في ظل الضربات الجوية التركية والمخاوف من انسحاب عسكري أميركي، تشعر قوات سوريا الديمقراطية “قسد” شمال شرقي سوريا بقلق متزايد من أن يتم التخلص منهم باعتبارهم “أضرارا جانبية” للحرب في غزة.

وقال مسؤولون من “الإدارة الذاتية” لموقع Middle East Eye إن الزيارة النادرة التي قام بها الأسبوع الماضي الجنرال إريك كوريلا، القائد العسكري الأميركي الأعلى في الشرق الأوسط، إلى شمال شرق سوريا، لم تفعل الكثير لتعزيز الثقة لدى “الإدارة الذاتية”. ولم يحدث أي انخفاض موسع في الهجمات التي تشنها الميليشيات المدعومة من إيران على أهداف أميركية في المنطقة.

ومن بين مخاوف المسؤولين في شمال شرقي سوريا تصاعد الهجمات التي تشنها تركيا منذ 7 أكتوبر، عندما اندلعت الحرب الإسرائيلية الفلسطينية، وتستهدف من خلالها “قسد” وحزب العمال الكردستاني.

وكثفت أنقرة قصفها للبنية التحتية التابعة لـ “قسد” في شمال شرقي سوريا، بما في ذلك محطات الطاقة وشبكة الكهرباء في المنطقة وحقول النفط.

وقال محمود مسلط، الرئيس المشارك لمجلس سوريا الديمقراطية، الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية لموقع ميدل إيست آي: “لقد طلبنا من الولايات المتحدة وقف هجمات تركيا، لكنهم رفضوا ذلك”.

الضربات التركية تأتي في ظل المخاوف من أن الحرب في غزة تسرع ما وصفه جندى محمد، مسؤول كبير آخر في المجلس بأنه “انسحاب شبيه بأفغانستان” حيث يوجد 900 جندي أميركي شمال شرقي سوريا، والذي وصفه بأنه سيؤدي إلى “نتائج مضطربة” في المنطقة.

طائرات إف 16
وافقت وزارة الخارجية الأميركية في 27 من كانون الثاني على البيع المعلق بقيمة 23 مليار دولار لطائرات (F-16) ومجموعات التحديث لتركيا بعد موافقة أنقرة على عضوية السويد في الناتو. وتخشى “قسد” من استهدافها بالطائرات الجديدة، بحسب المسلط.

ويضيف “قال لنا الأميركيون إن تركيا لن تستخدم الطائرات ضد حلفائهم”، وتابع “لكننا نعتقد أن تركيا ستفعل ما تشاء”.

كان دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية نقطة خلاف طويل مع حليفها في حلف الناتو، تركيا.

وتعتبر أنقرة قوات سوريا الديمقراطية امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور، ويُعتبر أيضا منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومع ذلك رفضت واشنطن قطع العلاقات مع “قسد”، بحجة محاربة “داعش”.

استراتيجية تركية جديدة شمال شرقي سوريا
قالت دارين خليفة، الخبيرة في الشؤون السورية والمستشارة الأولى في مجموعة الأزمات الدولية، لموقع Middle East Eye، إنه منذ اندلاع الحرب في غزة، اتبعت تركيا استراتيجية جديدة في حملة القصف.

وقالت خليفة: “الأتراك يضعفون قدرة الإدارة الذاتية على استخراج النفط وتكريره، في ضربة قوية لمواردهم المالية”.

ويضم شمال شرقي سوريا 95 في المئة من احتياطيات النفط والغاز السورية. وفي مؤتمر صحفي الشهر الماضي، قال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، إن الضربات التركية على المواقع التجارية والبنية التحتية كلفت قوات سوريا الديمقراطية التي تعاني من ضائقة مالية 50 في المئة من ميزانيتها.

كيف سيؤثر الانسحاب الأميركي من العراق على “قسد”؟
نظرا لأن العراق هو المركز اللوجستي للقوات الأميركية في سوريا، فإن الانسحاب من هناك قد يجعل الوجود الأميركي في سوريا غير مقبول، حسبما صرح مسؤولون أميركيون كبار سابقون لـ “ميدل إيست آي”.

وقال مسؤول دفاعي أميركي، إن إحدى خطط الطوارئ التي طرحها مسؤولو وزارة الدفاع تقضي بإبقاء قوات أميركية في المنطقة الكردية التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في العراق، مما يحافظ على وصول الولايات المتحدة إلى مطار أربيل.

