منذ ١٠٠ يوم، يتظاهر مئات من أهل محافظة السويداء (غالبية سكانها من الأقلية الدرزية) ضد نظام أسد، دون أن يتعرض لهم النظام لا بقصف ولا تفريق ولا منع ولا اعتقال ولا ترهيب، ودون أن تحقق المظاهرات أي نتائج على صعيد إسقاط النظام.
احتجاجات السويداء أكدت يقينا :
١- تمييز النظام في التعامل مع الشعب السوري، بين أغلبية سنية لها الضرب بأسلحة الدمار الشامل والقتل الجماعي والاعتقالات الواسعة الرهيبة، وبين أقليات لا تتعرض لذلك مهما تفعل
٢- أكدت أن التظاهر السلمي لا يسقط النظام، ولا رأس النظام، ولا شرطي عند النظام.
١٠ نصائح لمروجي حراك السويداء
علمنا أحد أهم أستاذة القانون في القرن الماضي، أن “الإعلانات تكون موافقة للقانون إذا أظهرت مزايا المنتج، وأنها تظل قانونية ومشروعة حتى إذا بالغت كثيراً في مديح المنتج. لكن الإعلانات تصبح غير أخلاقية وغير قانونية ويترتب عليها عقوبات، إذا تضمنت ذماً بالمنتجات الأخرى، حتى إذا كان ذماً محقاً، فكيف إذا كان غير محق”.
كلام أستاذ القانون العظيم، ينطبق تماماِ على تعامل المسيطرين على المشهد الإعلامي والثقافي والحكواتي السوري المعارض (وفي مقدمتهم عزمي أنطون بشارة الذي يرتبط به ٨٠ ٪ من الكتاب والصحفيين والمثقفين السوريين المعارضين) والذين يتصرفون كمعلنين ومؤسسات دعاية، في تعاملهم مع “حراك السويداء” (الهبة الشعبية في محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، ضد نظام بشار الأسد عام ٢٠٢٣). فيما يلي ١٠ نصائح لهؤلاء المروجين :
١- من الجميل، والمفيد جداً، خروج نساء في وقفات ومظاهرات حراك السويداء، فهذا يجذب الإعلام العالمي، ويجلب رضا ودعم المتطرفين من العلمانيين والإلحاديين والأقلويين، وهم أصحاب سلطات وقدرات فتاكة في بلادنا والمنطقة والعالم.
لكن التلميحات إلى أن الثورة السورية (العمل السلمي والعسكري والإعلامي والسياسي والقانوني ضد نظام أسد منذ عام ٢٠١١ حتى عام ٢٠٢٣ ) لم تشهد (وخاصة المظاهرات) مشاركة نسائية، وتحميل مسؤولية عدم المشاركة للمجتمع السوري غير الدرزي ولقوى الثورة، هذه التلميحات فيها تزوير وبهتان، فالنساء كن يشاركن في الثورة، بكل أوجهها (ومنها المظاهرات)، إنما مشاركة محدودة لأن المشاركة في الثورة عقابها القتل والسحل والاعتقال وكل الانتهاكات الفظيعة التي تأبى نفوس الأحرار أن تتعرض المرأة لها.
ولمزيد من الصدق والإنصاف والدقة، فإن النساء تشارك في حراك السويداء أولاً لأنه لا يوجد قتل ولا ضرب ولا اعتقال ولا خطف في هذا الحراك، وثانياً لأن مجتمع السويداء متسامح نسبياً مع مشاركة المرأة في العمل العام.
والنساء لم تشارك كثيراً في مظاهرات الثورة، أولآً لأن المشاركة في مظاهرات الثورة تعني الموت والإصابات المرعبة والخطف والاعتقال وأهوال الاعتقال، وثانياً لأن بعض (فقط بعض) بيئات الثورة محافظة وغير متسامحة مع مشاركة المرأة في العمل العام.
بالتالي فإنه من التزوير والخسة القول، أو التلميح، أن النساء تشارك في حراك السويداء ولم تشارك في الثورة السورية، فقط بسبب التفاوت في مستوى تطور المجتمع، بين السويداء من جهة، وبين دمشق وحلب وحمص ودرعا وحماة وإدلب وبانياس ودير الزور والرقة والحسكة.. من جهة أخرى.
