قتل ثلاثة رجال مدنيين من جامعي ثمرة الكمأة جنوب كباجب بريف دير الزور الغربي، في هجوم شنه مجهولون على منطقة الزملة جنوب طريق تدمر- دير الزور في عمق البادية الشامية حيث يبعد موقع الهجوم عن الطريق قرابة 15 كم.

وأكدت مصادر محلية متقاطعة لـ«القدس العربي» مقتل أحد المدنيين في الهجوم المباشر الذي تعرض له العشرات من جامعي الكمأة وخطف شخصين آخرين ورمي جثتهما في مكان غير بعيد عن موقع الحادثة، وأدى الهجوم لاحتراق 15 شاحنة متوسطة الحجم بسبب إطلاق النار المباشر من الرشاشات الثقيلة للمهاجمين.

وأطلق نحو 300 محاصر بينهم قرابة 70 امرأة نداءات استغاثة بعد اختراق آلياتهم والتجائهم لأحد المجابل في المنطقة خوفا على حياتهم من المهاجمين.

ورجح بعض الناجين من الهجوم أن عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» هم من نفذوا الهجوم في غالب الظن. وأعلنت ميليشيا «الدفاع الوطني» ولواء «القدس الفلسطيني» ارسالهما تعزيزات كبيرة للمنطقة بشكل مستقل، وقالت معرفات «لواء القدس» الفلسطيني الموالي للنظام السوري والمدعوم من روسيا أنه دخل بقوة «قوامها 100 عنصر للمنطقة واستطاعت الانتشار وحماية المدنيين وتأمينهم» وأنه نقل القتيل المدني إلى مستشفى دير الزور فيما استمرت وحداته في عمليات البحث عن ثلاثة مفقودين مدنيين آخرين.

وفي ذات السياق، اتهمت ميليشيا «الدفاع الوطني» تنظيم «الدولة» بالهجوم على المنطقة المعروفة عسكريا باسم «محور أبو حية» ببادية دير الزور الغربية.

وأكدت الميليشيا «حرق 15 سيارة كان يستقلها الأهالي أثناء قدومهم للمنطقة» ونفت «مقتل وجرح العشرات» ووصفت ما يجري تداوله بأنه «تهويل للواقع بهدف بث الرعب في قلوب المواطنين».

وفي ردود الأفعال من قبل النظام والميليشيات التابعة له ولحلفائه، أرسلت قوات النظام تعزيزات عسكرية مؤلفة من عدد من المدرعات والدبابات من مناطق ريف دمشق الغربي وأطراف درعا إلى مدينة تدمر تمهيدا لعملية تمشيط واسعة للمناطق التي تتعرض لهجمات متواترة من قبل خلايا تنظيم «الدولة الإسلامية» منذ مطلع العام الجاري وخصوصا بعد توسع العمليات في منطقة السخنة شمال تدمر بمحافظة حمص من جهة، واقترابها من مناطق متفرقة تسكنها غالبية علوية وشركسية في ريف حمص الشرقي.

وتداولت صفحات موالية للنظام السوري شريطا مصورا يظهر العشرات من مقاتلي ميليشيا «لواء القدس» الفلسطيني في حي الجمعيات شمال مدينة تدمر خلال استعدادهم لعمليات تمشيط البادية السورية، وتعتبر الدفعة الجديدة الثانية من التعزيزات التي استقدمتها القيادة العسكرية الروسية من الميليشيات المحسوبة عليها للبدء بعملية عسكرية واسعة في البادية هي الرابعة منذ الربيع الماضي والأولى خلال هذا العام.

وأفاد مصدر محلي في دير الزور أن العدد النهائي لقتلى جامعي ثمرة الكمأة هو ثلاثة فقط، وقال في اتصال مع «القدس العربي» إن القتلى موزعين كالتالي «اثنين من قرية عياش بريف دير الزور الغربي وقتيل واحد من أهالي مدينة دير الزور».

وتؤكد الصور والأشرطة المصورة الواردة من مكان الهجوم والتي تناقلها أهالي وسكان المحافظة عدم وجود قتلى وانما تقتصر المشاهد على صورة قتيل واحد وهو الذي سقط في بداية الهجوم في حين لا تظهر صور القتيلين الذين اختطفهما المهاجمين، وهو ما يعزز فرضية عدم سقوط قتلى والإشارة إلى أن الاستهداف كان تحذيرا إلى حد كبير، حيث ركز المهاجمون على إلحاق الضرر بالسيارات وحرقها مع تجنب قتل جامعي الكماة وأغلبهم من العمال المياومين.

