بالأمس، بعد إعلان الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” عزم بلاده في شن عملية عسكرية بمنطقتي “تل رفعت ومنبج” في شمالي سوريا، تكون الرؤية مبدئياً اتضحت…

لكن قبل تفكيك الحديث عن سير العملية العسكرية التركيّة المرتقبة، لا بد من المرور على تصريحات رسميّة للرئيس التركي في وقت سابق (سبتمبر/ أيلول 2019) خلال عقد أعمال الدورة ال 74 للجمعية العامّة للأمم المتحدة في نيويورك.

قال الرئيس التركي أثناء حضوره أعمال الدورة: ” إنّ بلاده تواصل العمل مع الولايات المتحدة على إقامة المنطقة الآمنة بعمق 30 كيلومتراً وطول 480 كيلومتراً والتي يجب أن تكون مطهرة من وحدات حماية الشعب الكردية ” كما عرض الرئيس أردوغان “خارطة” تظهر الشكل المفترض لهذه المنطقة مضيفاً ” أنّ بعد إقامتها سيصبح بإمكاننا إعادة مليون أومليوني لاجئ سوري إليها ”

ويتابع الرئيس: “سنتمكن من خلق ظروف ملائمة لهم بالتعاون مع الولايات المتحدة، وأنّه في حال مد عمق المنطقة الآمنة إلى خط دير الزور-الرقة سيكون بوسعنا رفع عدد السوريين الذين سيعودون من بلادنا وأوروبا وبقية أرجاء العالم لوطنهم إلى 3 ملايين شخص”. انتهى.

#التعليق:
بداية القول أنبّه إلى نقطة ولو أنّها ليست من المضمار وهي: بينما الحكومة التّركية مشغولة وتعمل على مشروع المنطقة الآمنة ورسم حدود الأمن القومي التركي مع سوريا ينتهز العنصريّون الفرصة لضعضعة الوضع الداخلي في تركيا عبر إثارة الفتن مع اللاجئين الأجانب.

النقطة الأولى: مشروع المنطقة الآمنة الذي يتم من خلال العمليات العسكرية التركية مقسّمة على مراحل: درع الفرات كانت عام 2017 – غصن الزيتون كانت عام 2018 – نبع السّلام كانت عام 2019 – والعملية العسكرية المرتقبة ” الغير مسماة بعد” عام 2022.
النقطة الثانية: لا يمكن لتركيا أن تنفذ مشروعها لوحدها، هي بحاجة إلى توافقات دوليّة وعلى رأسها الولايات المتحدة كونها داعمة للقوات الكردية، وبالتالي يتم استكمال مشروع المنطقة الآمنة بمراحها المخطط لها.
النقطة الثالثة: روسيا قبل حربها مع أوكرانيا وقعت اتفاقية مع تركيا بتاريخ 17 أيلول/ سبتمبر 2018 التي تحمي منطقة خفض التصعيد المنطقة الرابعة “إدلب” من آلة الحرب الروسيّة، لأنّ تركيا هي المسؤول الإداري والعسكري عن المنطقة، المهم لدى روسيا حينها تسليم إدلب للنظام السوري، فكان اتفاق سوتشي يحفظ للطرفين مصالحهما في سوريا (قاعدة حميميم والنقاط التركيّة) والجدير ذكره أن من ضمن ما نصّ عليه الاتفاق هو إنشاء منطقة عازلة بين تركيا ومناطق النظام السوري ومناطق القوات الكردية المنتشرة على طول الحدود معها.
النقطة الرابعة: بالنظر إلى شكل التوافقات الدوليّة لتنفيذ تركيا مشروعها على طول حدودها مع سوريا، فهناك الورقة الضاغطة على أمريكا وأوروبا ” انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو ” وكذلك ورقة الضغط على روسيا إغلاق مضيقي البسفور والدردنيل. واليوم تمر السفن الحربيّة الروسية بشكل محدود بين الأبيض المتوسط والبحر الأسود على ما أعتقد، لا سيما واتفاقية سوتشي مازالت قائمة بين روسيا وتركيا.
النقطة الخامسة: أمّا موضوع حفر الخنادق في ريف حلب (بلدة تادف المحاذية لمنطقة الباب) وريف إدلب يأتي في سياق المشروع التركي وملحق ضروري لاستكمال المنطقة الآمنة/ العازلة، بحيث يتم القطع النهائي أو التقسيم الجغرافي بين مناطق الأسد والطرف التركي، وبالمناسبة حفر الخنادق محدودة وربما هناك حفر جديد لم يتضح بعد وهو (على خط دير الزور– الرقة).

أخيراً: السياق العام للعمليات العسكرية التركية ليس كما يحلل البعض بأنّها محدودة وعلى نطاق ضيق أبداً إنّما هي عمليات مقسّمة على مراحل لاستكمال المشروع التركي في المنطقة الآمنة التي تحمي حدوده مع القوات الكردية ونظام الأسد، وبذلك يتم قضم التّوسع الإيراني والميليشيات الشيعيّة الأخرى.