٢- من المفيد، والصادق، الإشارة إلى سلمية حراك السويداء حتى الآن، ولكن من المعيب ذم الجانب العسكري من الثورة السورية، أولاً لأن أهم ما تفتخر به السويداء في تاريخها كله، هو عمل عسكري (ثورة سلطان باشا الأطرش، وحركة رجال الكرامة) وثانياً لأن الثورة السورية وملايين الضحايا اضطروا للعمل العسكري ولم يختاروه ولم يفضلوه، وثالثاً لأن حراك السويداء ما زال جنيناً ولم يتعرض لامتحانات جدية، وربما يضطر أهل الحراك للدفاع عن أنفسهم (كما قال الشيخ الهجري: نحن مع السلمية، لكن سلاحنا جاهز وتحت الطلب).
حراك السويداء سلمي لأن النظام سمح بذلك، ومظاهرات الثورة السورية كانت سلمية عندما كان النظام يسمح بذلك، ثم عندما كان عدد الضحايا قليلاً ويمكن تحمله، وهي صارت محمية بالسلاح، ثم تعسكرت، عندما صار عدد الضحايا لا يطاق إنسانياً، ويحتاج لردع من يقتلون المتظاهرين.
والعمل العسكري للثورة السورية ليس التسلح العشوائي ولا المتطرف كما يلمح (وأحيانا يصرح) راكبو الحراك، وإنما هو العمل البطولي النبيل الذي قام به جنود الجيش السوري المنشقون برفض تنفيذ أوامر قتل المدنيين، وتحويل فوهات بنادقهم نحو من يأمر بارتكاب هذه الجرائم، أي باتجاه القاتل بدل القتيل.
عندما نقول عمل عسكري نقصد الانشقاق، وليس حمل السلاح العشوائي ولا المتطرف. والانشقاق والانضمام إلى جيش الحرية عمل بطولي، ضروري، ودعمه كان ضرورياً. هو عمل عسكري لا يدينه عاقل، ولا يقف صامتاً أو محايداً أمامه عاقل.
من النذالة وضع المنشقين الذين حموا شعبهم في سلة واحدة مع حمل السلاح الفوضوي والمتطرف والمأجور. هذه أشياء مختلفة عن بعضها جذرياً، وعدم التمييز بينها يعبر عن نية قبيحة جداً. لا يوجد أقبح من عدم التمييز بين تنظيم الدولة والمنشقين، واعتبار الطرفين ثورة مسلحة.
والتظاهر مع ضمانات قاطعة ومؤكدة بأنه لن يترتب عليه قتل ولا ضرب ولا اعتقال ولا فصل من العمل ولا أي ضرر، لا يمكن أن يقارن مع التظاهر مع وجود مخاطر عظيمة تبدأ بالضرب بالرصاص والدبابات أي القتل والإيذاء، ولا تنتهي بالاعتقال وأهواله والتعذيب حتى الموت.
ظالم من يعتبر المشاركة في مظاهرات حراك السويداء بطولة، مثلها مثل المشاركة في مظاهرات الثورة، لأنهما ليسا سواء. أما من يعظمون المشاركة في مظاهرات الحراك ويفضلونها على المشاركة في مظاهرات الثورة (وهم كثيرون) فهم لا يملكون أي قدر من الشرف.
يكذب من يقول أن السلمية تمنع النظام من القتل، وأن التسلح هو الذي يعطي النظام مبرراً للقتل. لأشهر كانت المظاهرات في المدن السنية سلمية، ولم يكن يوجد فيها ولا شخص واحد مسلح، وكان النظام يضربها بالرصاص والدبابات ويقتل كل يوم.
جريمة كبرى يرتكبها من يقدم السلمية على أنها حل سهل ومتاح ومجدي، رفضته الثورة ورفضه الثوار دون أي مبرر.
٣- من الجميل جداً إبراز حكمة وذكاء بعض رجال الدين الدروز، ولكن من اللؤم والبهتان، التلميح إلى أن هذه الصفات حكر على مشايخ السويداء، وأنها مفقودة تماماً بين رجال الدين غير الدروز.. وخاصة المسلمين السنة.
