تتسارع التطورات المرتبطة بالمواجهات بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وأبناء العشائر في محافظة دير الزور شرقي سورية، والتي سرعان ما امتدت إلى مناطق الشمال السوري، بعد اقتحام مقاتلين عشائريين مناطق في ريف منبج، خاضعة لسيطرة مشتركة من جانب “قسد” والنظام السوري، والذي استتبع بغارات روسية وقصف مدفعي من قِبل “قسد”، ما أوقع خسائر بشرية بين المدنيين.
وسيطر مقاتلو العشائر فجر أمس الجمعة، على عدة نقاط في ريف حلب الشرقي بعد معارك مع “قسد”، منها قريتا البوهيج والمحسنلي بريف جرابلس، إضافة إلى تلة عرب حسن على جبهة منبج، وأجزاء من الطريق الدولي “أم 4″ (طريق حلب- اللاذقية) في ريف الرقة.
وقال الناشط عبد المولى الموسى، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن خمسة مدنيين بينهم أربعة أطفال، ينحدرون من قرية عرب حسن الصغير، قُتلوا صباح أمس، وأصيب 13 مدنياً آخرين غالبيتهم من النساء والأطفال، إثر سقوط قذيفة هاون مصدرها مقرات مشتركة بين قوات النظام و”قسد” على منزل سكني في قرية مسحنلي، التابعة لناحية الغندورة بريف جرابلس الجنوبي الشرقي، شرق محافظة حلب، شمال سورية.
وأضاف أن الطيران الروسي قصف المواقع التي سيطرت عليها العشائر، ما أدى إلى مقتل أحد المقاتلين من العشائر وإصابة آخر. كما استهدف مقاتلو العشائر بقذائف المدفعية حاجزاً لـ”قسد” بالقرب من قرية أم السطح على الأطراف الغربية لمدينة منبج.
العشائر تسيطر على عدة قرى شرقي دير الزور
وكانت العشائر العربية في مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري” المعارض، قد بدأت بحشد مقاتلين لها يوم أمس الأول الخميس، في منطقة جرابلس، وإرسالهم لخطوط المواجهة مع “قسد” بهدف تخفيف الضغط عن عشائر دير الزور، علماً أن المنطقة تشهد اشتباكات منذ الأحد الماضي بين الطرفين.
وفي دير الزور شرقي البلاد، تتواصل المواجهات بين مقاتلي العشائر و”قسد” وطُردت الأخيرة من العديد من القرى، خصوصاً في ريف المحافظة الشرقي.
وذكرت حسابات محلية تغطي أخبار المعارك وترفق تغطيتها بمقاطع مصورة، مثل “مراسل الشرقية الرسمي” و”نهر ميديا”، أن مقاتلي العشائر سيطروا أمس في شرقي دير الزور، على حاجز الجعابي التابع لـ”قسد” في مدينة هجين وعلى مركز الأمن العام في بلدة السوسة، حيث سلم عناصر المركز أنفسهم لمقاتلي العشائر لتصبح البلدة خالية من أي وجود لـ”قسد”.
وشرقي دير الزور أيضاً، أعلن مقاتلو العشائر سيطرتهم على بلدة الحوايج بالكامل وطرد عناصر “قسد” منها وتدمير سياراتهم العسكرية، إضافة لبلدة ذيبان حيث كان مقاتلو العشائر قد أعلنوا سيطرتهم على مركز قوى الأمن الداخلي (الأسايش)، وتدمير عربات عسكرية بعد ساعات من الاشتباكات العنيفة بين الطرفين. كذلك سيطروا على حواجز ومقرات “قسد” في بلدة الجرذي، إلى جانب مقر الشرطة العسكرية ومقرات أخرى تابعة لـ”قسد” في بلدة غرانيج.
وأعلن مقاتلو العشائر أيضاً أن 20 عنصراً من قوات “قسد” انشقوا عنها وانضموا إلى صفوفهم في مدينة البصيرة بريف دير الزور الشرقي، والتي قالوا إنها باتت تحت سيطرتهم، من دون أن يتم تأكيد ذلك من مصادر مستقلة.
