أراد “حزب إيران/ حزب الله” أن “يتلبنن” فانكشف. بعدما أطلق أمينه العام حسن نصرالله بضع فقاعات خطابية للإيحاء بأن حزبه “عائد”، وبعدما تبرّع كثيرون بالقول إن “الحزب” دخل مرحلة “لبننة”، إذا بنائب الأمين العام نعيم قاسم يتفاخر في طهران بأن حزبه “ساهم في تغيير معادلات المنطقة”، مشيراً الى أن المسار تغيّر “من التبعية للغرب الى استقلال الشعوب” و”من الإحباط والاستسلام الى المقاومة وتحقيق العزّة والكرامة”. ولكي يدلّل الى ذلك نوّه بتوفّر الكهرباء والغاز في كل بيت إيراني، مستخلصاً أن “الجمهورية الإسلامية تنصف شعبها وتعطيه حقّه بعزّة واقتدار”… كلام ساذج موجّه الى ساذجين مستعدّين لتصديق كل شيء، لكن فيه مقداراً مهمّاً من تجهيل الوضع الاقتصادي المزري والمذلّ للشعب الإيراني، ومن احتقار لهذا الشعب إسوةً باحتقار شعوب لبنان وسوريا والعراق واليمن التي كان لـ “الحزب” ولإيران أكبر مساهمة في إذلالها، أيضاً “بعزّة واقتدار”!

الانكشاف الآخر لكذبة “التلبنن” قدّمه عددٌ من أصوات “الحزب” في تطرّقهم الى “المواصفات” المطلوبة لاختيار الرئيس اللبناني المقبل. “الحزب” ليس مضطراً للشرح، فاللبنانيون تعرّفوا الى العيّنة التي يريدها من خلال “مرؤوس الجمهورية” الذي يعدّون الساعات والأيام لرؤيته خارجاً من قصر بعبدا و”من التاريخ” (على قولة سمير جعجع)، ويعرفون كذلك أن “الحزب” يسعى الى “مرؤوس” آخر مشابه أو أسوأ. دعا رئيس الكتلة البرلمانية لـ “الحزب”، محمد رعد، الى “التفكير في الغاية التي نريد أن نحميها من خلال اختيارنا للرئيس”، ويعرف اللبنانيون أن رعد يعني “حماية سلاح الحزب” لأنه أولاً وأخيراً سلاح إيران وفي خدمة المشروع الإيراني، لكنه كان يتحدّث عن “السيادة” ويطالب برئيس/ مرؤوس “قويّ يدافع عنها”، أي عن السلاح غير الشرعي، وليس “رئيساً مبرمجاً” للتوقيع على اتفاقات “تنتقص من سيادتنا”، أي من “سلاحنا”.

يدرك “الحزب” أن ثمّة شروطاً لـ “العودة” الى لبنان. أهمها وأوّلها الاعتراف بالدولة واحترام مكوّنات المجتمع والانضواء في السياسات المنبثقة من توافق هذه المكوّنات. لكن “الحزب” يعتقد أنه، بسلاحه، غيّر هذه الدولة وعبث باقتناعات الشعب وبدّلها، وبات البلد ملتفّاً حوله وجاهزاً لتعديل دستوري يشرعن “دولته” ويعترف بها. تلك هي “اللبننة” التي يتصوّرها “الحزب”، ويطرحها كمكافأة تلقائية لـ “عودته” حاكماً منفرداً للبلد ومستعيناً بـ “مرؤوسين” عمل طوال عقود أربعة على تصنيعهم ليكونوا كارهين للعالم ومعادين لمحيطهم العربي، وقبل كلّ شيء مناوئين لشعبهم، فلا يكون لهم سوى ولاء واحد: لإيران ولمشيئة الوليّ الفقيه ولأوامر “الحرس الثوري”.

ومن شروط “اللبننة” أن يحترم “الحزب” قوانين الدولة، والأهم أن يرفع حمايته لـ “جمهوره” الذي يستخف بالقوانين والهيئات المكلّفة بتطبيقها. من شروطها أيضاً أن يبرهن “الحزب”، بالفعل لا بالقول الغامض والمبطّن، أنه معنيّ بالانقاذ والإصلاح، وليس بمزيد من التخريب واستغلال مآسي اللبنانيين تعزيزاً لهيمنته. وأمام الاستحقاقات الداهمة، انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة وترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، من شأن “الحزب” – “العائد” والمتلبنن” – أن يعي أولاً أنه إذا بقيت الرئاسة اللبنانية في قبضته فإن لبنان سيبقى غارقاً في أزمته، وثانياً أن ترسيم الحدود مسألة تهمّ لبنان أولاً وأخيراً وأي تلاعب بها بحثاً عن “نصر” لإيران يمكن أن يُفشلها.

النهار العربي