كثيرون جداً رجال الدين غير الدروز الذي فيهم هذه الصفات، صفات أبرزوها قبل حراك السويداء بسنين طويلة، لكنهم الآن إما في القبور (لأن النظام قتلهم) أو في المعتقلات، أو في المهاجر العربية ممنوعون من الكلام، أو هم موجودون أحياء وأحرار ويتكلمون، ولكن قطعاناً من المسيطرين على المشهد الإعلامي والثقافي والحكواتي السوري، تهاجمهم وتحقرهم، وتسفه كل ما يقولون وكل ما يفعلون، أو تضرب ستاراً من التعتيم التام على ما يقولون وما يفعلون.
٤- قد لا يكون من العيب أن حراك السويداء تأخر كثيراً، وأن أحد دوافعه الرئيسية تدهور الوضع المعيشي، لكن تأخر الحراك لا يمكن أن يكون ميزة ولا سبباً للفخر. هو فقط قد لا يكون عيباً.
وكذلك الدافع الاقتصادي، ليس عيباً، ولكنه ليس ميزة وليس مصدراً للفخر كما يحاول مروجو حراك السويداء أن يقنعوا الناس. هذا أمر لا يمكن إقناع الناس به. ولا يجوز إهمال أو تحقير ميزة الانضمام المبكر للثورة، ولا إهمال ولا تحقير الدافع النبيل للثورة.
أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي، ولكنه ليس خير من أن تأتي مبكراً. ليس من البطولة أن تأتي متأخراً. وليس من العيب أن تثور بسبب الجوع وتدهور الخدمات، ولكنك مهما فعلت، لن تصبح مثل من ثار من أجل مبادئ الحرية ودولة القانون والمساواة. وعندما نجمع الأمرين معاً (التبكير والدافع النبيل من جهة، مقابل التأخر والدافع المادي من جهة أخرى) يصبح الفارق عظيماً.
أن تكون ضد النظام، فهذا واجبك، لا تنتظر عليه شكراً، خاصة إذا كنت متأخراً في القيام بواجبك ١٢ سنة طويلة ومريرة.
٥- حراك السويداء يسقط دعاية أن كل الأقليات مع النظام وتحبه، هذا صحيح فعلاً، ولكن تعامل النظام مع الحراك لا يسقط دعاية أن النظام يراعي الأقليات ويعاملها معاملة خاصة مختلفة كلياً عن معاملته للأغلبية العربية السنية.
فتعامل النظام مع حراك السويداء (حتى الآن) هو أسطع وأقوى دليل على أن النظام يعامل الأقليات معاملة خاصة وتمييزية مختلفة جذريا عن تعامله مع الأغلبية. وسبق للنظام أن فعل ذلك مراراً، وخاصة في تعامله مع المكون الكردي بعد الثورة.
النظام يتعامل مع مظاهرات السويداء تعامل السويد أو سويسرا مع المتظاهرين، لا يضربها ولا بحجر، ولا يعتقل أحد (أكدت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة أن النظام لم يعتقل ولا شخص واحد من السويداء بسبب الحراك)، ولا يعيق مظاهرة. حتى في السويد وسويسرا المتظاهرون يحتاجون لموافقة من الشرطة لعمل مظاهرة، وفي السويداء النظام لا يشترط ذلك. (الرصاص الذي أطلق من مقر حزب البعث في السويداء، لم يطلق على مظاهرة، أطلق على أشخاص حاولوا إغلاقه. وهم عادوا بعد يومين وأغلقوه بدون أن يطلق عليهم رصاص)، بينما يتعامل النظام مع مظاهرات درعا ودمشق وحلب وحمص وحماة وإدلب وبانياس ودير الزور والرقة.. بالرصاص والاعتقال والتعذيب حتى الموت، وإذا كانت محمية بمسلحين، فإنه يقصفها بالصواريخ والكيماوي (سلاح دمار شامل) وبراميل المتفجرات والدبابات والطائرات.