من جهتها، حاصرت “قسد” بلدة جديد بكارة بريف دير الزور الشرقي، ومنعت الدخول والخروج منها وسط مخاوف من قيام عناصرها بإعدامات ميدانية. وكانت هذه القوات دخلت إلى بلدة العزبة شرقي المحافظة بعد انسحاب مقاتلي “مجلس دير الزور العسكري” منها أمس الأول.
في غضون ذلك دعت الولايات المتحدة إلى إنهاء الاقتتال في شرق سورية، وذكرت السفارة الأميركية في سورية على حسابها في منصة “إكس” (تويتر سابقاً) أمس، أن الولايات المتحدة “تشعر بالقلق العميق إزاء أعمال العنف الأخيرة” في دير الزور، داعية جميع الأطراف إلى وقف التصعيد.
وأضافت “نجدد تأكيدنا على تخفيف معاناة الشعب السوري، بما يضمن الهزيمة النهائية لتنظيم داعش من خلال التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية”.
ماذا خسرت “قسد” وماذا بقي معها؟
وحول نتائج العمليات العسكرية الجارية، وما حققه مقاتلو العشائر حتى الآن من تقدم على حساب “قسد”، قال الناشط أبو عمر البوكمالي الموجود في ريف دير الزور الشرقي لـ”العربي الجديد”، إن عشيرة الشعيطات لها حضور قوي في مناطق شرق دير الزور.
وأضاف أن مقاتليها بادروا إلى إغلاق مداخل مناطق أبو حمام والكشكية لمنع إدخال الإمدادات لـ”قسد”، “لكنهم فعلياً لا يشتركون في القتال لا معها ولا ضدها”.
أما في المناطق الأخرى، فقد قال البوكمالي إن مقاتلي العشائر سيطروا ليلة الخميس وصباح أمس الجمعة على بلدات الطيانة والشنان والذيبان بالكامل، ولم تعد “قسد” موجودة في هذه المناطق، فيما لا تزال تحتفظ بنقطة واحدة في منطقة الشحيل، تعود لمحمد رمضان الملقب بالضبع، “ولا يرغب الأهالي بضرب تلك النقطة أو قتله حتى لا تحدث فتنة قوية لأنه ينتمي لعشيرة قوية ولها نفوذ في المنطقة”. كما تم طرد عناصر “قسد” من بلدة هجين “بعد السيطرة على حاجز لهذه القوات الموجود في مدخل المدينة”.
ولفت البوكمالي إلى أن معظم مقاتلي “قسد” الذين يقاتلون ضد العشائر هم من أبناء دير الزور والحسكة والرقة المنتسبين لـ”قسد”، وليسوا عناصر كردية، بحسب قوله.
وحول المناطق التي تتمسك بها “قسد” في دير الزور، وتلك الأقل أهمية بالنسبة لها، قال البوكمالي إنها “لا تركز على المناطق من هجين وصولاً إلى الباغوز بوصفها مناطق زراعية متباعدة، لكن تركيزها على المناطق النفطية”. وأشار إلى أن “الخط الموازي لنهر الفرات من الباغوز إلى هجين بات خارج سيطرتها”.
أما المناطق التي ستحاول “قسد” الاحتفاظ بها فهي المناطق النفطية والحيوية مثل الأزرق والعزبة والبصيرة و”التي سوف يتسبب فقدانها في تهديد سيطرتها على آبار النفط وعلى حركة التجارة في والإمداد في المنطقة مثل الطحين والمواد الغذائية”.
تشكيك بتحرك “قسد” ضد الخبيل
بموازاة ذلك اعتبر البوكمالي أن أسباب تحرك “قسد” ضد قائد مجلس دير الزور العسكري الموالي لها، أحمد الخبيل (أبو خولة)، غير مقنعة. وقال: “من غير المقنع القول إن قسد اكتشفت اليوم بعد 6 سنوات أن الخبيل شخص فاسد وهو أساساً من صناعتها”، لافتاً إلى أنها تعرف تاريخه جيداً، حين بدأ العمل في تهريب الآثار والذهب، وربما يعطي حصصاً لبعض قياداتها، بحسب قوله.
