تتوالى الإشارات الى أن سوريا- الأسد ستستعيد عضويتها في جامعة الدول العربية، وأن السعودية ستدعو بشار الأسد الى قمة الرياض الشهر المقبل. غير أن القاهرة أسمعت وزير خارجية النظام كلاماً يُفهم منه أولا، أن “العودة” الى الجامعة “مشروطة” بالتزام دمشق متطلبات القرار 2254. وثانياً، أن الرغبة العربية في اتباع مسلك مختلف مع النظام لا بدّ أن يقابلها الأسد بتغيير في سلوكه وبتعامل إيجابي مع جهود الأمم المتحدة. ولم يتّضح بعد ما إذا كان الموقف المصري داخل المحادثات مختلفاً عمّا قيل علناً. ولا شك أن العرب وجامعتهم يدركون مسبقاً أن استعادة الأسد بسجله الأسود مكلفة جداً بالنسبة إليهم، إذ أنهم لا يستطيعون تجاوز القرارات الدولية حتى بعدما بالغ الروس والإيرانيون والأسديون في افراغها من محتواها، ولا يمكنهم تجاهل المواقف الأميركية والغربية من هذا النظام ورفضها اعتبار “ديبلوماسية الزلازل” وسيلة لعدم محاسبته على ما ارتكبه.

حديث القاهرة عن “التسوية السياسية الشاملة” للأزمة السورية، استناداً الى القرار 2254، أثار حساسية النظام وحلقته الضيقة، فأوساطه تبشّر نفسها وغيرها منذ زمن بأنه نجح في دفن هذا القرار، وبالأخص عنوانه الرئيسي: الانتقال السياسي. ثم أن مناورات النظام، مع حليفيه الروسي والإيراني، مكّنته طوال أعوام من احباط المحاولة الأخيرة المتمثّلة باللجنة الدستورية، ومن التلاعب بملف الافراج عن المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين (كـ “إجراء لبناء الثقة”!)، بل ساعدته على تمييع قضية عودة اللاجئين والنازحين سواء بتغييبها والتهرّب منها أو بعقد مؤتمرات خادعة لـ “تسهيلها” لكن بشروط: رفع العقوبات وتخصيص أموال لإعادة الإعمار ومواصلة المساعدة الدولية للعائدين (بواسطة النظام)… هذه الشروط تسمسر للنظام حصّته مسبقاً، كما فعل دائماً بتجارة المساعدات، وكما فعل أخيراً- وفقاً لتقارير الاتحاد الأوروبي – بـ “سرقة مواد الإغاثة” المخصصة لضحايا الزلزال.

في مساعي “الانفتاح” العربي على الأسد كان هناك تركيز خاص على “عودة طوعية وآمنة” للاجئين. ورد ذلك في كل البيانات الرسمية للعواصم العربية حتى المتعاطفة معه، ومنها على سبيل المثال البيان الاماراتي بعد زيارة الأسد لأبو ظبي. لكن إعلام النظام أسقط دائماً الفقرة المتعلّقة باللاجئين، تدليلاً على مدى انزعاجه منها وعلى أنها لا تعنيه. لكن أي تقدّم في عودة اللاجئين والنازحين يمثّل، بالنسبة الى العرب الراغبين في “استعادة سوريا”، خطوة حيوية تدعم/ وتبرّر فكرة البحث عن مسار آخر لتحقيق “أهداف إنسانية” متى تتعثّر/ أو تتعذّر “الأهداف السياسية”. غير أن نظام الأسد الذي مضى بعيداً في التواطؤ مع النظام الإيراني على انجاز خطط “التغيير الديموغرافي” لا يمكنه تعهّد عودة اللاجئين الى مناطق جرّفها استعداداً لمشاريعه، أو جعلها الإيرانيون “مستوطنات” لنفوذهم ولميليشياتهم المستوردة.

يعوّل نظام الأسد خصوصاً على استعادة العلاقة مع السعودية، مدفوعاً بالاتفاق السعودي- الإيراني، فالرياض بالنسبة إليه مفتاح استعادة “شرعيته” العربية ومصدر دعم يتيح له كسر العقوبات الغربية. وعلى رغم الأنباء التي يتلقاها أو يسرّبها لتزخيم التقارب السعودي معه، فإن التواصل الأولي بين الجانبين لم يكن اختباراً سياسياً للنظام، بل أمنياً في شأن وقف تهريب الكبتاغون واطلاق نحو مئة سعودي معتقلين لديه. أمّا تصنيع المخدرات فغدا “مؤسسة” يديرها الإيرانيون و”حزبهم” اللبناني ويتكسّب منها بعض أجنحة النظام، وأمّا اطلاق المعتقلين فيتوقّف على شروط الصفقة. بناء الثقة مع هذا النظام ضرب من الاستحالة

النهار العربي