في بلادنا عادة مدح الأموات، ونسيان الأحياء، حتى ليظن كثيرون أنه لا يوجد في بلادنا حي واحد يستحق الثناء، أو فيه ولو شيء من خير وصواب.

ومن هؤلاء الأحياء الذين كرسوا حياتهم كلها لتقدم وتحرر بلادهم، ووصولها إلى المكان اللائق بها بين الأمم، المعارض والثائر والوطني السوري جورج صبرة.

جورج صبرة من مدينة قطنا، قرب دمشق، معارض عنيد سجن وعذب لسنوات طويلة، درس التربية في سورية وأمريكا، ظل يناكف نظام الأسد الأب والابن، وشارك في قيادة المظاهرات المعادية للنظام في السنة الأولى للثورة السورية عام ٢٠١١، قبل أن يضطر لمغادرة سورية والتفرغ للعمل السياسي، ويصبح رئيساً للمجلس الوطني السوري عام ٢٠١٢، ثم رئيساً بالإنابة للائتلاف الوطني السوري، وعضواً بارزاً في الوفد الممثل للشعب السوري في مفاوضات جنيف.

أخذ جورج صبرة من الاشتراكية واليسار الانحياز للفقراء والضعفاء والمهمشين، وعدم مهادنة غيلان رأس المال المتوحش، محلياً وإقليماً ودولياً، بدون تسلط ولا استبداد باسم الكادحين.

وفهم العلمانية على أنها تكريس الدولة كل طاقاتها في تقديم الخدمات للإنسان والمجتمع، وأن لا تشغل نفسها إلا بذلك، بدون إقصاء أحد، ولا معاداة أي توجه فكري أو عقيدة.

وجورج صبرة عربي، يفتخر بأن أجداده العرب من هذه الأرض (الشام) قبل الإسلام وقبل المسيحية وقبل السيد المسيح. وتشكل العروبة عنصراً أساسياً من هويته وانتماءه وثقافته، دون أي ميل نحو العنصرية أو الشوفينية أو التعالي أو الانغلاق القومي.

ولا يمارس جورج صبرة الدين المسيحي، ولا يمكن اعتباره متديناً بأي شكل كان، لكنه أخذ من المسيحية عبقها وأصالتها، وترك كل أشكال الكهنوتية والانتماء الطائفي الضيق. لم يحصل أبداً أن أعلن جورج صبرة أنه ممثل طائفة أو مكون، لكنه لم يكن يعترض عندما يقال له أنت من المسيحيين العرب.

يعرف جورج صبرة الإسلام، ويحترمه، حتى لتكاد تعتقد أنه في داخله مسلم، لا ينقصه سوى النطق بالشهادتين (شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله) ليصبح مسلماً كامل الإسلام. لكنه وبكل لطف يفهمك (دون أن يقول) أن لا داعي لذلك، وأن نطق الشهادتين لن يغير فيه شيئاً.

الانتماء الذي أخذه جورج صبرة دون انتقاء وبدون اعتدال ولا تحفظ، وبدون “ولكن”، هي الحرية والديمقراطية. إنه حر وديمقراطي أولاً وقبل كل شيئ، وبلا حدود ولا قيود، بالشكل والمضمون والممارسة، وفي كل مجال وكل سلوك.

يعرف جورج صبرة أن مشكلتنا الأولى والأخطر هي الاستبداد، وأن لا حل للاستبداد إلا بالحرية والديمقراطية. والحرية والديمقراطية عنده هي قبول الاختلاف، والتعددية، واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، وحرية الانتماء والاعتقاد والتعبير، والتداول السلمي للسلطة، في دولة مواطنة ومساواة تامة.

انتماء آخر لا يعرف جورج صبرة الاعتدال فيه أو الحسابات أو “ولكن”، هو الانتماء إلى سورية بكل فخر وشموخ. إنه السوري الذي لا يساوم على سوريته، ولا يقبل عن سورية بديلاً.. بالكون كله.

إنه السوري الأصيل، بلا حدود، السوري الذي فيه من كل سوري الكثير. كل سوري يرى في جورج صبرة الكثير مما في نفسه، ويرى في نفسه الكثير مما في جورج صبرة. كأنه القاسم المشترك الأعظم بين كل السوريين. عندما يحدثك أبو شادي (جورج صبرة) يبحث عن هذه القواسم المشتركة بينك وبينه، ويبتعد عن نقاط الاختلاف والخلاف. يكفي أن تتكلم معه لدقائق حتى تشعر أنك تعرفه من زمن طويل، وأنه قريب لك، كأنه من أسرتك، أو كأنه أنت.

لوحده، يشكل جورج صبرة سبباً لتحب سورية، وتضحي لأجلها، وتثق بأن سورية عميقة، وراسخة، وحقيقية، ولن تزول أبداً، رغم الأهوال والفظائع التي تحل بها، ورغم اجتماع أشرار الأرض عليها.

جورج صبرة هو الذكاء الحاد، والعقل والذهن الوقاد، والثقافة الموسوعية، والوطنية اللامحدودة، والصبر والتحمل بلا حدود، واستيعاب أصعب الناس، وأصعب الأوضاع. تسأله في أي موضوع، فيجيبك حالاً وكأنه مختص به، وكأنك سألته قبل أيام أو أسابيع وحضر وفكر وبحث وسأل.

إنه أبو شادي.. جورج صبرة.