نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا أعده سون إنجل راسموسين، وجاريد مالسين، وسمر سعيد، قالوا فيه إن الغارات الإسرائيلية ضد إيران، وإن كانت محسوبة، إلا أنها تدخل منطقة الشرق الأوسط في مرحلة خطيرة.

وقال الكتّاب إن إيران قللت من قوة الضربات الإسرائيلية، إلا أن المواجهة المباشرة بين البلدين أعادت ضبط قواعد الاشتباك بينهما.

وقالت الصحيفة إن الهجوم الإسرائيلي صباح السبت كان الأخطر على التراب الإيراني، إلا أنه كان محسوبا لتجنب إثارة رد فعل تصعيدي، وفي الوقت نفسه، دفع العدوين إلى صراع مباشر أعمق يشير إلى حقبة جديدة وخطيرة للشرق الأوسط.

وتم تنفيذ الهجوم المعقد من خلال عدة موجات على مدار عدة ساعات، وشاركت فيه عشرات الطائرات الإسرائيلية التي ضربت منشآت تصنيع الصواريخ ومواقع الدفاع الصاروخي في ثلاث محافظات إيرانية مختلفة، ما أسفر عن مقتل أربعة جنود.

وابتعد الهجوم الإسرائيلي عن استهداف المنشآت النفطية والنووية، والتي حذرت إيران ولعدة أسابيع بردٍ حاسم إذا تم استهدافها. وقال مسؤولون في الخليج، إن إسرائيل أنذرتهم بقرب الهجوم. واستهدفت إسرائيل أنظمة دفاع جوي، بما فيها النظام الصاروخي الروسي أس-300، حسب قول مسؤولين إسرائيليين، مشيرين إلى أنها دُمرت.

وقللت وسائل الإعلام الإيرانية من أثر الهجوم، قائلة إنه تسبب في أضرار محدودة. ويقول المحللون إنه في حين لم يتم تقييم مدى الضرر بعد، وقد لا تكشف طهران عن كل شيء، وأن الرد الأولي من إيران الأولي يشير إلى أنها لن ترد بقوة.

ونقلت الصحيفة عن سنام وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “تشاتام هاوس” قولها: “يبدو للوهلة الأولى أن هجوم إسرائيل كان محسوبا نسبيا. إنه يمنح إيران مجالا للتراجع”. وفي الوقت نفسه، يزيد من الضغوط على إيران التي تراقب حليفها المهم في الشرق الأوسط، حزب الله، يتعرض لضربات من إسرائيل. وقالت وكيل: “بالتأكيد كان تصعيدا خطيرا ويأتي بعد أشكال من التصرفات لإضعاف قدرات محور المقاومة”.

وتضيف الصحيفة أن عدد الأهداف التي تم ضربها فاجأ بعض المسؤولين العرب الذين سبق أن نقلوا إلى إيران تحذيرات عن الهجوم الإسرائيلي الوشيك. ورغم أن إيران أبلغت دولا أخرى في المنطقة بأنها لا تنوي الرد، إلا بعض الدبلوماسيين يخشون أن تكون الضربة قد زادت من خطر سوء التقدير الذي قد يؤدي إلى حرب أوسع نطاقا.

وقال مسؤول عسكري إسرائيلي بارز، إن الهجمات “تم تصميمها لإرسال رسالة قوية مع تجنب التصعيد في الأمد القريب”. وقد تم اختيار الأهداف لتضم البنى التحتية الصاروخية في إيران والدفاعات الجوية، وإرسال رسالة “أننا نستطيع ضرب أي مكان في إيران” حسب المسؤول الإسرائيلي.

وتقول الصحيفة إن الغارات الإسرائيلية، هي آخر تطور عن الكيفية التي دفع فيها النزاع الحالي بالشرق الأوسط، حربَ الظل الطويلة بين إيران وإسرائيل إلى العلن، حيث تبادل البلدان النيران مرتين هذا العام. وأصبح النزاعَ الأكثر قابلية للاشتعال ويمتد من غزة إلى لبنان وأبعد.

