في مرحلة عمريّة “سابقة” كنت أظن بأنّ مقولة الدّين محارب أو أنّ الدّين الإسلامي محارب هي مجرد أعذار لتبرير فشل المسلمين وتعليق خيبات الأمّة المتكررة باختصار العبارة بأننا محاربون، لكنّ واقع الحال يشهد بأنّ المحاربة لا تقف عند دولة معينة إنما تتسابق الحكومات على خصوصية الكراهية وإذلال المسلمين.

هذا ما حصل العام الفائت في فرنسا وأعقبه تصريح الرئيس المأزوم “ماكرون” بأنّ الصحف حرّة في تصوير الأنبياء والتهكم عليهم ولا يحق للمسلمين التّدخل في القوانين الفرنسيّة، وقبلها الدنمارك كانت من أوائل الساخرين حيث نشرت صحيفة “يولاندس بوستن” الدنماركية رسوماً كاريكاتورية مسيئةً بتاريخ 30 سبتمبر/ 2005 وكما يقال الحبل على الجرار فكلما فُتِحت الملفات الساخنة تتدفق الأحداث تباعاً بدءاً من التاريخ حتّى يومنا هذا، وفي ميانمار والصين كذلك الأمر يُحرق المسلمون ويعذّبون بطريقة مدروسة سياستها الإبادة والتطهير الديني لا العرقي.

المسلم في الصين مواطن صيني والمسلم في الهند مواطن هندي، وعند البقر أقف لأسأل أين فلسفة “غاندي” الزعيم الروحي الذي ناهض العنصريّة والاستبداد؟! هل فلسفة اللاعنف اندثرت بموته؟! هل كان المهاتما غاندي مجرد كذبة للدعاية الاعلاميّة؟! أين الديمقراطية المزعومة في الهند كما صورها لنا؟! الشيء بالشيء يذكر عندما كان المهاتما غاندي محامياً وناشطاً في الفترة ما بين 1893 حتى 1914 في جنوب أفريقيا استضافته العائلات المسلمة وقامت بدعمه وتمويله ضدّ العنصرية ومقاومة الاحتلال البريطاني.

التقسيم ومآلاته:
شبه القارة الهنديّة التي تضم الهند، بنغلادش، وباكستان وعدداً من الجبال والجزر منها جبال الهيمالايا وجزر المالديف الأكثر شهرةً، كانت ترزح تحت وطأة الاحتلال البريطاني لقرن من الزمان أي قرابة المائة عام، حتّى أنّه لم تكن لتنسحب بريطانيا من أكبر مستعمراتها “الهند” إلّا بعد قرار التقسيم الذي أصدره البرلمان البريطاني في يونيو/ حزيران 1947 مما اضطر العديد من الولايات في شبه القارة للانضمام إمّا إلى الهند أو إلى باكستان، وعليه تم الانسحاب الفوري لأنّ بريطانيا تدرك مآلات تقسيمها والفوضى والاقتتال الوشيك بين الهند وباكستان، هنا وبعد الاستقلال وعقب التقسيم اندلعت صدامات وتفاقم الأمر إلى صراع طائفي لا منتهى له بين الهندوس والمسلمين، قُتل على أثره أكثر من مليون شخص على الأقل، ونزوح أكثر من 12 مليون إلى الولايات الأخرى.

ما يفعله الهندوس من مجازر وحشيّة بحقّ المسلمين لا يأتي دون تخطيط وتدبير، بل كل عمل إجرامي يقومون به يندرج تحت ذريعة ما، بهدف تسويغ الاجرام وشرعنته، تارة من أجل الجغرافيا وتارةً بسبب مدارس التعليم والتربية وقانون الأحوال الشخصية وغيرها الكثير كجريمة الأضحية بلحوم البقر في عيد الأضحى! المسلمون في الهند يصل عددهم بحدود 200 مليون مسلم متوزعون في إقليم كشمير ومدن هامة كآسام ومرشد آباد وبيهار ودلهي، لذلك مع تنوع الطوائف والمكونات في الهند يكون للمسلمين وجودهم وهويتهم الخاصة بهم كسائر الملل.

وبالرجوع إلى قرار التقسيم البريطاني الذي فصل الهند وباكستان فصارتا دولتين معاديتين ليومنا هذا، فالهند تمثل الأغلبيّة الهندوسيّة وباكستان تمثل الأغلبيّة المسلمة، وبينهما الجغرافيا المتنازع عليها ألا وهو إقليم كشمير الحاضن الرئيسي للمسلمين، تمثل كشمير أهمية استراتيجية للهند أي العمق الأمني لها أمام الصين وباكستان، لهذا تحرص على عدم التفريط بكشمير تحت أي ضغط كان، في المقابل يعد إقليم كشمير منفذ حيوي _استراتيجي لدى باكستان تمر منه الطرق التجاريّة وشبكة للسكك الحديدية.

