بفارغ الصبر ينتظر السوريون، والمتابعون للشأن السوري، نتائج أول انتخابات حرة في سورية، ليعرفوا ما هي الصورة الحقيقية لهذا البلد، وهذا المجتمع، الذي قيل عن تعقده وتفتته وانكساراته الكثير.

وبما أنه توجد استحالة مطلقة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وتعددية وشاملة في سورية الخارجة لتوها من الجحيم، إلا بعد ٤ سنوات على الأقل، فإن أقرب ما يرسم صورة تقريبية لمجتمع ما، هي استطلاعات الرأي، المجراة من قبل مؤسسات تتبع أساليب علمية في استقصاء توجهات الرأي العام.

ولهذا نال استطلاع الرأي بين السوريين الذي أجرته هذا الأسبوع مجلة الإيكونوميست البريطانية الرصينة، اهتماما كبيرا، إعلاميا، ورسميا، وشعبيا. فهو يشكل أول استطلاع جدي لرأي السوريين منذ تحررهم من سجن النظام الطائفي الإبادي السابق الذي دام ٥٤ عاماً.

نتائج استطلاع الرأي كانت صاعقة لمن كان يبني رأيه عن سورية الجديدة من وسائل الإعلام، وصفحات التواصل الاجتماعي، وبيانات ومواقف المثقفين، والأحزاب، والتنظيمات المقنعة بشكل منظمات حقوق إنسان، يؤكد استطلاع الايكونوميست من خلال عينات المستطلعين أن :

٨١ ٪ من السوريين السنة يؤيدون حكم الرئيس أحمد الشرع
٥٥ ٪ من المسيحيين والدروز يؤيدون حكم الرئيس الشرع

٨٠٪ من السوريين السنة يشعرون أنهم صاروا أكثر حرية في العهد الجديد
٧٠ ٪ من المسيحيين والدروز يشعرون أنهم صاروا أكثر حرية

٧٠ ٪ من السوريين السنة متفائلون بالمستقبل
٣٠ ٪ من المسيحيين والدروز متفائلون بالمستقبل

٧ ٪ من السوريين فقط يريدون دولة علمانية

الاستطلاع جرى في سورية، وأخذ آراء سوريين من كل المحافظات، من كل الأديان والطوائف والقوميات، من الجنسين، ومن أعمار مختلفة، وهو يستوفي الشروط المطلوبة في أدق استطلاعات الرأي بالمعايير الدولية، التي لا يتجاوز هامش الخطأ فيها ٢ ٪ فقط.

لشخص مثلي أمضي نهاري وليلي في متابعة وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي وبيانات ومؤتمرات واجتماعات المثقفين والمسيسين والأحزاب، كان يبدو لي أن السوريين الذين يؤيدون حكم الرئيس أحمد الشرع ويشعرون أنهم صاروا أكثر حرية في العهد الجديد ومتفائلون بالمستقبل أقل بكثير من أرقام الاستطلاع. وأن السوريين الذين يريدون دولة علمانية، أو حتى ملحدة، أكثر من ٧ ٪ بكثير.

الاستطلاع، وقد كان خبراً سعيداً جداً للرئيس السوري والعهد الجديد وأنصاره، ترافق مع خبر لا يقل سعادة عنه، فقد عبر مجلس حقوق الأنسان للأمم المتحدة، وهو أعلى جهة مختصة بحقوق الإنسان في العالم، عن سعادته بسقوط النظام السابق، وقيام حكومة سورية جديدة.

وقام المجلس بتعداد الكثير من صفات الحكومة السورية وتصرفاتها الإيجابية، وقال خاصة عن الإعلان الدستوري الذي أصدره العهد الجديد في سورية، ونال نقدا مريراً من المثقفين والمسيسين السوريين، بأنه :
” يؤكد أن الحكومة الجديدة تكفل حقوق الإنسان والحريات الأساسية وحرية التعبير والاعتقاد وتلفي العقوبات والقيود التي كانت في سورية في النظام السابق”.

استطلاع الأيكونوميست وموقف مجلس حقوق الأنسان، يثبت بما لا يدع مجالاً للشك الحقائق التالية :

١- الانفصال التام للمثقفين والمسيسين السوريين عن واقع سورية، وضعف، أو قد يكون انعدام، تأثيرهم على الشارع السوري، وطغيان التوجهات النظرية الخيالية، والثأرية، على مواقفهم من العهد الجديد.

٢- ابتعاد ما نراه على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى وسائل الإعلام، عن واقع الشعب السوري، ومواقفه، واهتماماته. وكلمة ابتعاد تبدو قليلة، إنه انقطاع، وتناقض، وخصومة.

٣- سورية ليست تجمع أقليات، ولا مجموعة مكونات متساوية أو متقاربة في الحجم، ولا هي مفتتة إلى قطع صغيرة. وإنما هي مكونة من كتلة صلبة كبيرة جدا، من مكون واحد، حوله كتل صغيرة، من مكونات صغيرة، وأحياناً صغيرة جداً. وطرح القضايا الكبيرة يقرب أبناء الكتل الصغيرة من الكتلة الكبيرة، ولا يزيدها بعداً ونفوراً منها، كما حاول كثيرون أن يوهمنا.

نتائج الاستطلاع تثبت بالتأكيد أن المجتمع السوري فيه قدر هائل من الوحدة، وأصلب بكثير مما يظهر في وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، وبيانات الاحزاب الصغيرة، شديدة الصغر.