يبدو أن القاسم المشترك الوحيد بين عمليتي اغتيال القائد العسكري البارز وربما الأول في “حزب الله” اللبناني فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي لـ”حركة حماس” إسماعيل هنية هو أنهما كانا عضوين بارزين في “محور المقاومة” الإيراني. لكن قتل الثاني كان أكثر إثارة للدهشة لسببين. الأول أنه كان محاوراً رئيسياً لقطر في المحادثات الجارية لإطلاق سراح أسرى إسرائيل لدى “حماس” منذ عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر الماضي. والثاني وجوده في إيران في ذلك الوقت، علماً بأن إسرائيل لم تعترف بعد بمسؤوليتها عن قتله، لكن طبيعة العملية وهوية الهدف كانتا إشارتين في اتجاهها. وعلماً أيضاً بأن اغتياله في إيران، بعد ساعات من لقائه المرشد والوليّ الفقيه فيها علي خامنئي، يعتبره الكثيرون في العالم وعن حق إهانةً لها وله.

طبيعي أن يتسبّب ذلك بممارسة ضغوط كبيرة على النظام الإسلامي فيها للانتقام بطريقة أو بأخرى. أما اغتيال فؤاد شكر فكان مفهوماً وربما مبرراً داخل إسرائيل نظراً الى خلفيته العملياتية والعسكرية والى استهداف إسرائيل المستمر منذ دخول “حزب الله” حرب إسناد لـ”حماس” في غزة لشخصيات مماثلة في “الحزب”. طبعاً لا يعني ذلك في إسرائيل وربما في الدول الحليفة لها أن هنية لا يتحمّل مسؤولية ما ارتكبته “حماس” في غلاف إسرائيل الجنوبي من “فظائع” في نظر الإسرائيليين وحلفائهم في العالم لكونه أحد أبرز قادتها السياسيين. لكن السؤال الذي يُطرح هنا هو أنه كان كثير السفر والتنقّل وكان يمكن استهدافه في أمكنة عدة، فلماذا قُتل الآن في طهران بالذات؟

ربما يكون جواب إسرائيل عن سؤال كالمطروح أعلاه أنها أرادت ترسيخ صورة ما تستطيع فعله بأعدائها بعدما أدّى عجزها عن تحقيق هدف حربها على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، وهو القضاء على “حماس” والانتقام من “حزب الله” لمساندته إياها في حربها، الى تراجع صورة قوتها العسكرية في الشرق الأوسط.

هل تجري الحسابات وفقاً لتقديرات إيران؟ بصرف النظر عن رغبة إسرائيل في إعادة ترسيخ قوة الردع لديها لا يزال يتعيّن على قادتها كما على واشنطن التفكير في الطريقة التي يُرجّح أن تردّ بها إيران و”حزب الله”. هذا ما يعتقده دينيس روس السفير والمساعد الخاص للرئيس السابق باراك أوباما وديفيد ماكوفسكي ونعومي نيومن والدكتور فرزين نديمي، وكلهم باحثون الآن في الـ”واشنطن إنستيتيوت” وهو مركز أبحاث أميركي مهم. ربما يدفع ذلك إيران و”الحزب” الى البحث الجدّي في إنشاء “طوقٍ من النار” حول إسرائيل.

لكن حتى لو قرّرا أن يكونا أكثر حذراً على المدى الطويل فمن المرجّح أن ينفّذا رداً على المدى القريب الأمر الذي يزيد خطر حصول المزيد من سوء التقدير. فبالنسبة الى إيران يحتاج قتل هنية الى ردٍّ شافٍ لكونه حصل في طهران، ولأنه يعني ضمناً أنها لا تستطيع حماية ضيوفها.

لكنه ربما يدفع “الحزب” ومحور حلفاء إيران في المنطقة الى التجاوب مع دعوة طهران منذ مدة طويلة الى إنشاء “طوق نار” حول إسرائيل. لكن حتى لو قرّرت إيران و”الحزب” أن يكونا أكثر حذراً على المدى الطويل فإن ردّهما على إسرائيل على المدى القريب سيكون مرجّحاً، ومن شأن ذلك زيادة خطر حدوث المزيد من سوء التقدير.

في اختصار، يحتاج مقتل هنية الى ردّ لحصوله في طهران لإزالة الانطباع بأنها والنظام الإيراني عاجزان عن حماية ضيوفهما. أما مقتل فؤاد شكر فلا يعدّ إذلالاً لحزبه بمقدار ما هو تذكير له بنقاط ضعف مرجّحة لديه. ويرجّح أنه سيبحث مثل حليفته إيران باهتمام شديد عن التسريبات والجواسيس في أجهزته الإستخبارية والأمنية في الأيام المقبلة. لكنه سيرغب حتماً في تدفيع إسرائيل ثمناً كبيراً، عاجلاً أو آجلاً. ولا يبدو أن طهران ووكيلها الرئيسي يريدان حرباً مع إسرائيل لكن من الضروري لهما أن يتجنّبا الظهور بمظهر الضعف.

ما نوع الانتقام الذي يفكّر فيه الحليفان المذكوران؟ يبدو أنه ليست لديهما القدرة على تنفيذ هجمات دقيقة ومماثلة على شخصيات إسرائيلية رفيعة المستوى. لكن يمكنهما مهاجمة إسرائيل بوابل من الصواريخ والقذائف. ويرجّح أن تقوم إيران بتنسيق وابل من الهجمات المتزامنة من جانب “حزب الله” والحوثيين في اليمن والميليشيات التابعة لها في العراق آملةً أن يبلغ بعض الذخائر الهدف المنشود أو على الأقل أن يستنفد مخزونات الدفاع الجوي الإسرائيلي.

علماً بأن النظام الإيراني قد يقرّر، بعد فشل هجومه المباشر على إسرائيل في 13 نيسان الماضي في ردع الهجمات على الداخل الإيراني، مرةً أخرى تنفيذ ضربات لها من أراضيه. وهجوم نيسان الماضي اقتصر على جولة واحدة من ضرب إسرائيل بصواريخ باليستية وكروز، لذا من المرجّح أن يفكّر في تنفيذ جولات ضرب صاروخية عدّة لإسرائيل. الهدف من ذلك إثبات أن إيران قرّرت التصعيد.

النقطة هنا هي أن على إسرائيل وحلفائها أن يأخذوا في الاعتبار مجموعة خيارات كاملة قد تفكّر إيران في اعتمادها منها دفع طهران “حزب الله” الى مهاجمة مجموعة أكبر من الأهداف داخل إسرائيل ولا سيما بعد قتل فؤاد شكر. لكن هذه المرة قد يحاول “محور المقاومة” الذي تقوده إيران إثبات مستوى أكبر من الفاعلية والتنسيق.

النهار العربي