لم يكن السوريون بحاجة لزلزال مرعش ليزيد من مآسيهم وواقعهم المؤلم الذي يعيشونه منذ أكثر من عشر سنيين، بسبب زلازل براميل نظام الأسد التي قتلت عشرات الآلاف وشردت الملايين ، و دمرت مدن بأكملها وأحدثت تصدعا بمن تبقى منها ليكمل الزلزال الأخير عليها وتنهار البيوت على ساكنيها من جديد.

لكن هذا الزلزلال الكبير ، الذي وصف بـأنه زلزال العصر لما أحدثه من دمار ومساحته الجغرافية التي امتدت لعشر محافظات تركية مع المدن السورية، كشف الكثير من الحقائق وإن لم تكن مجهولة، و أعاد للذهن بعض البديهيات التي نسيها البعض ، وفتح المجال لبوصلة التفكير أن تعود من جديد لأصل المشكلة وليس للضياع بأعراضها والانشغال بمضاعفاتها .

لقد أسقط الزلزال ورقة التوت عن كثير من العورات التي كانت تحاول الاختباء وراء أسترة واهية مستعارة ، وأثتبت أن الحل لن يكون خارج هذه الحقائق مهما حاول البعض تزيين غيرها من حلول.

كثيرة هي الحقائق والبهديهيات التي أحياها الزلزال من جديد ، وكثيرة هي الدروس والعبر التي يمكن استنتاجها واستخلاصها منه ، لكن من أهمها أربعة أمور هي الحامل الأساسي لأي حل سوري قادم ولأي خارطة طريق يمكن ان تكون مخرجاً للتغريبة السورية المحزنة

الدرس الأول: سوريا لا صاحب لها والزلزال الحقيقي هو النظام القائم

لم يكن السوريون بحاجة لزلزال مرعش ليذكرهم بزلزالهم الحقيقي الذي دمر البلاد على رؤوس العباد ،لكن بعيدا عن التقييم الذي قد يعتبره البعض حكما مسبقا ،واذا اعتبرنا فرضا أن النظام هو دولة تحكم البلد ،فمجرد مقارنة سريعة وبسيطة بين تصرف الدولة التركية تجاه الزلزال وبين الاجراءات والتصرفات التي قام بها النظام نجد أن هناك فرقاً شاسعا بين الموقفين ، وقد تكون مجرد المقارنة بينهما اجاحفا غير منصفاً بحق تركيا ومؤسساتها التي هبت منذ اللحظات الأولى واستنفر وزراءها الذين لايزالون بالمناطق المنكوبة وحالتهم الجسدية كافية لتنبءك بمايقومون به من سهر على حماية ورعاية مواطنيهم .

النظام السوري كان غير مكترثا بما حصل من دمار ، وكأن الزلزال كان بأقصى أمريكا وليس بالوطن السوري ، بل وجدها فرصة لفك الحصار عنه ونافذة يمد منها عنقه للتواصل مع العالم الخارجي من جديد

صور بشار الاسد ضاحكاً مع مستقبليه بحلب كانت تشير لانحطاط خلقي انساني وكأنهم يعيشون بعرس وهم يرقصون على جثث وجراح السوريين تحت الانقاض .

وهذ ليس بمستغرباً على من دمر حلب عن بكرة ابيها وهجر ثلثي سكان سوريا وقتل أكثر من مليون من مواطنيها.

وهذه الصورة كافية للسوريين بأن يدركوا من جديد أن لا حياة مع وجود هذا النظام، وكل حديث عن التصالح والحلول السياسية هو ضرب من الخيال ومخالف لواقع وطبيعة هؤلاء.

الدرس الثاني:هشاشة المعارضة وعجزها

المنطاق التي لا تخضع لسيطرة النظام لم تكن هي الاخرى بمنأى من مأساة الزالزال

فقسد لم تأبه لهذا الجرح الانساني ، ولم يمنعها هذا المصاب الجلل من قصف مناطق مكتظة بالسوريين والاتراك كان أهلوها مشغولون بالبحث عن أحياء تحت الانقاض ، وسعت لاستغلال المعونات الاغاثية الداخلية والخارجية وابتزازها سياسا لتحقيق بعض المكاسب والضغط على تركيا.

