كيف يفكر النظام الإبـادي القرداحي وجماعته ؟
كيف يبررون ارتكاب الإبادة والقتل والتعذيب والتشريد والتدمير والنهب والكذب بصورة متواصلة طوال ٥٢ سنة يومياً ودون انقطاع ؟

سؤال لم أجد له جواباً. فلا يوجد دراسات تبحث هذا الموضوع، لأن المفكرين والمثقفين السوريين مهتمون بدراسة وإدانة فكر ومعتقد وسلوك ضحايا النظام، وليس النظام ولا جماعته.
مؤخراً جائتني فرصة مثالية لدخول عقل جماعة النظام. فقد عملت حلقة من برنامج أكاذيب صدقناها (الحلقة رقم ٥١) تحت عنوان “كذبة السنة أوصلوا العلويين للسلطة”.

وشاهد الحلقة على فيسبوك ملايين الأشخاص، ووصلني عدد لا يحصى من التعليقات من جماعة النظام القرداحي. وكانت صاعقة :
١- يعتقد الذين علقوا على الحلقة من العلويين، أن العلويون هم الفئة المظلومة الوحيدة في سورية، وأن ما أرتكبه أبناء طائفتهم الموجودون في السلطة طوال ٥٢ سنة الماضية (قتل مليون، وتعذيب واعتقال مليون، وتهجير ١٢مليون، وتدمير البلاد واستجلاب ١٠ جيوش أجنبية، وتقسيم البلاد لأربع كيانات، وترويع السوريين طوال ٥٢ سنة..) ما هو باعتقادهم إلا رد مقبول ومبرر، رد جزء بسيط فقط لدين وحق لهم في رقبة أبناء السنة. وكثير منهم يعتبر حافظ الأسد قديساً أو ولياً.

٢- يعتقد من علق على الحلقة من العلويين أن السنة سلموا لواء اسكندرون لتركيا كي يصبح العلويون أقلية في سورية (والحقيقة : أن فرنسا هي التي سملت اللواء لتركيا / وأن علويي اللواء حوالي مليون نسمة، إذا أضيفوا إلى مليون علوي سوري، يظل العلويون أقلية صغيرة، ولا يصبحون أغلبية في سورية مهما أضيف إليهم، ومهما تمت المبالغة في أعدادهم. ولحل هذه المعضلة يذهب بعضهم لحد القول أنه تم سلخ لواء اسكندرون وكيليكية عن سورية، أي أنهم يعتبرون كل جنوب تركيا، وبالتالي كل علويي تركيا، جزء من سورية. وهذا هذيان وتخريف)

٣- يعتقد من علق على الحلقة من العلويين أنهم هم سكان سورية الأصليون، وأن السنة غرباء وغزاة لسورية، وجاؤوا لسورية لتغيير أغلبيتها السكانية العلوية / وهذا نوع من أنواع الهلوسة المعدة لتبرير ارتكاب القتـ.ـل والإبـ.ـادة بضمير مرتاح.

٤- يعتقد من علق على الحلقة من العلويين أن العلويين هم أول من قاوم الاحتلال الفرنسي، ووحدهم من حرر سورية من فرنسا. وكل هذا محض وهم وخيال وكذب. فأول من حارب الفرنسيين كان يوسف العظمة (سني تركماني) بعد ساعات فقط من دخولهم سورية. وقائمة الثوار ضد الفرنسيين تضم عدد لا يحصى من السنة العرب والتركمان والأكراد.

٥- يعتقد من علقوا على الحلقة من العلويين أن السنة أقلية، وأن هذه الأقلية حكمت سورية أكثر من ألف عام، بالتالي حتى إذا كان العلويون أقلية اليوم، فحكم الأقلية شيء عادي وطبيعي، وحصل في سورية طوال أكثر من ألف عام. وهذا كذب. السنة هم أغلبية سكان سورية منذ ١١٠٠ عام بصورة متواصلة. وهم لم يحكموا سورية طوال هذه المدة. وإنما مر على حكم سورية خلالها المغول والتتار والصليبيون والفرنسيون، وحكم الشيعة الحمدانيون نصف سورية وحكم الإسماعيليون الفاطميون سورية.

ولم يميز من علقوا على الحلقة من العلويين بين أن تحكم أقلية البلاد بالحديد والنار والإجرام وبأنانية واستفراد مطلق، وبين أن يصل شخص من أقلية للحكم، ويمارسه برضا الناس وبمشاركتهم ولمصلحتهم. فقد حكم النبلاء الأيوبيون (وهم أكراد على الأرجح) سورية، لكن لم يحكموها بالحديد والنار، وإنما برضا ومحبة أهلها ولمصلحتهم، وبناء على رابطة الإسلام التي تجمعهم مع أغلبية سكان سورية.

ويعتقد كثير ممن علق على الحلقة من العلويين بأن العلويين صاروا أقلية بسبب مجازر ارتكبت بحقهم مرة أيام إبن تيمية، ومرة أيام الحكم العثماني. ولا واحد منهم تحدث عن مئات المجازر التي تعرض لها غير العلويين في سورية عبر الأزمنة.