وربط البوكمالي بين قرار “قسد” التخلص من الخبيل، والتوجه الأميركي بالعمل على إغلاق الحدود السورية العراقية، وبالاحتجاجات في الجنوب السوري (السويداء). ويبدو أن “قسد”، بحسب البوكمالي تريد إشعال هذه الحرب لتخفيف الضغط على النظام السوري وإيران، مشيراً إلى أن “النظام يقدم خدمات صحية لجرحى الجانبين، ويعمل في الوقت نفسه على تشويه صورة قسد، ليقول في النتيجة إنه الأفضل لحكم المنطقة، وهي رسالة يوجهها بالدرجة الأولى للتحالف الدولي”.
ورأى البوكمالي أن قرار التخلص من أبو خولة اتخذته “قسد” بعدما فقدت الثقة به نتيجة المواجهات السابقة بين الطرفين قبل حوالي الشهر، إضافة إلى طموحاته لتوسيع نفوذه والانفصال عنها بالاعتماد على المكون العشائري المحلي. أضف إلى ذلك أنه قبل اعتقال الخبيل، شهدت بعض مناطق ريف دير الزور تظاهرات ضد الفساد وضد النظام السوري تفاعلاً مع ما يجري في الجنوب.
واعتبر البوكمالي أن بعض قيادات “قسد” لم يدركوا خطورة الموقف، وظنوا أن عملية اعتقال الخبيل ورفاقه ستمضي بسلام، خصوصاً أنه في الفترات الأخيرة كانت هناك خلافات بينه وبين بعض عشائر المنطقة واتهامات له من جانبها بالفساد وارتكاب انتهاكات.
وأضاف:” لكن هذا التصوّر بعيد عن الواقع، ولا يأخذ في الاعتبار أن هناك احتقاناً شعبياً ضد قسد نفسها، يفوق الانزعاج من الخبيل ومجموعته، خصوصاً أن العملية العسكرية التي تقوم بها قسد اتسمت بالرعونة وإطلاق النار العشوائي في بعض الحالات، ما تسبب في سقوط مدنيين”. وفي حين أرادت “قسد” التخلص من أبو خولة، فقد أوقعت نفسها بحسب البوكمالي، “في مأزق أكبر وفي مواجهة مع قسم كبير من العشائر، فضلاً عن فقدان الثقة بها من جانب المجتمع المحلي، لأن من يخالفها مصيره الاعتقال والقتل”. وقدّر البوكمالي سقوط أكثر من 50 قتيلاً حتى الآن في المعارك الجارية، مشيراً إلى أن بعضهم، “سقط بأيدي خلايا تابعة للحرس الثوري الإيراني في بلدة الجرذي، بهدف تأجيج الصدامات الحاصلة”.
تراكم مشكلات في دير الزور
من جهته، رأى المحلل العسكري العميد أحمد رحال، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن ما جرى في دير الزور هو نتيجة تراكم من المشكلات بين قيادة “قسد” والمجلس العسكري في دير الزور وقائده أحمد الخبيل من جهة، وبين “قسد” وأهالي دير الزور من جهة أخرى.
وأضاف أن هذه التراكمات تتفجر اليوم بعد الكمين الذي نصبته “قسد” لأحمد الخبيل ورفاقه، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية.
ورجح رحال أن يكون اعتقال الخبيل جاء بالتنسيق بين “قسد” وقيادة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة “بسبب ما يُقال عن صفقات تهريب بين الخبيل والمليشيات الإيرانية، لكن مع تسارع التطورات والاحتجاجات الواسعة من جانب الأهالي المأزومين أصلاً من تسلط قسد على مناطقهم، يبدو أن الأميركيين بدأوا في مراجعة موقفهم وحث الطرفين على التهدئة”.
وأشار رحال إلى أن هناك امتعاضاً أميركياً من رفض “قسد” الدخول في الخطط الأميركية لطرد المليشيات الإيرانية من مناطق الحدود السورية العراقية، “ما دعا الولايات المتحدة إلى التوجه نحو العشائر العربية لتشكيل قوة منفصلة عن قسد تكون مستعدة للانخراط في أية جهود أميركية بهذا الاتجاه”.
واعتبر أن ذلك “أثار مخاوف لدى قسد، وربما أرادت إجهاض هذه الجهود في مهده”، لافتاً إلى أن “ما يجري يترافق مع حشود أميركية في البحر المتوسط والخليج العربي ومنطقة التنف (في ريف دمشق حيث توجد قاعدة عسكرية للتحالف الدولي)”.
العربي الجديد
Be the first to write a comment.