حتى الفصائل المسلحة في السويداء، وأهمها فصيل رجال الكرامة (تحمي الحراك، وتهدد النظام، وسبق أن قامت بعمليات خطف لعناصر النظام) لا يعاملها النظام كما يعامل الفصائل السنية. لم يستعمل معها ولا مرة واحدة لا الدبابات ولا المدفعية ولا الطيران ولا الصواريخ ولا أسلحة الدمار الشامل. تماماً مثلما لم يستعمل هذه الأسلحة ضد الفصائل المسلحة الكردية ولا مرة.
النظام الطائفي الأقلوي الأسدي يميز بين السوريين في تعامله معهم. يقول الصحفي الدرزي ماهر شرف الدين: “لو كانت السويداء سنية وتظاهرت كانت أبيدت”. كل وسائل الإعلام الجدية في العالم تلاحظ هذا التمييز الكبير وتسأل عن سببه. ومن المعيب منع السوريين من طرح هذه المسألة الجوهرية الكبيرة.
هناك تمييز كبير جداً في تعامل النظام مع مظاهرات الدروز، وتعامله مع مظاهرات السنة، الأولى لا يرميها ولا بوردة، والثانية يبيدها. ولا يهم سبب التمييز، المهم أنه يوجد تمييز. وإذا عرفنا سبب التمييز فهذا لا يعني أنه لا يوجد تمييز، أو أن التمييز مبرر.
لا أهمية لسبب عدم ضرب النظام لمتظاهري حراك السويداء (قد يكون استهتاراً بالحراك، قد يكون خوفاً من رد فعل إسرائيل أو أمريكا أو روسيا أو العالم، قد يكون النظام يحضر لشيئ يقضي على الحراك، قد تكون جهة أخرى غير النظام هي التي تدير ملف السويداء، قد يكون لإثبات أن النظام راعي الأقليات..) المهم أنه لا يمس المتظاهرين في السويداء، ويقتل المتظاهرين في درعا والغوطة وحمص وحلب وإدلب ودير الزور.. بمئات الألوف.
هناك من يعطي سبب للتمييز (وفي الحقيقة لا أحد يعرف بصورة قاطعة سبب التمييز) ويتصرف بعدها على أساس أنه لا يوجد تمييز، لأنه وجد (بزعمه) سبب التمييز. وهذا جنون وخبل. أن تعرف سبب السلوك فهذا لا يبرر السلوك أبداً، ولا يلغيه، ولا يمحو النتيحة. النتيجة هي أنه يوجد تمييز هائل، ولا يهم السبب.
إذا كان النظام لا يمس الحراك بسبب خوفه من إسرائيل، فهذا لا يعني أنه لا يميز في التعامل مع المكونات، بل يعني أنه يميز.
أما ما يشاع عن أن النظام لم يمس حراك السويداء خوفاً من أهلها الأبطال، فهلوسات وجنون. فعدم استخدام السلاح هو موقف من النظام، لأسباب تخص النظام، ولا يجب أن يقدم على أنه بطولة خارقة وفضل لا مثيل له لأهل السويداء، وذكاء خارق وشجاعة لم يصل لها أهل الثورة، لأن هذا يعني أن المليون شهيد وال١٢ مليون مشرد كانوا مجرد جبناء وأغبياء هم وثورتهم، ماتوا وعذبوا مجاناً، عبثاً، بدون أي مبرر، وأكأنهم انتحروا. وهذا كله افتراء وغير صحيح.
٦- مميزات وفوائد حراك السويداء مهمة جداً :
أ- الرد على دعاية أن الشعب السوري مات، وقبل بقاء النظام، وما عاد عنده قدرة على الحركة (خلصت). حراك السويداء هو أحد الأدلة المدوية إعلامياً، على أنها “ما خلصت”.
ب- الرد على المطبعين مع النظام (دولاً ومنظمات وأشخاص) الذين دعايتهم ومواقفهم قائمة على أن الأمور في سورية انتهت واستقرت كليا، ولصالح النظام، وأن لا أحد في سورية يشكك في شرعية بشار.
