لم يأتِ بيان القمة العربية- الإسلامية في الرياض على ذكر حركة “حماس” وقتالها ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي غزة ولا عملية “طوفان الأقصى”، لكنه ركّز على جرائم الحرب الاسرائيلية والأوضاع القاسية التي يمرّ بها الفلسطينيون في غزّة وكذلك في الضفة الغربية، داعياً الى وقف فوري للحرب، وهو ما أصبح مطلباً للرأي العام الدولي، بمعزلٍ عن الحكومات الغربية الداعمة والمربكة بدعمها لإسرائيل. كما لم يشرْ البيان الى ما يشهده جنوب لبنان من تبادل للقصف والأضرار مع العدو الإسرائيلي، بقيادة “حزب إيران/ حزب الله” مع “القسّام لبنان” و”الجهاد لبنان”، باعتبار أن هذه الجبهة المشتعلة تبقى هامشية. عنى ذلك، مع البنود الداعية الى احياء المسار السياسي وإنفاذ “حلّ الدولتين” أن الدول الـ 57 لم تأخذ بدعوات إحداها، إيران، إلى تبنّي “المقاومة” المسلّحة والمطالبة بـ “دولة فلسطينية من البحر الى النهر”.

لم يتأخر قادة العدو في ابداء امتعاضهم بوقاحة من عدم ادانة “حماس” عربياً واسلامياً، وسيستخدمونه في رفض كل ما يُطرح لـ “وقف الحرب” و”ما بعد الحرب” واستدراج مزيد من الدعم الأميركي والغربي لاستمرار الحرب بكل جرائمها وفظاعاتها. في المقابل أرسل قادة إيران إشاراتٍ الى أن الأزمة والحرب لا تزالان في بداياتهما. فالمرحلة التي بدأت مع التوغّل الإسرائيلي في عمق محافظتي غزّة وشمال غزّة يمكن أن تستمرّ وتستغرق وقتاً في اشتباكات مع مقاتلي “حماس” على وقع التهجير القسري لسكان شمال القطاع، ويُعتقد أن هذا أقصى ما تدعمه واشنطن، حتى لو لم يحقق الهدف المعلن، أي “القضاء على حماس”. عندئذ ستُطرح بجدّية أكبر اسرائيلياً- و/ أو إيرانياً- حتمية إشعال الجبهة مع لبنان، وليس مؤكّدا أن الولايات المتحدة ستواصل لجم أي تصعيد أو حرب مفتوحة، فهي متفقة تماماً مع إسرائيل في شأن “حماس”، وتؤمّن لها التغطية الدولية، وهي متوافقة معها على أن الصراع الذي تفجّر في 07/10/2023 هو في حقيقته مع إيران واستراتيجيتها، وليس مع العرب ولا حتى مع الفلسطينيين.

لم يقل قائد الوحدة الصاروخية في “الحرس الثوري” الإيراني أمير علي حاجي زاده إن الحرب “يمكن” أن تتوسّع الى لبنان، وانما قال إنها “امتدّت الى لبنان” وإن إيران “مستعدّة”. لكن طهران ليست مندفعة الى حرب واسعة، وهذا ينعكس على أداء “حزبها” اللبناني والفصائل الفلسطينية الموالية، بل انها معنية بما تحمله الرسائل الأميركية اليها وهي “تبلغ في بعض الليالي ثلاث رسائل” و”بلغة الرجاء والتمنّي” لا التهديد (بحسب حاجي زاده). كما أن إيران تواصل تحريك ميليشياتها متعددة الجنسية في سوريا، وفي العراق، ضد القواعد الأميركية تحديداً، وتقدّم ذلك اعلامياً بأنه “ضغط من أجل وقف حرب غزّة”. وإذ تقول إسرائيل إن أي وقف للحرب “يفيد حماس”، فإن إيران تعتبر أنه لمصلحتها ومصلحة ميليشياتها كافةً.
متى يمكن الحرب أن تتوسّع فعلاً؟ عندما تتبيّن إسرائيل أنها لن تحقق أهدافها في غزّة، وعندما تدرك إيران أنها لن تجني أي مصلحة أو مكسب جديدين من المواجهة الحالية في غزّة وجنوب لبنان. وفي حالٍ كهذه، حتى جبهة الجولان يمكن أن تعود الى معادلة “الساحات”. صحيح أن موسكو ضغطت على دمشق (وطهران) لإبقاء سوريا خارج الصراع لئلا يؤدّي الى انهاء نظام بشار الأسد، بل ان قوات روسيا حلّت في القواعد الامامية قبالة الجولان، إلا أن إيران لن تجد صعوبة في إشعال الجبهة متى اقتضت مصلحتها ذلك.

النهار العربي