أخيراً، هناك موعد لفتح أبواب البرلمان وعقد جلسة لانتخاب رئيس جديد. هناك مرشّحان، وكلّ منهما يمثّل خياراً سياسياً. وهناك أسبوع كاملٌ أمام “الثنائي الشيعي” كي “يتحرّر” من رهاناته على جبران باسيل ومصالحه الشخصية وبهلوانيات “تياره” المتشظّي، ليعمل بالخيار الذي رتّبه له البطريرك بشارة الراعي فينزل بأمان من أعلى شجرة التعنّت، ويترك اللعبة البرلمانية تأخذ مجراها بين مرشّحه “الوحيد” (سليمان فرنجية) ومرشّح “تقاطع” المعارضات (جهاد أزعور). كلا المرشّحين أراد أن يكون “توافقياً”، لكن الواقع برهن أن التوافق الممكن له مواصفات “وطنية” لا تتوفّر في توافق آخر كان ولا يزال متعذّراً لأن “حزب إيران/ حزب الله” شاءه لترتيب فرض مرشّحه وتأمين الاستمرارية لـ “عهد رئاسي” مكّنه من اقتياد البلد الى “جهنم”.

المشكلة بالنسبة الى هذا “الحزب” أنه وضع نفسه في زاوية تكتيكاته وجعل من “مرشح وحيد” محوراً لها، وكلما شعر بأنها تفشل لا يجد سوى العناد والتهديد والوعيد. كان أوحى لنفسه أنه ممسكٌ بالخيار الرئاسي داخلياً، وما زاد اقتناعاً بذلك شعوره بأنه استقطب الموقف الفرنسي ووضعه في جيبه، ثم أوحى لنفسه أيضاً أن مناخات التطبيع الإقليمي مع إيران والنظام السوري باتت تصبّ كلها في مطحنته، لذا راح يقول لا تراهنوا على الخارج، مروّجاً لخياره “الداخلي” متناسياً أن الداخل يعتبره “خارجياً” جداً، الى حدّ أنه يجري مناورة عسكرية لتفعيل حال حرب لا يريدها أحد في الداخل، ولا حتى جمهوره الخاص الذي عوّده “الحزب” على مصادرة رأيه. ويبقى الخطأ الأكبر لـ “الحزب” أن مكابرته لم تسعفه للاعتراف، ولو ضمنياً، بأن الاعتراض على مرشّحه لم يكن رفضاً لفرنجية شخصياً بل انه في الشكل والمضمون اعتراض على التمديد لـ “دولة حزب إيران” نفسها، وقد فهم “الحزب” ذلك وأصرّ على الاستمرار في نهج المغالبة اعتماداً على الترهيب الذي يمكن أن يمارسه.

لم يكن الاعتراض على “دولة الحزب” مسيحياً فحسب، ولا “قواتياً” أو “كتائبياً” فحسب، بل كان لبنانياً وطنياً، و”تغييرياً” (بالإذن من “التغييريين” الرماديين)، وهذا ما أدركه “الحزب”. لكن أنى له أن يعترف؟ على العكس، بلغ به الأمر أن يعتبر سعي المعارضات الى “التقاطع” على ترشيح أزعور موقفاً “طائفياً”، أي معيباً، في مواجهة ترشيح “الثنائي الشيعي” لفرنجية باعتباره “وطنياً”! كان ذلك دليل افلاس سياسي مكشوف، بالأحرى مثيراً للعجب كما للسخرية، ففي نظام قائمٍ أساساً على الطائفية كيف يمكن لأحد المكوّنات أن يعيّر الآخر بـ “الطائفية”، خصوصاً بعد أن يكون هذا المكوّن نفسه لم يترك شيئاً إلا وفعله لإفساد التعايش المشترك وهتك معيار “الوطنية”؟

مشكلة “حزب إيران” أنه منذ استطاع ترئيس ميشال عون، بعد فراغ دام عامين ونصف العام، وبعدما بعثر ما تبقّى من روح ديموقراطية ميثاقية تعايشية في النظام اللبناني، لم يترك خط رجعة الى هذه الاعتبارات الموجودة رغماً عنه في عمق هذا النظام، بل اعتقد أنه أجهز عليها نهائياً. والأسوأ أنه، منذ انتخابات 2018، لم يعد يتقبّل فكرة أنه لا يسيطر على البرلمان ولا يستطيع التلاعب به. لذلك فإن “الحزب” يعتبر مجرّد وجود مرشّح آخر “تحدّياً” له، ومجرّد المواجهة بين مرشّحَين للرئاسة خسارةً له. وحين يقول الآخرون أن جهاد أزعور، إذا أمكن انتخابه، خيارٌ جيّد للبنان واللبنانيين، سيقال عموماً أن “حزب إيران” خسر وهو لا يتحمّل الخسارة، فكيف سيتصرّف؟..

النهار العربي