ج- الحراك مفيد لأن مكوناً كان محسوباً على النظام (أو على الأقل على الحياد)، صار نسبياً ضد النظام. وهذا أمر هام، لأنه يعني أن مكونات أخرى محسوبة على النظام، أو تقف على الحياد، يمكن بأي لحظة أن تنقلب عليه. وإذا حصل هذا فإنه سيجعل معارضة النظام موقفاً وطنياً لكل السوريين، أو غالبيتهم الساحقة، أو غالبية مكوناتهم، وليس انشقاق مكون واحد أو طائفة واحدة عن النظام.
فكرة أن الثورة بلون واحد ونتيجة انشقاق مكون واحد، كانت شائعة عند كثيرين في العالم وفي سورية، وخاصة في الطائفة الدرزية. يقول الصحفي الدرزي ماهر شرف الدين : “رجال الدين الدروز (ويستدرك ويقول: لنقل غالبيتهم) يعتقدون أن الثورة السورية شر يجب تجنبه، وأن الثورة صراع بين طائفتين (العلوية والسنية) يجب أن يبتعد الدروز عنه كلياً”.
هذه المميزات والفوائد الهامة للحراك، لا تعني كما يتوهم مروجو حراك السويداء من أن النظام سيسقط غداً. فبين الحراك وبين إسقاط النظام خطوات كثيرة منها أولاً تعميقه في السويداء ليصبح محل إجماع أهل السويداء، وثانياً الامتداد وتقديم المثال والنموذج لمناطق أخرى في سورية. وكلا الأمرين لم يحصل بعد.
أولاً – عدد المتظاهرين قليل بالنسبة لحراك سلمي معدوم المخاطر. إنهم بحسب صحيفة لوموند الفرنسية حوالي ألفي متظاهر من محافظة السويداء كلها، في مظاهرة يوم الجمعة التي تجمع الحد الأقصى من المتظاهرين. أي أقل بكثير من ١٪ من سكان المحافظة، بالمقابل عندما سمح لأهل حماة بالتظاهر عام ٢٠١١تظاهر ٦٠٠ألف شخص، أي أكثر من ٥٠ ٪ من سكان المدينة، ولو سمح لأهل دمشق وحلب بالتظاهر السلمي مضمون السلامة، لربما رأينا مليوناً أو أكثر في شوارع كل مدينة منهما.
عدد المتظاهرين في حراك السويداء مقبول بالنسبة لمظاهرات تنتظرها الرشاشات والدبابات والموت والسحق والسحل والاعتقال المرعب، وهو قليل جداً بالنسبة لحراك سلمي مضمون السلامة. وهذا يعني أن هناك عملاً كبيراً أمام الحراك في السويداء نفسها.
ثانياً- حراك السويداء لم يمتد إلى أي محافظة سورية محتلة من قبل النظام وروسيا وإيران، ولم يصبح مثالاً يحتذى لأقليات أخرى (المسيحيون والعلويون).
لا يوجد حراك في الساحل (اللاذقية وطرطوس)، ولا في دمشق، ولا حلب، ولا حمص ولا حماة.. حتى مظاهرات التأييد لحراك السويداء في سورية (حصلت في درعا والمحرر من حلب وإدلب) تراجعت أو توقفت.
لم يمتد حراك السويداء لمناطق أخرى لأسباب كثيرة (منها عدم الثقة بأن النظام سيعامل المناطق الأخرى باللطف والتسامح واللين الذي يعامل به السويداء، ومنها عدم الثقة أصلاً بجدوى الحراك السلمي بمواجهة نظام متوحش وجيوش أجنبية تدعمه..) لكن بالتأكيد ليس من بين أسباب عدم انتشار حراك السويداء لمناطق أخرى أن أهل سورية أقل شجاعة وبطولة وذكاء ووطنية من أهل السويداء، كما يحاول أن يوهمنا أبواق الحراك.
ومظاهرات ومظاهر تأييد الحراك في درعا والمحرر تراجعت أو توقفت لأسباب كثيرة قد يكون من بينها سلوك المروجين للحراك.