٦- يعتقد من علق على الحلقة من العلويين أن الظلم الذي مارسه الإقطاعيون على العلويين، هو ظلم سني مورس على العلويين لأنهم علويون وليس لأي سبب آخر/ والحقيقة أن الإقطاعيين فيهم علويون وأكراد ومسيحيون وسنة، وكلهم كانوا يمارسون القسوة على الفلاحيين سواء كانوا علويين أو أكراد أو مسيحيين أو عرب سنة. لأن العلاقة الإقطاعية تقوم على الطبقية القاسية، ولا صلة لها أبداً بالانتماء القومي أو الديني أو المذهبي. آل مخلوف مثلاً كانوا إقطاعيين علويين، وكانوا يعاملون الفلاحيين العلويين بمنتهى القسوة. والإقطاعيون السنة كانوا يعاملون الفلاحين السنة بقسوة، لأن النظام الإقطاعي قاسي.

٧- استخدم من علقوا على الحلقة من العلويين أسماء الحيوانات كثيراً. ربما لأنهم من بيئة تعتمد على الحيوانات، وكانوا يستخدمون أسماء الحيوانات التي تخدمهم وتطعمهم (ثور، بقرة، جدي، عنزة، تيس، حمار، بغل، كر، جحش..) كشتيمة ومسبة.

٨- من علقوا على الحلقة من العلويين، أكثروا من استخدام مصطلحات وشتائم تدور كلها حول الاغتصاب وهتك العرض والخيانة الزوجية والشذو ذ والدعارة والجنس الحرام والجنس المنحرف واغتصاب الأطفال والخيالات الجنسية المريضة شديدة التطرف والحيوانية والعنف، واستخدموا فعل الجنس (العلاقة بين الرجل والمرأة) بصفته قهر للمرأة وتوسيخ وإخضاع لها. ما يشير إما إلى كثرة حصول هذه الأفعال في بيئة هؤلاء المعلقين، أو كثرة خضوعهم لانتهاكات من هذا النوع، أو رغبة مكبوتة لديهم بارتكاب هذه الأفعال، ويعكس نظرة في غاية السلبية والانحراف تجاه المرأة.

٩- أسماء وكنى من علقوا على الحلقة من العلويين متشابهة وتتكرر وكأنها قائمة صغيرة : علي/ حيدر/ حيدرة/ حبيب/ يونس/ سلمان/ سليمان/ عزيز/ يائيل/ اسكندر/صالح/ عيسى/ مناف/ يوسف/ محمود/ حسن/ تمام/ أكثم/ بلال/ ثائر/ ديب (يعني ذئب)/ ديوب/ خضور/ ونوس/ زيود/ نيوف/ عبود.. وهذا يدل ربما على بيئة منغلقة.

١٠- من بين طوفان التعليقات والمعلقين من العلويين، ولا واحد رد على الحلقة بلغة حوار أو نقاش أو محاولة توضيح أو تفاهم.. كل الردود كانت يا إما شتم وعنف لفظي، يا إما تهديد ووعيد. نفس لغة السجانين والجلادين في سجون النظام. لغة تؤمن بالقوة المحضة المجردة المطلقة، ولا شيء غير القوة والإخضاع والمحو من الوجود.

١١- ولا واحد من المعلقين من العلويين على الحلقة استخدم أي من المصطلحات المستخدمة في المجتمعات الحديثة : الحرية، الديمقراطية، حقوق الإنسان، سيادة القانون، الانتخابات الحرة، استقلال القضاء، التعددية، تداول السلطة، قبول الآخر، حرية الإعلام، الأحزاب، النقابات، التسامح، التفاهم، الإقناع.

١٢- بخلاف دعاية النظام وخطابه الرسمي، يحمل من علقوا على الحلقة من العلويين مشاعر سلبية تجاه العرب. ولا تشكل العروبة جزء مهم من هويتهم. بالمقابل هم يشعرون بالوحدة مع العلويين الأتراك. وكثير من المعلقين رفضوا أن يعتبروا مسلمين.

الخاتمة :
– أن تعتقد أنك المظلوم الوحيد، وأن عندك فائض كبير متراكم في المظلومية التاريخية وأن تعتقد أن هذا يمنحك حق الإنتقام من أحفاد ظالميك التاريخيين
– وأن تؤمن بالقوة المحضة، لا بالقانون ولا بالحوار ولا بالإقناع
– وأن تقتنع أن القوة لوحدها تعطي الشرعية، وتعطي حقوق مطلقة لمن يملكها
– وأن تصدق بأن الطريقة الوحيدة لمنع عودتك للخضوع للظلم (المزعوم) هي في استمرار القتل والتعذيب والترويع بدون أي رادع ولا مبدأ
– وأن تعتقد أن خصمك غريب، أجنبي، لا يربطك به أي رابط
فهذه بالضبط هي الأدوات اللازمة لتشكيل العقل الإجرامي الإبادي.