بينما تطالعنا أحداث غزة صباح مساء وهي تكتب بدم أبنائها ملحمة تأخذنا بين أن نكون جزءا من الملحمة.. فتلك قضيتنا جميع
أو نكون فيمن خذل نفسه ولم يبق له في حكاية الصمود هذه دورا حتى لو كان صغيرا جدا؛ تقتادني الذاكرة إلى مطلع صباي وإلى فيلم breave heart للرائع ميل غيبسون الذي حصد العديد من جوائز الأوسكار وظل يعرض في صالات السينما العالمية مدة طويلة نسبياً..
حيث مازالت ملامح وليام والاس محفورة بداخلي حتى الآن
مازال ذلك العنفوان مع البراءة والصفاء التي تطل من عيني النجم العالمي الذي أصفه بالنبيل؛ وقد عبر أكثر من مرة عن وقوفه الى جانب الشعوب المقهورة،
استطاع والاس (شخصية بطل الفيلم) أن يخوض ثورته ضد الإنجليز بدءًا من رجل واحد
رجل رفض الظلم الواقع عليه وضجت في عروقه نخوة وشهامة نعرفها في قصصنا التاريخية – وربما لم نعد نراها الآن- ورفض أن تسبى عروسه ليلة زفافهما
وعندما قتلت الشابة الجميلة المخلصة لزوجها وحبيبها أقسم أن يثأر لها لو كلفه الأمر حياته
وحول رفضه للحياة بعد فقده لها؛ وغضبه الشخصي لأجلها؛ إلى شعور نبيل لأجل المستضعفين جميعهم .. فيكون صوتهم وملاذهم ونصيرهم ويصنع قوة لهم من التراب
من شاهد الفيلم وقتها بالتأكيد سيذكر كل تفاصيله وذلك القلب المفعم الذي يطل من عيني غيبسون بكل براعة وهو يصرخ صرخته الشهيرة freedom بينما يلون وجهه بألوان العلم الاسكوتلاندي لتشعر أي فتاة تشاهده أنه فتاها وفارسها النبيل الذي تعقد انتماءها له وتعقد قلبها على اسمه بكل فخر وطمأنينة بعقد أبدي لا يفرقه الموت.
أذكر أن مخرج الفيلم وكاتب السيناريو صرح أكثر من مرة أنه استفاد من فيلم “عمر المختار” للعقاد بعدد من المشاهد، أحدها مشهد التفاوض، ومنها المشهد الأخير رغم اختلاف المشهدين في الفيلمين فأحدهما كان يلعب على إثارة العنفوان الممتزج بالتعاطف مع شيخ طاعن في السن يساق إلى منصة الإعدام ويجرجر قيوده الثقيلة، ليقف شامخاً غير آبه بالموت ثابتًا على موقفه حتى الموت ليأخذ نظارته بعد ارتقاء روحه طفل صغير .. وتستمر الرسالة.
في حين يلعب مخرج breave heart على العنفوان الممتزج بالحب النبيل
حيث يفي الفارس بقسمه ويصمد تحت تعذيب أشد من أن يحتمله بشر ومنديل حبيبته مازال في يده؛ ويرق قلب أعدائه له، ويصرخ الناس الذين كانوا لكبرائهم تبعاً بعد أن كانوا يطالبون بالقصاص ممن شق عصا الطاعة على الملك الطاغية؛ فيصبح نداؤهم mercy mercy ويقولها الكاهن -وعاظ السلاطين- اطلب الرحمة .. كلمة واحدة فقط لنوقف كل هذا العذاب
ويلقي البطل نظرة على الناس .. من لأولئك إذا تنازلت ؟! فيستجمع ما تبقى لديه من رمق.. ويصرخ من جديد freeeedoooom
وتحين لحظة النهاية .. تطل الحبيبة من بين الألوف لتصطحب روحه إلى عالم لا ظلم فيه حيث يثبت الممثل براعته مرة أخرى في إظهار نظرة السكينة والسلام والسعادة ويسقط المنديل ليحمله من يكمل الرسالة بعده.
بينما أشاهد صمود غزة الأسطوري .. روح الإيمان والعزيمة في قلوبهم ونبرات صوتهم وعباراتهم المفعمة بالصبر والإيمان وكأن الموت ليس نقطة الرحيل بل مجرد جسر عبور قد يتوقفون لحظات أمامه بضعف بشري يذرفون بعض الدمع لفراق أحبتهم
ثم يكملون المسير بكل اليقين الذي يبصرون به الحق الذي في صفهم.
شئت أم أبيت يا إسرائيل .. شئتم أم أبيتم يا صهاينة العرب ويا حكام المسلمين المتخاذلين
شئتم أم أبيتم يا مدعي المقاومة والمتسلقين على أقدس القضايا.. شئتم أم أبيتم يا أنصار الباطل في كل مكان ومهما استخدمتم من أساليب وقوى ما كانت قوى أولئك الصامدين الأباة لتكافئها مهما اجتهدوا؛ وحتى لو أتيتم بجيوش شياطين البشر تحت ثمانين غاية لتبيدوا أولئك الصابرين وحتى لو تأخر النصر وظننتم أنكم بأباطيلكم قد أوتيتموه على علم عندكم؛ فتلك الأرض لأصحابها وتلك الأرض ستظل تنبت بالأبطال وسيظل أهلها يتناقلون الرسالة كابراً عن كابر وسيهزم جمعكم مهما أعددتم له وسيخرج أهل الأرض وأصحابها كطائر الفينيق متوهجا شامخاً قوياً شق جروحه ليخرج من جسده الجريح طائر فينيق جديد جارح يلقن باطلكم الدرس الذي يستحق.
Be the first to write a comment.