وأضاف المسؤول لموقع ميدل إيست آي، شريطة عدم الكشف عن هويته: “في الأساس، سننسحب ونسلح الأكراد العراقيين ونستمر في دعم رجالنا في شمال شرقي سوريا”.
وطالب إقليم كردستان العراق إدارة بايدن بتزويدهم بأنظمة دفاع جوي، لكن واشنطن كانت مترددة في القيام بذلك، حيث كان الطلب على الأنظمة المتقدمة من أوكرانيا عاملاً مساهماً.
وفي حين أن هذه الخطة يتردد صداها في بعض الأوساط في واشنطن، إلا أنها قد لا تكون عملية. فقد خفضت الولايات المتحدة رواتب قوات البشمركة في المنطقة، وتعاني أربيل من ضائقة مالية متزايدة بسبب الخلاف مع بغداد على عائدات النفط.

الخيارات الأميركية في سوريا
ويقول روبرت فورد آخر سفير أميركي في دمشق، والذي انتقد منذ فترة طويلة ما أسماه “الحرب المنسية إلى الأبد” في أميركا إن الولايات المتحدة أمام خيارين في سوريا: “إما أن يبقوا إلى أجل غير مسمى أو يفكروا في عملية انتقالية حيث تذهب قوات سوريا الديمقراطية إلى حكومة الأسد”، مضيفًا أن الانسحاب من المرجح أن يعزز دور روسيا كوسيط للسلطة في سوريا.
وفي أغسطس/آب من العام الماضي، ثارت القبائل العربية، ضد قوات سوريا الديمقراطية في محافظة دير الزور، ومع استمرار الحرب في غزة، سعت إيران إلى استغلال تلك التوترات ويتولى قائد الحرس الثوري الإيراني الحاج مهدي مسؤولية عمليات طهران في دير الزور ويعمل بنشاط على تجنيد العشائر.

وبرأي فابريس بالانش، المتخصص في الشؤون السورية في جامعة ليون الثانية، إن زعماء القبائل العربية وقوات سوريا الديمقراطية لن يكون أمامهم خيار سوى إبرام اتفاق مع دمشق إذا انسحبت الولايات المتحدة،

وتابع “هناك سؤال يقول “متى ستغادر الولايات المتحدة، وليس ما إذا كانت ستغادر”. وأوضح بالانش: “لا أرى كيف يمكن لقوات سوريا الديمقراطية أن تبقى على قيد الحياة لمدة عام آخر، وربما عامين”.

“شمال شرقي سوريا هو الضرر الجانبي لغزة. ليس لدي الكثير من الأمل بشأن مستقبلها”.

“الآلية الاستراتيجية” بين تركيا وأميركا

يوم الخميس، انطلقت محادثات أطلق عليها اسم “الآلية الاستراتيجية”، تمهيدا لاجتماع اليوم الجمعة بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره التركي هاكان فيدان.

وفترت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا في السنوات القليلة الماضية بعدما وصلت مرحلة الشراكة الاستراتيجية، مع اتساع الخلافات بين البلدين الحليفين منذ فترة طويلة.

وأدى شراء تركيا لأنظمة الدفاع الصاروخي الروسية إس-400 عام 2019 إلى فرض عقوبات أميركية على أنقرة واستبعادها من برنامج الطائرات المقاتلة الشبح إف-35، وفي الوقت نفسه، أعربت تركيا عن انزعاجها الشديد بشأن الدعم الأميركي “لقوات سوريا الديمقراطية” في شمال شرقي سوريا والتي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني، المصنف منظمة إرهابية.

وانزعجت الولايات المتحدة أيضا من تأخر أنقرة لمدة 20 شهرا في الموافقة على عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي، والذي جرى التوقيع عليه في يناير / كانون الثاني. ووافق الكونغرس الأميركي بعد ذلك على بيع طائرات مقاتلة من طراز إف-16 إلى تركيا بقيمة 20 مليار دولار، وهو ما كانت تسعى إليه الحكومة التركية منذ مدة طويلة.

ومنذ ذلك الحين، بدأ المسؤولون الأميركيون يتحدثون عن رغبة الجانبين في تعميق المحادثات في المجالات التي يمكن للجانبين التعاون فيها.

وقال مسؤول أميركي كبير عن المحادثات المقبلة “من المحتمل أن تكون هذه الآلية الاستراتيجية الأكثر حيوية وإيجابية التي نجريها منذ سنوات”. وفق وكالة رويترز.