تتجه الهند على الدوام نحو التضييق على سكان الإقليم كما وترفض منح كشمير الاستقلال الهوياتي أو الديني والسبب تخوف الهند من ظهور حركات المقاومة الشعبيّة أوالجهاد المسلح المدعوم من باكستان، أمّا فيما يخص إشكالية التربية والتعليم إلى جانب قانون الأحوال الشخصيّة تلجأ الهند إلى طمس الهوية الإسلامية من خلال هدم وحرق المساجد والكتب والمكتبات والتّلاعب بقانون الأحوال الشخصيّة الذي ينظم العلاقات بين المسلمين بخصوص أمور الزواج والنسب ويحفظ الحقوق والواجبات، وعلاوة على ذلك مطاردة العلماء والنّشطاء والحقوقيين، وجلّهم لجأ إلى “باكستان” ليأمن على نفسه ودينه ورأيه، كأبو الحسن الندوي صاحب كتاب “المسلمون في الهند” تقديم الشيخ علي الطنطاوي، وكتاب آخر من تأليفه “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين” تقديم سيد قطب، و الشاعر الهندي “محمد إقبال” والده الشيخ “نور محمد” شاعر الكلمة الحرّة والرأي السياسي، والقائمة تطول بذكر العظماء فلا يسع المقال بإيفاء حقّهم.

السياسة في الهند عتبة المتطرفين:
تداولت مواقع التواصل اقتباساً لما قاله وزير الدفاع الهندي الأسبق جورج فيرنانديز عقب مذابح غوجارات الهندية سنة 2002: لماذا ينتقدنا “حزب المؤتمر” على موقفنا من تلك الأحداث وكأن هذه هي المرة الأولى التي تقتل فيها أم، أو ينتزع جنين من بطن أمه، أو تغتصب ابنة أمام أبيها، أو يقتل أحدهم حرقاً… ألم يتعرض “السيخ” لكل ذلك في دلهي على يد الهندوس تحت حكم حزب المؤتمر في عام 1984؟!
عندما تصطف الحكومات والأحزاب صفاً واحداً ضدّ الشعوب تصبح الجرائم أكثر تنظيماً واحترافيّة وفرصةً للمتطرفين لأجل التّشفي، في الهند: الحكومة وجهاز الشرطة والأمن مع الهندوس يداً بيد في سياسة القتل الممنهج وإبادة المسلمين، فحاكم ولاية غوجارات الهندية سنة 2002 نفسه اليوم رئيس الوزراء “ناريندرا مودي” وهو عضو في حزب بهاراتيا، وهذا يؤكد مدى تنافس الأحزاب على الفوز بالمناصب السياسية، حيث نجد معظمهم ينحو باتجاه يرضي الشريحة المتنفذة ذات الأغلبية في المجتمع من أجل كسب أصواتهم، فالهندوس كالصهاينة في التّرويج لأنفسهم بمعنى ماذا يفضل اليمين المتطرف؟ بالتأكيد قتل المسلم وإذلاله واغتصاب أرضه وداره أفضل القُربات لديهم أو قرباناً يهدى للمتطرفين، وذات الشيء في أمريكا عندما أقرّت الحرب على الإرهاب فراحت تبطش بالمسلمين في أفغانستان والعراق بعد هجمات 11 سبتمبر2001

ختاماً.. خاضت الهند وباكستان ثلاثة حروب شاملة انتهت الحرب الأولى بتقسيم كشمير عام 1949، والحرب الثانية لم تفلح في تغيير الوضع عام 1965، أمّا الحرب الثالثة أسفرت عن تقسيم باكستان في عام 1971 فتأسست جمهورية بنغلادش، ولسان حال الدولتين كان ومازال بسبب التقسيم البريطاني أولاً والعقيدة الدينية ثانياً، لكن الجدير بالذكر هو نسيان الهند وغيرها ممن حارب المسلمين بأنّهم قنبلة موقوتة تحاول جمع شتاتها في شتى بقاع الأرض وإن طال بهم الزمن، فالأقليات المسلمة حول العالم تتجاوز مسمى الأقليات، ومع الأيام سيماثلون في تعدادهم السكان الأصليين.

في نهاية الأمر إن لم يلتف المسلمون على قضاياهم ويكونون قوة ضاغطة في وجه الطغاة لن يأمنوا في ديارهم مدى الحياة، ولن تنفعهم لا المناشدات ولا الإستغاثات سواء المحلية والدوليّة لإنقاذهم، فمجرمو الحرب على تنوعهم مازالوا هدفاً في عيون الأحرار، ناريندرا مودي بماذا يختلف عن بشار الأسد؟ كلاهما في الإجرام سواء ولكل بلد كفايته من مجازرَ ومذابحَ وإبادةٍ وتطهير واعتقالٍ وتشريد على مرأى العالم.