تطرح التصريحات المتواترة لمسؤولين إسرائيليين (حاليين وسابقين)، التي تنطوي على تهديدات باتت صريحةً لبشّار الأسد ونظامه، السؤال عمّا إذا كانت إسرائيل قد بدأت بالفعل التفكير في إزاحة بشّار الأسد عن السلطة في سورية، وهذا متغيّر مُستجدّ، إذ رفضت إسرائيل، وفي ظروف سابقة، تغيير المعادلة في سورية، وعملت على الحفاظ على هيكلية النظام السوري بوصفها أهون الشرور، لعدم رغبتها في المخاطرة بالعبث بالوضع السوري القائم منذ عقود طويلة.

برزت تصريحاتٌ لرئيس حزب يمين الدولة جدعون ساعر (انضمّ إلى حكومة بنيامين نتنياهو أخيراً، ومرشّح لتسلّم حقيبة وزارة الأمن في حال قرّر نتنياهو إقالة يوآف غالانت)، إن “على إسرائيل أن توضّح للرئيس السوري بشّار الأسد أنه إذا استمرّت سورية لتكون طريقاً لتوريد الأسلحة من إيران إلى حزب الله، وسمحت بالعدوان من أراضيها على إسرائيل، فإنه يعرّض نظامه للخطر”. وذكّر بأن إسرائيل أضاعت خلال السنوات السابقة فرصة إسقاط النظام التي استغلّتها إيران وحزب الله، وخلص إلى أن إزالة الأسد من المحور الإيراني ستكون لها عواقب بعيدة المدى على أمن إسرائيل.

قبل تصريحات ساعر، كان رئيس حزب إسرائيل بيتنا، أفيغدور ليبرمان، قد دعا إلى إعادة احتلال الجزء السوري من جبل الشيخ، لتلقين الأسد درساً لدعمه إيران. والمعلوم لدى الخبراء الاستراتيجيين أن هذه المنطقة التي حدّدها ليبرمان تنطوي على خطورة استراتيجية كبيرة لإشرافها على دمشق. السيطرة عليها تعني سقوط مناطق واسعة من الجولان وحوران، وحتى دمشق، مكشوفةً، بحكم الساقطة نارياً، وربّما يجادل بعضهم أن عامل الجغرافيا لم يعد ذا أهمية بالنظر للفارق التكنولوجي الساحق الذي تملكه إسرائيل في مواجهة نظام الأسد، غير أن الجغرافيا تبقى أحد أكثر العوامل أهمّية في الصراعات العسكرية، لما تمنحه من مساحاتٍ حيويةٍ للتحرّك وحرمان الخصم من أوراق مهمّة وفاعلة في الصراع، وإلّا لما أصرّت إسرائيل على إخلاء شمال غزّة، وجزء كبير من جنوب لبنان.

في زمن سابق، عطّلت إسرائيل مشروع الرئيس الأميركي جورج بوش (الابن)، الذي كان يعتزم إسقاط نظام الأسد بعد اجتياح بغداد، وأرسل وزير دفاعه كولن باول، بنقاطه العشر المعروفة، تحذيراً للنظام السوري، وتركّزت في عدم جعل سورية ساحةً خلفيةً للمقاومة العراقية، أو ساحةَ إمداد لوجستي بالعناصر والسلاح، ورغم أن الأسد (بضغط إيراني) لم يلتزم بالتحذير الأميركي، إلّا أن إسرائيل رفضت المساس بنظام الأسد، لتقديرها إن فوضى مشابهةً لما حصل في العراق ستحصل في سورية، وتؤدّي إلى نشوء قوى متطرّفة تضرّ بأمن إسرائيل، وتقضي على الترتيبات التي استمرت عقوداً في تنظيم الأوضاع في جبهة الجولان. والموقف نفسه اتّخذته إسرائيل عندما اندلعت الثورة السورية، فرأت في استمرار الأسد فرصةً لإشغال سورية وإزاحتها مصدراً للخطر لعقود قادمة.

