استغربت السفارة الروسية في بيروت ادانة الخارجية اللبنانية اجتياح القوات الروسية الأراضي الأوكرانية، مذكرةً بأن روسيا “لم توفّر جهداً في المساهمة بنهوض لبنان واستقراره”، لكنها لم تقل كيف كانت تلك “المساهمة” ومتى، ولا أين ترى هذين النهوض والاستقرار. كانت الحرب في سوريا سبباً مباشراً لبداية الانحدار في لبنان، وساءت أحواله بوتيرةٍ أسرع بعد التدخّل الروسي في سوريا، وهو التدخّل الذي روّجت طهران أن قاسم سليماني هو من هندسه. وعدا أن الروس لم يحرصوا على تجنيب لبنان تداعيات الخراب السوري بل سهّلوا انتقاله إليه، ولم يكن لهم قدرة أو دور في ضبط أداء إيران وحزبها “اللبناني”، فإنهم لم يقدموا يوماً مبادرة لـ “انقاذ لبنان” بعد تفجّر أزمته ولم يكونوا طرفاً في أي مبادرات أخرى، فرنسية أو غيرها، فروسيا تأخذ ولا تعطي، وبهذا المعنى سُجّل لها أنها تعاطت مع الأفرقاء اللبنانيين ولم تستطع أن تصنع فارقاً، بل ظلّت ساكتة عن الاحتلال الإيراني للبنان ومستفيدة منه.

لم تُظهر طهران تأييداً واضحاً للغزو الروسي لأوكرانيا، لكن هذا هو موقفها الحقيقي، باعتبارها شريكة لموسكو وبكين، جنباً الى جنب مع نظامي بشار الأسد وكيم جونغ اون، في مقارعة الولايات المتحدة وحلف الأطلسي. قد تبدو الدعوات الإيرانية الى “ضبط النفس” مدعاة للسخرية، لكنها قد تُفسّر بطروف انتظار الدخان الأبيض من المحادثات النووية في فيينا، فبين الإصرار على شروطها في الاتفاق الجديد والخشية من انعكاسات المواجهة الأوكرانية على المفاوضات، فضّلت إيران، على غير عادتها، أن تبدو كدولة “معتدلة”، أو “محترمة”، تغلّب الحوار والتفاوض على أي تحارب. كل شيء سيتغيّر لحظة حصول إيران على “الاتفاق الجيّد” والاحتفال به على أنه “انتصار” لها. لكن، في الأثناء، ساءها أن يصدر هذا الموقف اللبناني، كما لو أنه جرى تهريبه من وراء ظهر “حزبها”، لذا طلبت تصحيحاً فورياً، عبر وزرائها الأبواق في مجلس الوزراء، ولما كان توضيح وزير الخارجية غير كافٍ، فقد أوعز “الحزب” الى أبواقه الأخرى لتطلب ليس فقط سحب بيان الخارجية، بل أيضاً “الاعتذار” لروسيا، حتى أن “تجمّع العلماء المسلمين” (أنشئ في 1982 لمناهضة الاحتلال الإسرائيلي) دعا الى اقالة الوزير.

الواقع أن هذا الحدث النادر نبّه الإيرانيين الى احتمالات التفلّت اللبناني من سطوة الاحتلال، فما الذي يمنع لاحقاً أن يدين لبنان التدخّل الإيراني في شؤونه، إذ لا يمكن أن تكون للبنان مصداقية في قوله إن موقفه الاوكراني “مبدئي” بييما يواصل التغاضي عن “مبدئية” رفض الاحتلال الإيراني. طبعاً، هذا لن يحصل وإلا فإن “داعية التوجّه شرقاً”، حسن نصرالله، لن يحذّر من “حرب أهلية” بل سيفجّرها… فجأةً، تذكّر أتباع إيران و”حزبها”، ذلك الشيء الذي يسمى “النأي بالنفس”، أي أنه كان على لبنان أن يصمت، وثمة “منطق” في ذلك طالما أنه يمارس أفظع نأي بالنفس عن سيطرة إيران على دولته وسيادته وحدوده. في أسوأ الأحوال كان على لبنان أن يبارك الغزو والاحتلال الروسيين لأوكرانيا، لينال رضا ملالي طهران وبيروت، ولئلا يزعّل حسن فضل الله وطلال أرسلان ووئام وهاب وماهر حمود وغيرهم… مع حفظ الألقاب.