وارتفع عدد قتلى جامعي الكمأة إلى 21 شخصا بعد مقتل 18 مدنيا أخرين كانت قد استهدفتهم خلايا تنظيم الدولة ـ إذ وثقت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» مقتل 18 مدنيا بينهم طفلان في سوريا خلال جني محصول الكمأة في شباط (فبراير) الفائت 2024.

والجدير بالذكر، أن القيادة العسكرية الروسية بدأت بجمع التعزيزات العسكرية في تدمر قبل الهجوم الكبير على جامعي الكماة.

كذلك، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان أن هدف التعزيزات تمشيط منطقة واسعة في البادية السورية، تشمل جبل البشري وجبل العمور وجبل شاعر وبادية تدمر. ولفت المرصد إلى أن ميليشيا فاطميون «جهزت قوة كبيرة للانضمام لهذه الحملة». وبالفعل فإن حملة تمشيط مشتركة بين ميليشيا «الدفاع الوطني» وميليشيا «الحرس الثوري» الإيراني بدأت في بادية دير الزور الغربية بعد الهجوم الذي نفذه مهاجمون يشتبه بتبعيتهم إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي لم يعلن تبنيه الهجوم حتى كتابة هذا التقرير مساء الجمعة.

في سياق منفصل، أعلنت وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «الدولة» مسؤوليته عن «استهداف دبابة من طراز T62 ضمن نقطة عسكرية تتبع لقوات النظام» شرقي مدينة السخنة، وجرى استهداف الدبابة بتفجير «عبوة ناسفة أسفلها ليعقبها تفجير العبوات عن بعد» ورغم عدم ذكر المنطقة بالتحديد إلا أن ريف السخنة الشرقي تحول لمنطقة عمليات نشطة خلال شهر شباط (فبراير) الماضي، كما يرجح تفجير عدة عبوات متلاحقة إلى استهداف رتل كبير لعدد من الآليات ـ إضافة إلى أن خلايا التنظيم تتحصن بالمنطقة بشكل قوي يسمح لها بتجهيز أعداد كبيرة في طرق تتوقعها أو تجبر خصومها على المرور بها واستدراج أرتال النظام وحلفائه إلى مناطق وقوع الكمائن.

وخلال الأسبوع، قتل خمسة عناصر سوريين ينتسبون إلى إحدى الميليشيات المدعومة من إيران وجرح آخرون، جراء انفجار عبوة ناسفة بسيارة عسكرية في بادية الشولا.

من الواضح أن تصاعد العمليات في البادية السورية وفي مناطق السيطرة الفعلية للنظام وحلفائه الإيرانيين في مدينة دير الزور وريفها الشرقي، وعمليات الاغتيال اليومية المتفرقة لعناصر الميليشيات والهجوم ضد القوات الأمنية للنظام، سيؤدي إلى صدامات متنوعة بين الأطراف، خصوصا وان القوات الأمريكية تستشعر الخطر الكبير الحاصل نتيجة دعم الحرس الثوري لانتفاضة أبناء العشائر بأشكال غير معلنة وسرية، كما يضاف نشاط تنظيم «الدولة» بالقرب من حقول الغاز والفوسفات إلى جملة التعقيدات الحاصلة في شرق سوريا، فروسيا التي شنت عدة عمليات بهدف تطهير البادية منذ العام 2019 إلى اليوم فشلت بشكل واضح بالقضاء على خلايا التنظيم، على العكس فقد توسعت هجماته وبدأت تقترب من حواضن النظام في ريف حمص الشرقي المأهول بالسكن وهو ما لم يحصل إلا في زمن قوة التنظيم عامي 2016 و 2017. حيث هدد التنظيم القرى ذات الأغلبية العلوية في ريف السلمية الشرقي في محافظة حماة وقرى والبلدات التابعة لجب الجراح بريف حمص.

وبالمقارنة بين قدرات التنظيم والقوات التي تستعين بها روسيا على الأرض لتطهير البادية السورية فإن عدد المقاتلين الذين حشدتهم القيادة الروسية من القوى المدعومة من طرفها وتلك المدعومة من إيران، غير قادرة على تحقيق إنجاز ملحوظ. ومن المتوقع أن تتبع خلايا التنظيم تكتيك التلاشي وعدم المواجهة والانتظار لحين انتهاء حملة التمشيط القائمة، والعودة لنصب الكمائن لحافلات المبيت والهجوم على المواقع المتفرقة المنتشرة شمال بلدة السخنة على الطريق الذي يصل إلى الرصافة في الرقة.

القدس العربي