شهدت مناطق شمال وشرق سوريا حالة قلق وترقب واستياء في أوساط المزارعين في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، حيث احتج عشرات المزارعين والفلاحين على تسعيرة شراء القمح الذي حددته الإدارة الذاتية.
وحسب شبكات إخبارية محلية فقد شملت الاحتجاجات والمظاهرات، مناطق عدة في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة، ففي الرقة نظم الفلاحون، الإثنين الفائت، وقفة احتجاجية أمام المجلس التنفيذي التابع للإدارة الذاتية، كما تظاهر مزارعون بالقرب من حاجز الفروسية ودوار النعيم وعلى مدخل الرقة الغربي، كما امتدت الاحتجاجات إلى مدينتي الطبقة والمنصورة بريف المحافظة الغربي، وأظهرت مقاطع فيديو بثها ناشطون من الرقة لحريق في أحد الحقول قالوا إن صاحب المحصول أحرقه احتجاجًا على السعر الجديد ورفضه للبيع بتسعيرة الإدارة الذاتية. وفي دير الزور دعا مزارعو القمح لمظاهرات ضد قرار الإدارة الذاتية بريف الدير الغربي والشمالي. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بخروج الفلاحين في الدرباسية وعامودا رفضًا للتسعيرة الجديدة للقمح، وحمل المتظاهرون لافتات تعبر عن استيائهم من القرار ورفضهم لبيع القمح بالسعر المحدد من قبل «قسد» ومن لافتات المزارعين المحتجين «سقينا حنطتنا بدمنا، وما نبيعها ببلاش» كما طالبت لافتة أخرى مظلوم عبدي القائد العسكري لقسد بالانتباه لقرارات بعض المفسدين وتأثيرها على ما وصفته اللافتة بـ «شعب روج آفا».
وكانت الإدارة الذاتية قد حددت مطلع الأسبوع الفائت سعر شراءها للقمح بـ 310 دولارات أمريكية للطن الواحد من القمح، ما تسبب في صدمة للمزارعين، وخاصة بعد تأجيل إعلان التسعيرة الجديدة لأكثر من مرة، ولصدور التسعيرة أقل من العام الماضي، حيث كانت 420 دولارا للطن الواحد.
وحددت هيئة الزراعة والري التابعة للإدارة الذاتية الأحد، تسعيرة بيع القمح بـ 31 سنتا للكيلو ويخضع لنظام الدرجات العددية، بعد اجتماع بين الهيئة الرئاسية للمجلس التنفيذي وهيئة الزراعة والري شمال وشرق سوريا، والاجتماع المنعقد بين الهيئة الرئاسية للمجلس التنفيذي، ومنسقية اتحاد الفلاحين، وبعد أكثر من شهر على تحديد حكومة نظام الأسد لسعر شراء القمح في مناطق سيطرتها بـ 5500 ليرة سورية للكيلو غرام (يعادل 36 سنتا من الدولار الأمريكي) للكيلو، وفي توقيت سابق لإعلان الإدارة الذاتية للتسعيرة الجديدة للقمح، أعلن فرع مؤسسة الحبوب التابع لحكومة النظام في القامشلي عن افتتاح ثلاثة مراكز لشراء واستلام القمح من المزارعين، واصفًا عملية الاستلام بالميسرة، وأضاف إعلان فرع مؤسسة الحبوب عن مساحة الأراضي المزروعة في محافظة الحسكة بـ 820 ألف هكتار، ويأتي السعر الجديد المحدد من قبل حكومة النظام أعلى من سعرها في العام الماضي بما يقارب 1320 ليرة سورية، ما يشير إلى رغبة النظام بالمضاربة على الإدارة الذاتية واستمالة الفلاحين في مناطق شمال شرق سوريا من أجل بيعهم محصولهم وسعياً من قبل النظام لتخزين أكبر كمية ممكنة من القمح وتفادي نفاد القمح المخزن في صوامعه. وعقدت حكومة النظام في شباط (فبراير) الماضي اجتماعًا خاصًا ومصغرًا لوضع سياسة واستراتيجية لسلسلة توريد القمح لصوامعها. تحركات النظام ردت عليها «قسد» بمنع المزارعين من بيع المحاصيل لمؤسسة حبوب النظام باستثناء بعض القرى جنوب القامشلي ومدينة الحسكة.