وتزامن الهجوم الإسرائيلي مع وصول الوفود إلى الدوحة، للتباحث من أجل وقف إطلاق النار في غزة، وهي الجهود التي تقودها الولايات المتحدة منذ عدة شهر بمشاركة مصرية وقطرية ولم تؤد حتى الآن إلى نتائج. ويخشى أن تؤثر الغارات الإسرائيلية على إيران في تعقيد الجهود هذه.

وأشارت الصحيفة إلى المعسكرات المتشددة في إسرائيل وإيران ترغب بتوسيع النزاع. ولكن ضربة السبت، إشارة إلى نجاح الضغوط الأمريكية، وتجنب التصعيد بضرب المنشآت النووية والنفطية.
وترى الصحيفة أن قادة إيران أمام مأزق، فهم يواجهون ضغوطا محلية وإقليمية لتحسين مكانة البلاد باعتبارها الراعي لشبكتها من المليشيات التي تعرضت لنكسات في الأشهر الأخيرة، مع مقتل جيل من كبار القادة في حماس و”حزب الله”. وفي الوقت نفسه، لا يستطيعون تحمل حرب تضع إيران في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة على الأرجح.

ويقول علي فتح الله نجاد، الألماني- الإيراني، والمدير والمؤسس لمركز الشرق الأوسط والنظام العالمي ومقره في ألمانيا: “إنها ورطة استراتيجية كبيرة”.

وستؤدي حرب واسعة لتعريض خطط الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان الرامية لرفع العقوبات عن بلاده للخطر.

ويعلق فتح الله نجاد أن “حربا واسعة ستقوض هذه الخطط”. كما أن إسرائيل لديها أسبابها لتجنب حرب أوسع، فهي تخوض حربا في غزة ولبنان ويعتمد جيشها على جنود الاحتياط، ولا يمكنها إضافة جبهة جديدة ضد إيران. وفي الضربات الأخيرة، اعتمدت على القوة الجوية والإستخبارات، وهما المجالان اللذان تتميز بهما عن إيران. وقد اعتمدت عليهما في ضرب حزب الله خلال الأشهر الأخيرة.

ويقول راز زيميت، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: “لم يكن الهدف من الضربات هو إغلاق هذا الحدث وتركيز الجهود الإسرائيلية على لبنان، ولكن الحفاظ على قدرة التصعيد أكثر لو قررت إيران الانتقام”. وقد جاءت المواجهة المباشرة بين الطرفين بعد سنوات حاولت فيها إيران الحفاظ على النزاع مع إسرائيل بعيدا عن أراضيها والاعتماد على حلفائها.

وقبل الحرب على غزة ولبنان، شنت إسرائيل مئات الغارات ضد الجماعات المرتبطة بإيران في سوريا، في مواجهة لم يتم الاعتراف بها وعرفت بالحرب بين الحروب. واليوم، تقوم إسرائيل بإعادة تكييف قواعد المواجهة من خلال الحرب المباشرة، وهو ما يزيد من مخاطر سوء تقدير أي منها ويؤدي إلى نزاع أوسع وأعمق.

ومع إضعاف حلفاء إيران في مختلف أنحاء المنطقة، ازدادت مخاوف المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين في الأشهر الأخيرة، من أن طهران قد تسرع من برنامجها النووي لتعزيز قدرتها على الردع.

ويقول المحللون المؤيدون لإيران، إن طهران سوف تعمل على ضمان عدم تشجيع إسرائيل على شن هجوم جديد. ويقول محمد مرندي، الأستاذ بجامعة طهران، والذي يعكس في كثير من الأحيان وجهات نظر المؤسسة الرسمية الإيرانية: “سوف يتم إرساء الردع حتى لا يحاول النظام الإسرائيلي مهاجمة إيران مرة أخرى. ولذلك، فرغم فشل هجوم الليلة الماضية، فإن طهران سوف تنفذ عملية انتقامية”.

القدس العربي