استعادت قوات سوريا الديمقراطية «قسد» السيطرة نسبياً على المناطق التي أخلتها إثر الانتفاضة المحلية العشائرية وثبتت نقاطها في بلدة الشحيل أهم البلدات والقرى المنتفضة وحاصرت بلدة ذيبان معقل آل الهفل الذين يتزعمون قبيلة العكيدات، وسط أنباء متضاربة عن مكان تواجد الشيخ إبراهيم الذي صعد نجمه خلال الأيام الماضية، وهو أخ مصعب الهفل شيخ قبيلة العكيدات المقيم في الدوحة منذ سنوات.

ورغم المساعي المختلفة لفتح باب الحوار بين العشائر و«قسد» إلا أنها أخفقت بحث القوات الأمريكية على التدخل المباشر. وأدى استمرار الغليان في المنطقة الواقعة تحت نفوذ واشنطن إلى إجبار «قسد» على تغيير حدة خطابها قليلا وهو ما يمكن قراءته بإيجابية من قبل العشائر العربية في شرق الفرات.

وفي السياق، أكد قائد قوات سوريا الديمقراطية «قسد» أن هيكلة جديدة ستعمل عليها «قسد» في المرحلة المقبلة لإعادة تنظيم المجلس المدني في دير الزور، و«مجلس دير الزور العسكري» بهدف شمولية تمثيلها عن «جميع العشائر والمكونات الموجودة في محافظة دير الزور» وشدد مظلوم عبدي بقاء قواته في مناطق سيطرتها شمال شرق سوريا دون تغيير.

وأشار في تصريحٍ لوكالة «رويترز» إلى وجود «خلل في تمثيل العشائر في المجالس المحلية» ضمن المناطق التي تسيطر عليها «قسد» متعهدًا باستضافة اجتماع واسع النطاق مع كبار الشخصيات في العشائر العربية وممثلين عن مكونات دير الزور، لمعالجة الشكاوى المستمرة بقضايا التعليم والاقتصاد والأمن.

واتهم النظام السوري بـ «إثارة الفتن والاضطرابات في المنطقة» لافتًا إلى أن قواته اعتقلت عددا من العناصر التابعين لقوات النظام، ولن يشملهم العفو العام الذي تعتزم «قسد» إعلانه في الفترة المقبلة عن جميع الموقوفين من المسلحين والمدنيين المشاركين بالانتفاضة.

وفي سياقٍ متصل، قال قائد قوات «الدفاع الوطني» في دير الزور، المساندة لقوات النظام، فراس العراقية، حسب ما نشرته صفحة الدفاع الوطني بالقامشلي، إن «قسد» اعتقلت عددًا من مقاتلي «الدفاع» من الميادين، عبروا ضفة الفرات لمساندة قوات العشائر العربية في مواجهاتها مع «قسد».

وأعلنت «قسد» في بيانٍ نشرته على موقعها الإلكتروني، الأربعاء الماضي، انتهاء المواجهات بينها وبين قوات العشائر، بسيطرتها على بلدة «ذيبان» بريف دير الزور الشرقي آخر معاقل قوات العشائر العربية، التي واجهت «قسد» على خلفية اعتقال الأخيرة قائد مجلس دير الزور العسكري، أحمد الخبيل «أبو خولة» في 17 آب (أغسطس) الماضي.

وأشارت «قسد» في بيانها إلى أن قواتها سيطرت على «ذيبان» وبدأت مرحلة تفتيش للبلدة بحثًا عما وصفتهم «بمسلحين من الضفة الغربية للفرات» وهي مناطق سيطرة قوات النظام والميليشيا الإيرانية الموالية لها.

بموازاة ذلك، أكدت مصادر محلية لـ «القدس العربي» أن المواجهات بين الطرفين لم تنته ببيان «قسد» مؤكدة على أن اشتباكات بين مقاتلين من «مجلس دير الزور العسكري» ومقاتلي العشائر من جهة، و«قسد» من جهة أخرى، اندلعت في ذيبان، مساء الأربعاء، كما اندلعت مواجهات بين الطرفين في قرى وبلدات الكسرة جزرة البوشمس وجزرة البوحميد وأبو خشب بريف دير الزور الغربي.

وأضافت المصادر، بأن قوات «قسد» لم تحكم سيطرتها الكاملة على «ذبيان» مشيرة إلى أن حي «اللطوة» بالقرب من مجرى نهر الفرات لا يزال تحت سيطرة مقاتلي العشائر ومجلس دير الزور العسكري، الذين شنوا ليل الأربعاء هجومًا استهدف حواجز «قسد» وسط ذبيان، تزامنًا مع هجوم آخر على نقطة «السرب» التابعة لقسد على طريق ذبيان -الطيانة.

