في مثل هذا اليوم قبل 18 سنة، قتل النظام ألأسدي المجرم، الصحفي والكاتب والمفكر السوري اللبناني الفلسطيني سمير قصير، أحد أشجع الرجال الذين تحدوا نظام الأسد في أوقات عز فيها الرجال الذين يتحدون الطاغية الأب والطاغية الصغير .

ولد سمير قصير في بيروت عام 1960 من أب فلسطيني مسيحي وأم سورية مسيحية. نشأ في الأشرفية شرقي بيروت ودرس في مدرسة “الليسيه الفرنسية”، قبل أن ينتقل إلى باريس عام 1981، أي بعد ست سنوات من اندلاع الحرب اللبنانية، ليتابع دراسته الجامعية، فيحصل عام 1984 على دبلوم دراسات الفلسفة السياسية ثم عام 1990 على دكتوراه في التاريخ المعاصر.

كتب سمير لصحيفتي “الحياة” اللندنية و”اللوريان لوجور” البيروتية. كما كتب في “لوموند دبلوماتيك” الفرنسية الرصينة، والتزم بالمساهمة الدورية في أسبوعية “اليوم السابع” وفي النسخة الفرنسية “لمجلة الدراسات الفلسطينية”.

في العام 1992، تشارك سمير قصير مع المؤرّخ السوري فاروق مردم بك في كتابة “مسارات من باريس الى القدس.. فرنسا والصراع العربي الاسرائيلي” وبعد صدور الكتاب بسنة، عاد سمير إلى بيروت ليدرّس في دائرة العلوم السياسية في “جامعة القديس يوسف”، ولينضم إلى مؤسسة “النهار”، مديراً لدار نشرها، وكاتباً في يوميتها.
في العام 1994، نشر سمير كتابه “الحرب اللبنانية: من الانقسام الأهلي إلى الصراع الإقليمي” وبعد عام أطلق مجلة “لوريان أكسبرس” التي تحوّلت سريعاً إلى أبرز دورية ثقافية لبنانية. وأسس في نفس المرحلة دار “الليالي”، ناشراً فيها عدداً من الكتب الجامعة.

صحافياً، شكّلت مقالات سمير قصير في جريدة “النهار” في نهاية التسعينات ومطلع الألفية الثانية أبرز ما كُتب في مواجهة هيمنة النظام السوري على لبنان، وحكم الرئيس إميل لحود وأجهزته الأمنية. وقد دفع الأمر اللواء جميل السيد، مدير عام الأمن العام يومها والرجل الأول في التركيبة الأمنية، إلى تهديده هاتفياً ثم إرسال سيارات تطارده وصولاً الى مصادرة جواز سفره في مطار بيروت الدولي في نيسان-أبريل عام 2001 قبل إعادته إليه عقب حملة استنكارات سياسية وثقافية.

في العام 2003 نشر سمير كتابه “تاريخ بيروت” وأتبعه بكتابين صدرا عام 2004، “ديمقراطية سوريا واستقلال لبنان” و”عسكر على مين” وفيهما مجموعة من مقالاته المنشورة في “النهار” والمركّزة على الترابط بين قضية التغيير الديمقراطي في سوريا والاستقلال في لبنان من جهة وعلى التنافر بين قضايا الحرية وقيم الجمهورية وسلطة العسكر من جهة ثانية.

ثم نشر قصير “تأملات في شقاء العرب” وفيه تحليل مكثّف لأسباب إجهاض النهضة العربية، ورفض لمنطق التأريخ التبسيطي الحاكم على العرب بالانحطاط وأن شقاءهم الحالي هو نتاج جغرافيتهم أكثر منه نتاج تاريخهم.

شارك سمير قصير إبتداء من العام 2003 في تأسيس “حركة اليسار الديمقراطي”. وساهمت كتاباته في توجيه أدبيات الحركة السياسية ومواقفها لجهة الدعوة إلى استقلال لبنان عن هيمنة النظام السوري، وإلى التغيير السلمي والعدالة الاجتماعية وبناء دولة الحق والقانون.

وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري 2005 شارك سمير بفاعلية في إطلاق الانتفاضة الشعبية في وجه الهيمنة المخابراتية السورية على لبنان، وكان له الفضل الأبرز في تسميتها ب”انتفاضة الاستقلال” تأكيداً على طابعها الوطني الاستقلالي، وإشارة إلى الانتفاضة الفلسطينية في وجه الاحتلال الاسرائيلي. وصارت مقالاته في “النهار” صوت الانتفاضة، وزاد عليها حضوره الدائم في ساحة الشهداء في بيروت يناقش مع السياسيين والإعلاميين والطلاب المتظاهرين أفكاراً واقتراحات لتطوير الأداء والانتصار في معركة استعادة السيادة والحرية.

ولعل قصير كان أول من تنبّه الى أن بقاء الانتفاضة “من دون برنامج سياسي لحقبة ما بعد الانسحاب السوري يصلح النظام اللبناني ويعدّل التوجّهات الاقتصادية ويطرح مسألة تخطّي الطائفية ويؤمّن المصالحة الوطنية الحقيقية” سيعرّضها سريعاً للانتكاس. كما أنه كان أوّل من دعا إلى انتفاضة داخل تلك الانتفاضة تعيد إلى الشارع وهجه وإلى السياسة معناها النبيل وإلى المواقف وضوحها.

تمسّك سمير برفض جميع مظاهر العنصرية المتسرّبة إلى اللبنانيين تجاه السوريين عموماً، وطالبهم أكثر من مرة في مقالات ومن على منبر ساحة الشهداء بالتمييز الدائم بين النظام السوري ومخابراته القابضة على سوريا ولبنان، وبين الشعب السوري بعماله ومثقفيه.