لاشك أن حراك السويداء هو ضد النظام، ولكن أن تكون ضد النظام شيء، وأن تكون مع الثورة شيء آخر. هناك جهات كثيرة ضد النظام وليست مع الثورة (حزب البيدة الكردي مثلاً)، لا بل إن بعضها عدو لدود للثورة (تنظيم الدولة مثلاً). وكثير من السوريين يسألون: حراك السويداء ضد النظام، ولكن هل هو مع الثورة؟ هناك أسئلة حول الحراك ومن حق السوريين طرحها، والحصول على إجابات واضحة عليها.
٧- حراك السويداء بسلبياته وإيجابيته، مازال حدثاً لم يكتمل، والحديث عنه بعبارات نهائية ومطلقة، خطأ جسيم، وقد يقع فاعله (مثل مروجي الحراك) بحرج كبير قريباً.
فالحراك سلمي حتى الآن، وهو قد ينقلب مسلحاً في أي لحظة. والنظام يسمح بالحراك حتى الآن، وهو قد يغير موقفه في أي لحظة. والساحل ودمشق وحلب وحماة وحمص لم تنضم للحراك حتى الآن، وربما تغير موقفها بأي لحظة. والحراك لا يريد الانفصال، لكنه قد يؤدي للانفصال أو شبه الانفصال (كما حصل في شمال شرق سورية) بأي لحظة. والحراك لم يطلب تدخلاً أجنبياً، لكنه قد يستجر تدخلاً أجنبياً خطيراً يضاف لما هو موجود في ٤ جهات سورية.
إنه حراك مفتوح على كل الاحتمالات، بما فيها الاحتمالات الأكثر سلبية.
٨- من حق أهل حراك السويداء أن يطلبوا من أبناء المحافظات السورية الانضمام إليهم، ومن مصلحة الحراك والثورة وسورية توسع الحراك، لكن على مروجي الحراك تجنب العبارات القاسية والمتعالية والمهينة لمن لم يستجب، فأبناء المحافظات الثائرة (وخاصة القريبة من السويداء: درعا وغوطة دمشق) ظلت تطلب من أهل السويداء الانضمام لها طوال ١٢ عام، ولم تلق استجابة، في وقت كانت فيه هذه المحافظات تتعرض لجرائم إبادة جماعية.
كتب أحد المروجين لحراك السويداء في هذا الصدد: “دمشق الصامتة الذليلة، لا يحق لها أن تكون عاصمة سوريا، عاصمة سوريا اليوم هي السويداء”. وكتب مروج آخر: “ إلى كل الصامتين والرماديين.. لا تجعلوا السويداء وحيدة، والحراك يتيماً، اقفزوا من سفينة الذل والعار والحقوا بقطار الحرية”.
دور الاستاذ، ومعلم الثورات، غير لائق أبداً لمروجي حراك السويداء، وهو لا يصمد أمام أقل تذكير بما فعل الثوار وشعب الثورة طوال ١٢ عام.
٩- يقدم المروجون، حراك السويداء، على أنه إدانة للثورة، واعتذار عنها، ونقيض لها، و تصحيح لها، وإدانة لمجتمع الثورة، مع تلميحات أن مجتمع الثورة عنيف، دموي ومتخلف، يستحق ما حل به، أو على الأقل هو المسؤول الأول عما حل به، وفي الحد الأدنى الأدنى هو مشارك في المسؤولية عما حل به.
بالعامية يقدمون حراك السويداء على أنه “الثورة المظبوطة” (الثورة المثالية)، فيما الثورة السورية (٢٠١١-٢٠٢٣) هي الثورة الغلط، أو المشوهة، أو المنحرفة.. المعسكرة والمتأسلمة..
يقدم هؤلاء “السلمية” وكأنها خيار سهل ومتاح ومجدي، رفضته الثورة ورفضه الثوار دون أي مبرر، ولم يرفضه حراك السويداء لأنه ذكي ومتحضر. وكأن ضحايا الثورة (مليون شهيد، وملايين المشردين) ذهبوا نتيجة غبائهم وتخلفهم وخياراتهم غير المعقولة. أي لأنهم اختاروا العسكرة بينما كان طريق السلمية مفتوح أمامهم. وهذه كلها أوهام وافتراءات ومؤشر خلل في الوجدان.
كأن مروجي حراك السويداء يحملون الثوار ومجتمع الثورة السورية مسؤولية قتل النظام لهم. وهذه من أفظع التهم والمواقف المخجلة.
