حصلت تركيا على صفقةٍ مناسبة، تراجعت فيها عن اعتراضاتها على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، وبذلك باعت بوتين بثمن يناسبها. وهو بالنسبة لتركيا له وظيفة أساسية؛ رفع سعرها عند الإدارة الأميركية، ويدرك بوتين ذلك جيدا، فلم تكن روسيا، تاريخيا، حليفا موثوقا لدى تركيا، وظلت تتقلّب في عين أردوغان بين عدو وصديق؛ تخوض معه معركةً جويةُ وتُسقط طائرةً لجيشه في سورية، وحليف عقب المحاولة الانقلابية في 2015. وهو مزوّد تركيا بصواريخ إس 400، وهو الذي يحاربها وكالة في أرمينيا، وتركيا تحاربه بمسيّراتها وكالةً في أوكرانيا. والواقع أنه لولا حماقته في أوكرانيا لما باعه أردوغان الذي حاول المضي في استراتيجية أوراسيا (التمدّد آسيويا) بدلا من “الناتو” والاتحاد الأوروبي.
كرّر خطأ صدّام حسين حرفيا، فمن حيث أراد فرض نفسه قوة عربية في المنطقة تواجه النفوذ الغربي، أعاد القواعد الأميركية إلى المنطقة بعد غزوه الكويت. كانت أميركا قد خرجت من المنطقة عسكرياً بعد سقوط الشاه، واعتبرت دول الخليج صدّام ظهيرا لها في مواجهة إيران التي تبنّت عقيدة تصدير الثورة. وفضّلت أن تدعمه في حربه على أن تستعين بقواعد أميركية. بعد غزو الكويت انهارت الثقة ليس في العراق، وإنما بمنظومة الأمن القومي العربي. هذا ما فعله بوتين بأوروبا، حقّق تماسكا غير مسبوق للحلف، ووسّعه بانضمام السويد وفنلندا. مع التذكير بأن ترامب كان ينظر بازدراء إلى الحلف الذي تنفق عليه أميركا من دون مقابل.
يتمدّد الحلف عربيا بمعزلٍ عن التسميات والاتفاقات. ورغم النفي الذي صدر عن وزير الخارجية الأردني لانضمام إسرائيل إلى “ناتو” عربي، إلا إن ذلك لا ينفي واقع أنها حليفٌ ضمني، سواء للدول الموقّعة على اتفاقات سلام وتطبيع أم الدول غير الموقّعة. والعرب عموما لا يتحالفون كتلة واحدة، إنما بشكل ثنائي. فكل دولةٍ تقلّع شوكها بيدها، فدولٌ تعتبر إيران صديقا، وأخرى تعتبرها عدوا. وثالثة ما بينهما. هذا التمدّد لا ينفصل عن سياق تاريخي من حلف بغداد في مواجهة المدّ الناصري إلى حرب الخليج الثانية، واحتلال العراق في 2003.
الفضل في التمدّد الأميركي خصوصا، و”الناتو” عموما، يرجع إلى أعداء أميركا. من حيث أرادوا إخراجها أشرعوا لها الأبواب. لو لم يغزُ صدّام الكويت لما عادت القواعد العسكرية الأميركية إلى المنطقة العربية، ولو لم يغز بوتين أوكرانيا لما توسّع حلف الناتو. وفوق ذلك، لو لم تمارس إيران سياستها العدوانية تجاه العالم العربي، سواء في العراق أم سورية أم لبنان أم اليمن، لما احتمت الدول المهددة بأميركا. طبعا إسرائيل هي المستفيد الأول والمقاول بالباطن.
يرفع الحوثي شعاراتٍ تزايد على إيران “الموت لأميركا واللعنة على اليهود”، وفي الواقع، هو من مكّن لهما. كانت اليمن في حكم علي عبدالله صالح تنتهج سياسة متوازنة تلاعب أميركا والسعودية بتهديدها مرّة بخطر إيران من خلال الحوثي، ومرّة من خلال القاعدة، وظل البلد ملتزما بمواقف ملتزمة بدعم القضية الفلسطينية. بعد ثورة شباب الميادين، وخلع علي عبدالله صالح، كانت البلاد مقبلةً على نظام ديمقراطي أكثر التزاما بالقضية الفلسطينية والقضايا العربية، في ظل الإجماع اليمني على دعم المقاومة ورفض التطبيع من خلال أحزاب المؤتمر والإصلاح والاشتراكي واللقاء المشترك والحوثي من بعد. نكث الحوثي هذا الإجماع، وانقلب عسكريا وبرؤية طائفية مناطقية، وطرد القيادة الشرعية، وصولا إلى ما نشهده اليوم.
فوق الكارثة التي حلّت بالشعب اليمني نتيجة انقلاب الحوثي وفشل “عاصفة الحزم”، شعرت بعض دول المنطقة بالتهديد الذي يستدعي توثيق التحالف مع أميركا، لا بل التعاون مع العدو الصهيوني في البحر الأحمر. وعندما يكون لأميركا أعداء كهؤلاء لا تحتاج أصدقاء.
العربي الجديد
Be the first to write a comment.