كل يوم، نسمع، في كل الدول العربية، وخاصة في لبنان، من مثقفين ومشاهير، يصفون أنفسهم بأنهم ديمقراطيون، علمانيون، حداثيون، ليبراليون، أحرار، يدافعون عن حقوق الإنسان، وحقوق المرأة.. نسمع منهم مديحاً، وتعظيماً، وانبهاراً، بالتقدم الذي حصل في دولتي الإمارات والسعودية، وتحديداً في عهدي كل من محمد بن زايد في الأولى، ومحمد بن سلمان في الثانية.

ويستشهد المنبهرون بالعمارات العملاقة في الأولى، وبحفلات الموسيقى في الثانية، ولا شيء آخر.

والحقيقة أن النظام السياسي المهيمن في دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، هو نظام الاستبداد المطلق وانعدام حقوق المواطن البشرية، إنعداماً مطلقاً.
فما يتوفر في الدولتين : الطعام والشراب والتسلية والتكاثر، هي حقوق الحيوان، وليست حقوق البشر. حقوق البشر شيء آخر مختلف تماماً، ولا يتوفر منها في الدولتين أي حق. في الدولتين حقوق البشر صفر مطلق.

حقوق البشر هي حرية الاعتقاد، وحرية التعبير، وحرية التنظيم السياسي، وسيادة القانون، واستقلال القضاء، وفصل السلطات، وحق الشعب في تقرير مصيره، وتحديد راتب للحاكم، والوصول للسلطة في انتخابات حرة ونزيهة وتعددية، وحق تشكيل النقابات.. وكل هذا موجود منه صفر مطلق في الدولتين. إن جاز لنا تسميتها بالدول، فالدولة في وضعها الحالي في السعودية والإمارات، مجرد مزرعة أو حظيرة أو ماخور أو مسلخ أو سجن كبير..

وكلا النظامين، لا يتطور، ولا بمقدار شعرة، بالعكس يمعن بالاستبداد والتخلف، فالعمارات العالية والحفلات الغنائية ليست من علامات التقدم ولا التطور ولا الحضارة.

وليكون الكلام محدداً بوضوح تام، فإن أي إصلاح أو تطور حقيقي في الإمارات والسعودية يبدأ بما يلي:
– رفع الرقابة عن تويتر وفيسبوك، وعدم اعتبار التعبير عن الرأي جريمة.
– ثم السماح بجريدة أو إذاعة أو بقناة تلفزيونية أو قناة يوتيوب حرة، تمثل الشعب لا الحاكم.
– ثم إطلاق سراح المثقفين والدعاة المعتدلين المعتقلين.

هذه هي الخطوات الأولى، البدائية، التي تسمح بالكلام عن بداية بدائية لإصلاح أو تقدم أو تغيير إيجابي، أو دخول عالم الإنسان، على أمل الدخول لاحقاً في العصر.

ولنقول أننا في بداية بناء دولة يجب :
– تحريم نهب المال العام، وتسليم ملف مكافحة الفساد للقضاء العادل المستقل.
– ثم تحديد راتب للحاكم، ولو كان ألف ضعف راتب الرئيس الأمريكي. المهم تحديده.
– ثم تحديد المناصب العليا التي يحتلها أبناء الأسرة الحاكمة ولو بمئة أو ألف منصب، المهم تحديدها.
– ثم إعادة كل قرش أخذه الحاكم بدون وجه حق إلى خزينة الدولة. إعادة مال الحاكم قبل مال إبناء عمه.

ولنقول أننا بدأنا ببناء حكم يتمتع بالشرعية والرضا، وغير قائم على القهر والترويع، يجب :
– انتخاب ممثلين عن الشعب في انتخابات حرة ونزيهة وتعددية، لوضع القوانين والتشريعات.
– انتخاب الحكام لمدة محدودة قابلة للتجديد مرة واحدة.
– فصل السلطات، السلطة القضائية والسلطة التنفيذية (الحكومة) والسلطة التشريعية الحكومة (البرلمان).

بدون ذلك، فإن وصف العمارات العالية والحفلات الغنائية بأنها إصلاح وتطور وتقدم وحضارة، مجرد دجل وضحك على الناس، واستمرار لحال الاستعباد، لا بل تعميقه وتأبيده.

إن وصف العمارات والحفلات بأنها هي الحرية وهي التقدم، دليل أن القائل إما شخص لم يفهم من الحضارة شيئاً، أو أنه ينال عطايا من أنظمة الحضارة فيها صفر، والتقدم صفر، وحقوق البشر صفر.

وإن وجود دولة، في نفس الزمان، ونفس المكان، مضت أشواطاً في التقدم الحقيقي، وهي دولة الكويت، لا تنال من احترام وثناء الديمقراطيين والليبراليين والأحرار والعلمانيين والحداثيين العرب، وخاصة اللبنانيين منهم، ولا ربع ربع ما يغدقونه على الإمارات والسعودية من ثناء واحترام، لهو دليل قاطع على أن هاجس أعداد لا تحصى من الديمقراطيين والعلمانيين والأحرار والليبراليين والحداثيين العرب، وخاصة اللبنانيين منهم، هو الكأس والتنورة القصيرة، أكثر ألف مرة من البرلمان، والنقابة، ووسيلة الإعلام الحرة. يالها من كارثة.

منصة الأيام