وقال إبراهيم الهفل في مقطع صوتي تداوله ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي، يوم الخميس، أن قوات العشائر مستمرة في قتال «قسد» مشيرًا إلى أنه في مكان آمن، نافيا جميع الأنباء التي تحدثت عن توجهه لمناطق سيطرة قوات النظام على الضفة الغربية للفرات، لافتًا إلى أن هذه الأنباء هي مخططة لربط حراك العشائر العربية شرق الفرات بنظام الأسد وإيران.

وكان المتحدث باسم «قسد» فرهاد شامي، قد قال في منشورٍ على صفحته الرسمية في فيسبوك ليل الأربعاء، إن شيخ «العكيدات» إبراهيم الهفل، توجه إلى مناطق سيطرة نظام الأسد بعد إحكام قوات «قسد» سيطرتها على معقله في ذيبان. ونشر الناطق بعد إعلان «قسد» سيطرتها على ذيبان، تسجيلاً مصورًا من مضافة «الهفل» قائلا إن «قواتنا تنظم زيارة لشيوخ ووجهاء ذيبان».

وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» حليف «قسد» دعت الثلاثاء الماضي، إلى وقف القتال بين العشائر و«قسد» مطالبة الأطراف التركيز على هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية».

وأفاد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيدانت باتل، باجتماع نائب مساعد وزير الخارجية، إيثان غولدريتش، وقائد عملية العزم الصلب الجنرال جويل فويل مع قيادات من «قسد» وممثلين عن العشائر العربية لحل الخلاف بين الطرفين، مشيرًا إلى أن الأطراف اتفقت على ضرورة وقف العنف، كما أكدوا على أهمية معالجة شكاوى العشائر العربية، كما أشاد كل من غولدريتش وفويل، بـ «الشراكة الأمريكية المتينة مع قوات سوريا الديمقراطية، وجهودهما المشتركة في محاربة فلول تنظيم داعش».

من جعة أخرى، علق نظام الأسد على التطورات الأخيرة على لسان وزير خارجيته، فيصل المقداد، في مؤتمر صحافي الأربعاء، على هامش قمة اتحاد المؤسسات العربية في القارة الأمريكية اللاتينية، وقال المقداد إن دمشق تدعم قوات العشائر في دير الزور في معركتها مع القوات المدعومة أمريكيا.

وأضاف، أن «ما يجري في شرق سوريا لا يحتاج إلى بيانات رسمية، لكون المواطنين السوريين يخوضون نضالا وطنيا باسم جميع السوريين، في معركتهم ضد الاحتلال والمسلحين الموالين له».

وعلى صعيدٍ آخر، أشار المقداد إلى أن انسحاب القوات التركية من سوريا هو الشرط الأساسي لعودة العلاقة مع أنقرة، والتي عبرت عن دعمها للعشائر العربية في مواجهاتها مع «قسد» وجاء ذلك في تصريح للرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، خلال عودته من قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي، الثلاثاء الماضي، قائلاً إن «العشائر العربية في محافظة دير الزور السورية هم أصحاب تلك المناطق الأصليون، وأن تنظيم بي كي كي، واي بي جي مجرد إرهابيين». وأشار الرئيس التركي، إلى أن العشائر بتوحدها الأخير قد «زادت من قوتها وفعاليتها» لافتًا إلى أن «الأحداث الأخيرة حظيت باهتمام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي أكد على أهمية اتحاد العشائر.

إن استعادة «قسد» السيطرة على المناطق المنتفضة ضدها مرة أخرى لا يعني بطبيعة الحال ضبطها أمنيا كما كان الحال قبل منتصف آب (أغسطس) الفائت. وما جرى يحتم عليها الدخول بشراكة حقيقية مع المكون العربي في شرق الفرات، تحديدا في محافظة دير الزور من خلال تحسين الخدمات والوضع الاقتصادي ومنع التهريب إلى مناطق النظام إضافة إلى ضبط الحالة الأمنية على المستوى الأهلي. فدير الزور التي تعتبر خزان النفط في شرق سوريا والمورد الرئيسي لميزانية «الإدارة الذاتية» تنتهج الأخيرة تجاهها سياسة تمييزية واضحة وضوح الشمس مردها اعتراض الناس على المشاركة في مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي السياسي والعسكري.

القدس العربي