إلى ذلك، جاءت تسعيرة بيع القمح الصادمة للمزارعين بعد أيام قليلة على «ملتقى الوحدة الوطنية للعشائر والمكونات السورية» الذي نظمته الإدارة الذاتية في الحسكة، حيث تناول مسألة القمح، وسياسات الإدارة الذاتية تجاهه، مع التأكيد على ضرورة أن تكون التسعيرة الجديدة التي ستطرحها الإدارة الذاتية مرضية للفلاحين، إلا أن قرار التسعير الجديد الذي أعلنته هيئة الزراعة والري جاء صادمًا ومخالفًا للتوقعات، ولم يلب تطلعات فئة كبيرة من السكان الذين يعتمدون على زراعة القمح كمورد رئيسي لهم.
بدورها ردت هيئة الزراعة والري التابعة للإدارة الذاتية، على احتجاجات الفلاحين ومزارعي القمح ببيان، أكدت من خلاله على أن سعر شراء القمح بتسعير 31 سنتا للكيلو الواحد هو سعر ثابت لا يمكن ان يتغير، مشيرة إلى أن تكلفة الكيلو غرام الواحد من سعر القمح هي 29 سنتا، ووضعت مجالا ربحيا للفلاحين 2 سنت بالتسعيرة الجديدة، كما أشارت الهيئة عن أنها بدأت استلام أولى دفعات القمح، بعد تجهيزها لصوامع «إقليم شمال وشرق سوريا» بالإضافة لإنشائها ساحات استلام قمح محصول 2024. ولفتت هيئة الزراعة والري إلى أن الطاقة الاستيعابية لصوامع الحبوب المجهزة والواقعة ضمن مناطق سيطرة الإدارة الذاتية بلغت 500 ألف طن، والطاقة الاستيعابية للساحات المجهزة لتخزين القمح ما يقارب مليون طن من القمح، وأكد بيان الهيئة على أن التسعيرة قد لا تناسب معايير التكلفة والربح إلا أن قرارها سليم وفي الاتجاه السليم، ملقية اللوم على ما وصفته بـ «الاعتداءات التركية» على البنية التحتية في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية التي لم تعد قادرة على منح هامش كبير من الربح للمزارعين، وختم البيان بتأكيد الهيئة على التزامها بشراء القمح بالسعر المحدد من المزارعين وعدم تركهم لما وصفه بيانها بـ «استغلال التجار».
في المقابل، علق الوجيه الاجتماعي وأحد كبار المزارعين في عامودا، حسين شحادة أبو ابراهيم على التسعيرة معتبرا أنها مجحفة للغاية مقارنة بالسنتين السابقتين، حيث كانت تسعيرة كيلو القمح عام 2022، 55 سنتا وفي 2023 انخفضت إلى 43 سنتا للكيلو لتصل هذا العام لـ 31 سنتا، وحول الكلفة التي تحدثت عنها الهيئة أشار شحادة في اتصال مع «القدس العربي» إلى أن «كلفة الزراعة أكثر من ذلك بكثير إذ لم يحصل الفلاحون على الدعم بمادة المازوت للسقاية سوى مرة واحدة ـ فأغلب المزارعين وأنا منهم اشتروا المازوت الحر والسماد الحرـ إضافة إلى صيانة الآليات» وشدد على ان «السعر الملزم هو للنوع الأولي وبسبب سوء المحصول وقلة السقاية والرعاية فأغلب الناتج لهذا الموسم لن يتم حسابه كنوع أول وهذا يعني البيع بخسارة».
وختم شحادة أن الإدارة «اشترطت تسليم القمح بأكياس الخيش غير المرتجعة ما يعني زيادة بالكلفة بسبب سعر الكيس وكلفة النقل ايضا»، وذلك بخلاف السنوات السابقة حيث كان التسليم دوغما بسيارات الشحن ـ
واجهت «قسد» اتهامات سابقة ببيع القمح الى النظام السوري عبر رجل الحرب وقائد أحد الميليشيات « القاطرجي»، خصوصا بعد اعلان الإدارة الذاتية عن شراء نحو مليون طن من القمح العام الفائت لم تصرح عما بقي منها في المخزون الاستراتيجي او حول بيعها للنظام بشكل علني. وبسبب غلاء اسعار القمح في العراق يشير الكثير من المراقبين الى امكانية بيع القمح للتجار في العراق حيث ارتفع سعر الطن الواضح الى نحو 650 دولار أمريكي وهو ما يزيد عن ضعفي السعر في مناطق شرق سوريا.
تراجع سياسات دعم المزارعين في شرق الفرات سيؤدي بالضرورة الى تراجع زراعة القمح في الجزيرة السورية التي توصف بسلة سوريا الغذائية والتوجه إلى محاصيل بعلية لا تعتمد على السقاية، وهذا ما سيهدد الأمن الغذائي في سوريا عموما.
القدس العربي
Be the first to write a comment.