السؤال الآن: ما المتغيّر الذي قد يدفع إسرائيل إلى التفكير جِدّياً في إزاحة الأسد وتجاوز تحفّظاتها السابقة على هذا الأمر؟ الإجابة عن هذا السؤال تكمن في اختلاف منظور إسرائيل لأمنها القومي ومهدّداته، ومصادر الخطر عليه، إذ في السابق كانت إسرائيل تتخوّف من نشوء قوىً سنّيةٍ متطرّفة “افتراضياً” ستنحاز بطبيعة الحال للفلسطينيين، أو وصول قوىً وطنيةٍ إلى الحكم تطالب باستعادة الجولان، وتعمل على إنجاز ذلك بطرق مختلفة، منها العمل العسكري، تحت ضغطٍ شعبي منحاز لفلسطين ومعادٍ لإسرائيل.

ثمّة معطيات كبيرة قلبت هذه الصورة، منها تغير المزاج السوري أصلاً، إذ لم تعد الحرب ضدّ إسرائيل تشغل فكر النُخَب، ولا البيئة الشعبية السورية، كما أن الوضع الذي وصلت إليه سورية سيجعلها طاردةً لأيّ تفكير في إمكانية محاربة إسرائيل، في مقابل ذلك، وجدت إسرائيل نفسها محاصرةً من مليشيات إيران، التي إن لم تحارب إسرائيل، فإنها ستضعف مكانتها الاستراتيجية وتجعلها مكشوفةً على المخاطر، وتدفع إلى استنزافها عسكرياً وبشرياً، فلا تعود خياراً مناسباً لاستقطاب اليهود في العالم، فضلاً عن تفضيل أعداد كبيرة من يهود إسرائيل الهجرةَ إلى بلدان أكثر أماناً.

الذي تغير أيضاً أن إسرائيل وجدت نفسها أمام فرصة للتخلّص من أذرع إيران نهائياً، وترغب في استثمارها بالكامل وعدم تفويتها، وبالتالي لن تسمح بتكرار ما تعتبره “أخطاء الماضي”، ومن ضمنها ترك الساحة السورية تلعب دوراً لوجستياً مهمّاً في تزويد حزب الله بالسلاح القادم من إيران، ومن ثمّ إعادة ترميم قوة الحزب في غضون سنوات قليلة.

بيد أن المتغيّر الأكثر أهمّيةً يتمثّل برفع إسرائيل شعار “الشرق الأوسط الجديد”، أي صناعة بيئة آمنة لا تنطوي على أيّ مهدّدات لإسرائيل، وذلك من خلال القضاء على أدوات إيران وإنهاء حالة التعايش القسرية معها، وبتقديرات إسرائيل أن تحقيق هذا التصوّر بات ممكناً في ظلّ بيئة إقليمية ودولية مشجّعة وداعمة لهذا الخيار.

بيد أن الأسد ما زال مرغوباً من فواعل إقليمية ودولية عديدة لحسابات خاصّة بها، وهذه الأطراف تحاول إقناع إسرائيل بالتروّي والتمهّل، وإعطاء الأسد الفرصة لإكمال عملية تفكيك علاقاته مع إيران التي بدأت منذ قيام الأسد بإخراج سورية من وحدة الساحات الإيرانية، كما أن الأسد لا يملك القدرة على الطلب من إيران الخروج من سورية لأن إيران تتحكّم بمراكز قوى مهمّة داخل بنية النظام.

لكن، يبدو أن إسرائيل لم تعد معنيةً بهذه المبرّرات كلّها، وهي ترى أن الأسد غير القادر على لجم إيران لا يختلف عن الأسد المنخرط تماماً في المشروع الإيراني، طالما أن الحصيلة تهديد أمن إسرائيل، وهذا ما تكشفه بشكل صريح وواضح تصريحات مسؤولي إسرائيل أخيراً.

العربي الجديد