لا يزال حسن نصرالله ساعياً الى الثأر لقاسم سليماني، ولعجزه عن النيل من قتلة قائده الإيراني هذا فإنه يثأر من لبنان واللبنانيين، بالتطاول مجدّداً على السعودية. مثل “حزب إيران/ حزب الله” في لبنان تتصرّف ميليشيات إيران ضد العراقيين واليمنيين والسوريين، وقدوتها ممارسات نظام طهران ضد الإيرانيين. لم يكن إحياء ذكرى اغتيال سليماني سوى مناسبة أخرى لشحذ العداء للولايات المتحدة، فالنظام يحتاج إليه لزوم الشحن الداخلي، لكن أوساط النظام (عدا المرشد وبعضٌ من القريبين) تصرّف أعمالها ومصالحها بارتياح واضح لغياب سليماني. أما العداء لأميركا فبات بضاعة أيديولوجية غير مجدية، وهذا ما يلمسه الوفد الإيراني الى فيينا، وهو أخّر استئناف المفاوضات النووية للمشاركة في عزاء أقامته سفارته في ذكرى سليماني، لكنه يعلم أن لا خيار لإيران إلا بتقدّم المفاوضات، ولا تقدّم إلا بتنازلات، والتنازلات هي ما تتوقعه واشنطن.
حنق نصرالله على تعريف ميليشياه بـ “حزب الله اللبناني الإرهابي” فاستعاد الهجوم على السعودية، مذكّراً بـ “الوهابية” التي يعرف أنها صارت من التاريخ وأن إيران تعيد تدويرها، وبـ “داعش” الذي يعرف أين وكيف بدأ تصنيعه إيرانياً قبل أن يصبح أداةً في متناول أطراف شتّى. بماذا يريد نصرالله أن يُوصف “حزبه”، بـ “المقاومة”؟ كان كذلك ضد الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان ولم يعد، لكنه بعد قتله لبنانيين وذهابه لقتل عراقيين وسوريين ويمنيين ومساهمته في قتل سعوديين، استحق أن يُصنَّف “ارهابياً”، كمرادفٍ وصنوٍ لكونه “إيرانياً”. يتجاهل نصرالله أن هذا التصنيف لإيران ولـ “حزبه” هو الآن دولي وعربي، لكن يذهب أبعد من الإرهاب بتحريضه السعودية، وسائر دول الخليج عملياً، على طرد اللبنانيين العاملين المقيمين فيها وعدم اتخاذهم كرهائن. يريد “أبو رغّال” قطع الأرزاق الذي هو من قطع الأعناق، وفقاً للمنهج “الداعشي” ووحشيّته.
تدرك إيران وميليشياتها ان لا حلّ للأزمات التي افتعلتها وتضاعف تعقيدها في البلدان العربية الأربعة إلا بمساهمة سعودية – خليجية لن ترضى بالأمر الواقع. الانفتاح على الرياض فتح نافذة في بغداد. نظام دمشق يعرف أن الاستقرار في سوريا مستحيل من دون السعودية. جماعة الحوثيين في اليمن رفضت المبادرة السعودية فخسرت هوامش المناورة سياسياً وعسكرياً. أما نصرالله فيوجّه ممانعته ومقاومته ضد السعودية ودول الخليج، ويدّعي قدرة وهمية على حلّ أزمة لبنان بمعزل عنها، فكلّ ما يستطيعه “حزبه” مزيدٌ من إغراق اللبنانيين في البؤس، ومزيدٌ من التخريب للنظام والعيش المشترك ولو تطلّب الأمر شكلاً من الفدرلة أو التقسيم أو الاعتماد على حرب مع إسرائيل لتدمير ما تبقّى من مؤسسات. فالعقل الذي يعتقد أن العاملين في الخليج رهائن إنما يذكّر بأن اللبنانيين باتوا منذ زمن رهائنه.
أحد هؤلاء الرهائن، رئيس الحكومة، تبرّأ من تفوّهات نصرالله لكنه يعتقد أن في الإمكان اعتبار “حزب إيران” جزءاً من الحال اللبنانية المتنوّعة” أو أنه “لبناني الانتماء”. يحلم نجيب ميقاتي بـ “حوار” للتوافق على السياسة الخارجية، لكن أحداً لا يلومه فالعالم يعرف أن لبنان تحت الاحتلال الإيراني.