتها؛ فيقول أحدهم مثلا إن “الديمقراطية لا تعني حكْم الأغلبية الدينية، وإنما حكْم الأغلبية فحسب”، وهذا كلام لا يستقيم على إطلاقه، بل يحتاج إلى استدراكين اثنين على الأقل:

أما الاستدراك الأول فهو أن الديمقراطية لا تنبت في فراغ ثقافي واجتماعي، والدولة ليست كيانا إجرائيا مجردا، بل هي حصاد تدافعات وتوافقات منقوعة في الهوية الثقافية والتاريخية لكل مجتمع. والديمقراطيات التي لا تنحاز إلى دين الأغلبية في نصوص دساتيرها، تنحاز إليه في نصوص القوانين، وفي المراسيم الإدارية، وفي الانتخابات الدورية. وكل ذلك ناتج عن ترجيحات واختيارات مرتبطة بثقافة الناخبين، وعقائدهم، وقيَمهم، فضلا عن مصالحهم المادية المتعيِّنة؛ فليس غريبا أن أكثر من قرنين وثلث القرن من الديمقراطية الأميركية الراسخة لم يجلب للرئاسة سوى رئيسين كاثوليكيين من أصل 45 رئيسا، هما الرئيس القتيل جون كينيدي (1917-1963)، والرئيس الحالي جو بايدن. ورغم أن الدستور الأميركي لا يميِّز ضد الكاثوليك -وهم مسيحيون يبلغ تعدادهم أكثر من 70 مليونا، أي نحو خمس السكان- فإن كل الرؤساء الأميركيين -باستثناء كينيدي وبايدن- ينتمون إلى الغالبية البروتستانتية بأطيافها المختلفة: معمدانيةً ومنهجيةً ومشْيَخيةً… إلخ.

وأما الاستدراك الثاني -وهو الأهمّ- فهو الفرق بين السياسة العملية المجردة من صراع القيم، كتصويت البرلمان على تمويل شَقّ طريق أو بناء جسر، والسياسة القيَمية التأسيسية التي يظهر فيها التمايز بين الهويات الدينية والثقافية للمواطنين، مثل كتابة دستور جديد، أو سنّ قوانين تتعلق بالهوية والانتماء والقيم الاجتماعية. وتعيش عدد من المجتمعات العربية والإسلامية اليوم لحظة تأسيسية من تاريخها، وهي تمرُّ بمخاض سياسي أليم، وفي هذه الأوقات التأسيسية تحديدًا يكون ادِّعاء الفصل بين الأغلبية الدينية والأغلبية السياسية ادّعاء هشًّا في أحسن الأحوال، وانحيازًا أقَلَّويًّا في أسوئها. والطريف أن من يسعون لتجاهل الأغلبية الدينية يرفعون شعار الدفاع عن الأغلبية القومية واللغوية، وذلك يعني أن مشكلتهم ليست مع حكم الأغلبية غير السياسية في ذاته، وإنما مع الأغلبية المسلمة بما تحمله من عقائد وقيم وانتماء.

لقد ميز بعض علماء القانون الدستوري بين ما دعوه “الشِّق الكثيف” من الدستور المتعلق بالقيم الكبرى والهوية والمرجعية، و”الشِّق الخفيف” من الدستور المتعلق بالمؤسسات والصلاحيات والإجراءات. وتظهر أهمية الأغلبية الدينية في أوقات صياغة “الشِّق الكثيف” من الدستور، لأنها لحظة تأسيسية، تتحدَّد فيها المبادئ الكبرى، والقيم الناظمة للاجتماع السياسي، وهي لحظة يكون فيها للأغلبية الدينية وزنُها ودلالتها السياسية الصريحة، فمن الأكيد -مثلًا- أن الذين صوّتوا لمنح المسيحية اللوثرية مكانة خاصة في دستور النرويج والسويد -مثلا- ليسوا المواطنين الكاثوليك أو اليهود في هاتين الدولتين، بل الأغلبية اللوثرية، وهي أغلبية دينية، لا “أغلبية فحسب”، ومن الأكيد كذلك أن الذين صوّتوا لمنح البوذية مكانة خاصة في دساتير سريلانكا وكمبوديا ليسوا المواطنين المسلمين أو الهندوس في هاتين الدولتين، بل الأغلبية البوذية، وهي أغلبية دينية، لا “أغلبية فحسب”، فلماذا نتوقع من الأغلبية المسلمة أن تتجرد من تصوراتها وقيمها الدينية إذا انخرطت في السياسة ومارست الديمقراطية؟!

إن أقدم تعريف للديمقراطية في الفكر البشري المسطور هو تعريف المؤرخ اليوناني توسيديد (460-455 ق.م) الذي صاغه منذ نحو 2500 عام، فقال إن “الديمقراطية هي الاسم الذي منحناه لنظامنا، لأننا ندير أمرنا لمصلحة الأكثرية، لا لمصلحة الأقلية”، فمن حق الأكثريات المسلمة -بكل المعايير الديمقراطية- أن تنص على الإسلام دينا رسميا للدولة، بما يترتب على ذلك من مرجعية ثقافية ورمزية، ومن حقها النص في دساتيرها على مرجعية الإسلام القانونية والأخلاقية. وإنصاف الأقليات غير المسلمة في الدول العربية والإسلامية غير متاح من دون إنصاف الأكثريات المسلمة، ومن إنصاف الأكثريات احترامُ خيارها في صياغة بناء دستوري وسياسي منسجم مع منظورها الاعتقادي والأخلاقي.

لا بديل للعالم العربي والإسلامي عن المواطَنة المتساوية، التي لا منَّة فيها من حاكم على محكوم، أو من أغلبية على أقلية، بعيدا عن نوازع العزلة الطائفية الجديدة المتلبِّسة بلبوس حقوق الإنسان، وحياد الدولة تجاه الأديان؛ فالمواطَنة المتساوية تتأسس على احترام الخيار الشعبي الذي تعبر عنه غالبية المجتمع، فتترجم من خلاله عقائدها وقيَمها إلى مؤسسات وإجراءات، وهذا هو مصدر الشرعية السياسية في كل الديمقراطيات الحقَّة. أما استعلاء الأقليات على الأكثريات، وفرضها شروطا سابقة على الخيار الديمقراطي، واستقواؤها بقوى دينية ولادينية خارجية، فهو يقود إلى مزيد من التشظي المجتمعي، والتفتُّت السياسي، وتمكين الاستبداد من رقاب الشعوب، وتقطيع الأرحام الإنسانية بين أبناء الوطن الواحد والحضارة الواحدة.. فإلى متى ترضى الشعوب المسلمة بالتطفيف وازدواجية المعايير؟!