المعارضة السوري بكل من ادلب والمناطق الاخرى التي يديرها الائتلاف والحكومة المؤقتة لم تكن هي الاخرى أهل لهذا الحدث الجلل ، ربما لنقص خبراتها وعدم جهوزيتها ، وربما لعدم أهليتها اصلاً لتحمل مثل هذا الحدث الكبير، وربما لعجزها حيث لا تملك ما تقدمه – وهذا وإن كان مؤشراً لتراكم فشل مزمن لكنه قد يكون عذرا لها – لكن الغير مقبول ابدا هو غيابها من الموقف والواقع والحدث لأيام وعجزها حتى عن الظهور واستصراخ الضمير العربي والعالمي منذ اللحظات الأولى رغم مناداة الكثيرين بذلك.

لقد أظهر الزلزال بكل وضوح أن السوريين لا بواكي لهم ولا دولة لهم ولاصاحب لهم بالنازلات والازمات …

الدرس الثالث: آصالة وقوة وحيوية ونخوة الشعب السوري

رغم كل السنيين العجاف التي عصفت به ورغم الحالة الاقتصادية المنهارة والنزوح واللجوء والحرب والدمار ،لقد اثبت الشعب السوري مرة اخرى من جديد أنه شعب حي وأصيل وصاحب نخوة وتضحية.

حملات الاغاثة الداخلية التي وصلت المنكوبين بالساعات الأولى من الزلزال سبقت الامم المتحدة وكل الدول والمنظمات الدولية ، حملات الدعم التي وصلت من دير الزور متحدية كل القوى المسيطرة هناك من نظام ومليشيات قسد والمليشيات الايرانية أكدت أن الداخل السوري أينما كان يظل هو القاعدة الاساسية لأي حل.

الدفاع المدني السوري وما قام به من بلاء حسن وشجاعة وقوة وبأس رغم امكانياته المحدودة أمر ترفع القبعة له.

هبة السوريين بالخارج والمنظمات السورية بالمهجر كانت هي الاخرى من أجمل مظاهر الوفاء للداخل واهلهم ودليل على تميز ونجاح المواطن السوري في كل مكان ..

هذه المظاهر تؤكد من جديد أن ماحك جلدك مثل ظفرك وأن الانسان السوري هو محور الحل وأن سوريا يجب أن تكون حيث يريد السوريون وليس كما ترسم لهم المحافل الدولية والمخابرات العالمية .

الدرس الرابع: لا حل ولا ملجأ للسوريين سوى سوريا

في كل أزمة تحدث بأي بلد يتواجد السوريون به تتجه لهم أصابع الاتهام ، ويُحملون مسؤولية تلك الأزمة سياسية كانت أم اقتصادية أم اجتماعية ، هذه حال ومأساة كل الشعوب المهاجرة ، حيث يتعرضون للعنصرية والتنمر والتضييق، وهي ظاهرة اجتماعية ليست خاصة بالسوريين فقط.لكنها كانت أشد وطأة عليهم هذه المرة حيث اجتمعت عليهم كل المآسي والمحن دفعت واحدة .

وهذا ما يجب أن يجعل السوريون يدركون أن العيش الحقيقي هو ليس ببلد الهجرة واللجوء انما هو بسوريا العدل والكرامة ،ويجب أن يظل حلم العودة والانتماء للوطن عامرا بنفوس الشباب قبل الكبار حتى لا تموت ثورتهم بنفوس أبناءهم .

زلزال يؤكد للسوريين من جديد أن الحل الوحيد هو سوريا بدون الأسد

هذا الحل الذي ربما يراه الكثيرون قد أصبح من ضرب الخيال بعد سماع الأخبار من هرولة كثير من الدول لفتح قنوات التواصل مع النظام وخاصة بعد زلزال مرعش الذي كان النظام يتمناه .

لكن تظل الشعوب مها ضعفت وهانت هي المعادلة الأقوى إن صدقت التي لايمكن أن تتجاوزها كل القوى الخارجية مهما عظمت..

وهنا مربط الفرس وبيت القصيد …

فهل يستطيع السوريون بكل جغرافيا الوطن السوري وابناءهم بالخارج أن يشكلوا شمسية جديدة تجمعهم جميعا من خلال الانتماء للوطن بموقف واحد وهدف واحد وشعار واحد هو سوريا أولاً

سوريا بدون الاسد وبدون ايران وقسد ..!؟

وهل تدرك الدول العربية والمجاورة ان هذا الحل هو الخلاص لهم والسد المنيع من كل السناريوهات التي تستهدفهم..!!؟؟

ترك برس