الثورة والثوار لم يرفضوا السلمية، وإنما تمسكوا بها طويلاً (٧ أشهر حسب اعتراف السفاح بشار نفسه)، وظلوا متمسكين بها حتى بعد أن بدأ قتل المتظاهرين. لم يحمل الثوار السلاح إلا بعد أن وصل عدد الضحايا إلى مستوى لا يحتلمه البشر. ولو كان النظام يتصرف مع مظاهرات الثورة كما يتصرف الآن مع مظاهرات الحراك، ربما كانت الثورة استمرت سلمية حتى اليوم.
السلمية في حراك السويداء هي نتيجة خيار المتظاهرين، وهي قبل ذلك نتيجة عدم استخدام النظام للسلاح. السلمية لا يقررها طرف واحد، والنظام اختار السلاح ضد الثورة، واختار السلمية (حتى الآن) بمواجهة الحراك. وسيجد أهل الحراك أنفسهم أمام أسئلة شديدة الصعوبة، إذا اختار النظام السلاح، خاصة وأنهم مجتمع قليل العدد، عدده كله أقل من عدد شهداء الثورة.
مروجو حراك السويداء يقترحون علينا قص لحم وعظام أقدامنا لتصبح على مقاس الأحذية الجاهزة التي يقترحونها علينا. إنهم يحاولون قسر الواقع ليصبح بمقاس نظرياتهم وفلسفاتهم وأفكارهم وأحلامهم. الثورة المثالية في نظرهم هي ثورة سلمية، علمانية، بمشاركة نسائية واسعة، تسقط أبشع الأنظمة والاحتلالات الأجنبية بيافطات وأشعار وشعارات ورقصات، ولا يملكون جواباً لأهم سؤال : ماذا لو قتل النظام المتظاهرين السلميين بأعداد كبيرة ؟ وماذا لو لم يسقط النظام بالمظاهرات السلمية ؟ ما العمل حينها ؟
١٠- قد يكون من المصلحة عدم انتقاد حراك السويداء الآن، ولكن هل تذكرون كم انتقدت الثورة وجلد الثوار، وحقر مجتمع الثورة، وهو يتعرض للإبادة الجماعية ؟ هل تذكرون حجم الشماتة بضحايا الثورة ؟
قد يكون من المقبول هذه السهولة والخفة في تبرير كل شيء لحراك السويداء (تبرير رفع علم طائفي، وتبرير منع أو تهميش رفع الأعلام الوطنية، وتبرير قيادة رجال دين لحراك اجتماعي، وتبرير الغياب التام للشخصيات العلمية والسياسية والاجتماعية، وتبرير تأخر الحراك ١٢ عاماً عن ثورة كل السوريين..) لكن من غير المقبول عدم تبرير نفس هذه الأفعال إذا قام بها آخرون في الماضي وفي الحاضر.
من غير المقبول مطلقاً أن يكون فعل ما مبرراً إذا حصل في السويداء، وغير مبرر إذا حصل في مكان آخر من سورية.
هذه نصائح ليست لحراك السويداء، وإنما للمروجين له كأنه سلعة، والمتسلقين عليه، ومن يتعاملون معه كفرصة لتصفية الحسابات الأيديولوجية والطاُئفية والانتقام لنظرياتهم وتنظيراتهم وفلسفاتهم السياسية والحزبية والعقائدية التي فشلت فشلاً ذريعاً طوال ١٢ سنة ثورة.
غالبية الثوار السوريين رحبت بحراك السويداء أشد الترحيب، ودعمته، وكانت مستعدة للمزيد، لأن في الحراك، وفي استمراره، وفي انتشاره، مصلحة وطنية عليا لكل السوريين، لكن الحماس فتر، والتظاهرات الداعمة تراجعت بدل أن تزداد، للأسباب المذكورة سابقاً، والتي لا علاقة لها بالحراك، إنما لها علاقة بمن يتحدث باسمه، فاسكتوهم إن استطعتم، لأنهم يلحقون الضرر بسورية كلها، وبالحراك وبالثورة.
Be the first to write a comment.