كثيرة هي البيانات الدولية التي حدّدت المطالب والشروط الواجبة على الدولة اللبنانية كي يتمكّن المجتمع الدولي من التعامل معها ومساعدتها، وما لم تتوفّر فإن المساعدة ستبقى في الإطار الإنساني، أو حاجات الضرورة القصوى، كمساعدة الجيش وقوى الأمن.

ومع أن منظومة الحكم تتلقّى انعكاسات مواقف الخارج على هيبتها وسمعتها وعملها، وبعضٌ منها بلغ العقوبات لأشخاص عديدين وُصموا بالفساد، إلا أنها لم تولِ أهمية لتلك المواقف وواصلت التخبّط في المراوحة والعجز، وكأن ما تقوله الدول مجرد حبر على ورق، أو كأن المنظومة تعاند وتتوقع رضوخاً خارجياً للأمر الواقع، إسوة بالرضوخ الداخلي. وهذا كافٍ وحده للدلالة الى لبنان يُدار بعقلية إيران و”حزبها”.

بيان قمة جدّة، السعودي – الأميركي، عبّر عن دعمٍ “لسيادة لبنان وأمنه واستقراره، وللقوات المسلّحة اللبنانية التي تحمي حدوده وتقاوم تهديدات المجموعات المتطرفة والإرهابية”. السيادة، الأمن، الاستقرار، الحدود، التهديدات، المتطرفون والارهابيون… كل كلمة موجودة بكل ما تعنيه، فـ “الدعم” هو للسيادة (المفقودة) وليس لـ “الحدود” (المعروف أن “حزب إيران” هو من ينتهكها). وفي البيان إشارة الى “أهمية” تشكيل حكومة لبنانية مطلوب منها أمران: أولاً، تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية شاملة تضمن تغلّب لبنان على أزمته السياسية والاقتصادية (هذا يتكرّر منذ 2019 لكن الاستجابة بطيئة أو غير مجدية). وثانياً، عدم تحول لبنان إلى نقطة انطلاق للإرهابيين أو تهريب المخدرات أو الأنشطة الإجرامية الأخرى التي تهدد أمن المنطقة واستقرارها (وهذا يعني أن تكون الدولة والحكومة متحررتين من سيطرة “حزب إيران/ حزب الله”).

وحين يشدّد البيان على “أهمية بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على كل الأراضي اللبنانية، بما في ذلك تنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة (خصوصاً 1559 و1701) واتفاق الطائف” فإنه يحدّد قواعد التعامل مع لبنان إذا أراد أن يبقى على خريطة المجتمع الدولي. ولمن لا يفهم أو لا يريد أن يفهم فإن البيان يُجمل الموقف السعودي – الأميركي، الذي بات دولياً، بالمطالبة بأن “تمارس (الدولة) سيادتها الكاملة، فلا تكون هناك أسلحة إلا بموافقة الحكومة اللبنانية، ولا تكون هناك سلطة سوى سلطتها”… وفي ذلك رسالة الى إيران مفادها أن لا اعتراف باحتلالها للبنان، ولا اعتراف بسيطرة “حزبها” مهما بلغ ترهيبه لأطراف منظومة الحكم والسلطة.

تعرف إيران و”حزبها” والمنظومة أن هذا ليس مجرّد كلام، وإنما سياسة سارية: الدولة مهمّشة لأن رئيسها مُصادر لدى “محور الممانعة”، الحكومة يجري التعامل معها ضمن الشروط المحدّدة، حرص على تمكين الجيش على تجاوز الأزمة الاقتصادية والمالية والحفاظ على ما تبقّى من الدولة، ومساعدات إنسانية للحدّ من المفاعيل الاجتماعية للأزمة… تريد إيران، على الأقلّ، إبقاء الوضع الراهن على حاله، لأنه يمنحها خيارين: إما فتح مساومات في شأن لبنان لكنها لا تجد شركاء للمساومة، أو التصعيد لدفع التوتّر الى حافة حرب لا تبدو محسوبة جيداً سواء بمسارها العسكري أو بالمخرجات السياسية منها. وبين هذا وذاك ليس مستبعداً أن تعاود إيران و”حزبها” لعب ورقة الشغور الرئاسي لفرض نسخة أخرى من الرئيس المنتهية ولايته ولو بمواصفات “ممانعية” أقلّ.

صحيفة النهار