غافلت قوات النظام الأسدي، بزعامة بشار وماهر الأسد، أهالي غوطة دمشق وهم نيام في الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل يوم 21 أغسطس/ آب 2013 بـ 34 صاروخا محملاً بمواد كيماوية تشل أعصاب البشر وتخنقهم، أطلقتها عليهم من جبل قاسيون، بهدف التخلص منهم بشكل جماعي.
قتلت قوات الأسد 1429 مدنيا كلهم من الأغلبية العربية السنية في كل من زملكا وعربين وعين ترما وجوبر في غوطة دمشق الشرقية، إضافة لـ 79 آخرين في بلدة المعضمية في غوطة دمشق الغربية. كما أُصيب أكثر من 5 آلاف مدني بغاز السارين أو غاز الأعصاب، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، وبهذا احتل بشار الأسد مكان الصدارة ضمن قائمة مرتكبي أشنع الجرائم في القرن الـ 21.
رائحة الموت تملأ المكان:
“خيم الموت على المكان، هل تعلمين ما هو هدوء الموت، زملكا باتت مدينة أشباح”، بهذه العبارات المؤلمة وصف لنا زكريا” أبو قصي”، أحد الناجين من مجزرة الكيماوي، ما شهده ليلة المجزرة، التي استمرت حتى الساعة الخامسة صباحا.
ويقول، أنه “عندما كنت أتجول بين حارات مدينة زملكا في تلك الليلة المظلمة، سمعت صوت صاروخ لكنه لم ينفجر كالعادة، فأسرعت واستلقيت بوضعية “منبطحاً” على الأرض وتكلمت مع نفسي بصوت منخفض وشكرت ربي، بأن صوت الصاروخ ليس كالمعتاد وإنما صوته يشبه “تنفيس” اسطوانة الغاز.
وفجأة شعرت بضيق في صدري، مالبثت أن سمعت صوتا يقول “انضرب كيماوي”، صعدت سيارة لتقلني إلى “الطبية”، وأنا في الطريق شعوري كان سيء للغاية، بحيث أن أي ضوء كان يأتي أمامي يزعجني لدرجة أنني كنت أشعر بصداع شديد يكاد يشطر رأسي نصفين.
ويتابع زكريا: “عندما وصلت الطبية أعطوني ثلاث حقن على الفور، وبعد وقت قصير من أخذي للحقن بدأ الغبش يغزو عيناي لدرجة أنني أصبحت لا أرى أي شيء أمامي، مع شعور بالضيق في التنفس وغثيان”.
ويصف “أبو قصي” المركز الطبي، “بأنه أصبح مكتظاً بالمدنيين الذين أُصيبوا بالكيماوي، مصحوباً بالصراخ والبكاء، حيث بات ضجيج الموت يملأ المكان، مدنيين كانوا قد أُلقوا على الأرض، صهاريج ماء ملأت المكان، فبمجرد مرور نصف ساعة من الوقت كان المركز قد امتلأ بـ 30 حالة، أغلبهم كانت تخرج رغوة من فمه، ومنهم من يفارق الحياة.
ويتابع: “في هذه اللحظة شعرت بالاختناق أكثر، فصرخت أخرجوني من هنا، أريد هواء. وفعلاً تم إخراجي بضع ساعات لأستعيد قواي البدنية والعقلية. بعد أن استعدت قواي عدت لنفس المكان فشاهدت المدنيين ملقين على الأرض مكفنين ومرتبين بجانب بعضهم البعض، في هذه اللحظة أصبحت كالمجنون أبحث عن الأشخاص الذين أعرفهم، فكان من بينهم ابن عمي قد كُفن ووضع على رأسه رقماً استعداداً للدفن.
البحث عن الأحياء:
بدأنا أنا ومن تبقى من رفاقي الأحياء نتساءل أين فلان وفلان، بدأنا نكسر القفل الخاص بكل باب منزل لنتفقد من تبقى من المدنيين على قيد الحياة، فكنا كلما دخلنا منزلا نرى عائلة بأكملها تظنها نائمة، لكنها في الحقيقة فارقت الحياة.
ورأينا حالات لأشخاص تساقط شعرهم وهم موتى. وأحضرنا “التركسات” استعداداً للدفن وبدأنا بالحفر، لندفنهم في طوابق، كون المقبرة باتت مزدحمة بالأموات، لدرجة أننا دفنا أربعة شهداء فوق بعضهم البعض.
وتروي لنا غيداء إحدى الناجيات من مجزرة الكيماوي التي ارتكبتها قوات بشار الأسد في غوطة دمشق، ما شاهدته من ألم وعذاب ذلك اليوم، وتقول: “في تلك الليلة حوالي الساعة الواحدة والنصف عندما سمعنا صوت انفجار في زملكا هرعنا إلى إحدى الغرف الداخلية في المنزل، عيوننا باتت تدمع من الجو، كان مشهداً ينذر بيوم القيامة، حيث أن أصوات الصراخ كانت تعلو و تملأ الحي، أهالي الحي كانوا يغادرون منازلهم رعباً. ركضنا مع أبي وإخوتي إلى الشارع الخاوي من السيارات أو أي وسيلة نقل، فعند عودة والدي إلى المنزل ليحضر أمي وجدها مستلقية على الأرض والرغوة تخرج من فمها، فحملها وخرج ليلحقها بنا، هربنا إلى الشارع مرة أخرى وإذ بشاحنة ممتلئة بمدنيين مصابين ومقتولين خنقاً، صعدنا الشاحنة ونحن لا ندري أنحن من الاحياء أم من الأموات، وما إن وصلنا إلى الطبية حتى فارقت أمي الحياة، ليتبعها عمي وزوجته وجيراننا جلهم أطفال ونساء.
وبعد تهديد ووعيد بعمل عسكري ضد نظام أسد، وتحريك قطع عسكرية أمريكية وفرنسية، اكتفى الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتسليم النظام مخزونه من الأسلحة الكيميائية والانضمام لمعاهدة حظر انتشار السلاح الكيماوي.
وسلم نظام الأسد المواد الكيماوية لتقوم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والدنمارك والنروج بإتلافها وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118، وانضم النظام لمعاهدة حظر السلاح الكيماوي. وفي العام ذاته ذهبت جائزة نوبل للسلام لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية في هولندا لجهودها في التخلص من ترسانة الأسد الكيماوية.
لكن النظام لم يتخلص من أسلحته الكيماوية، وكرر استخدامها، وخاصة في خان شيخون، وحينها نفذ الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب ضربة، لكنها أيضاً كانت ضد سلاح الجريمة، وليس ضد مرتكب الجريمة.
Be the first to write a comment.