سعى مجلس التعاون الخليجي، وهو منظمة إقليمية سياسية واقتصادية تضمّ كلًّا من البحرين، والكويت، وعُمان، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، إلى تعزيز التعاون والتنسيق بين هذه الأنظمة المَلَكيّة الستّة منذ تأسيسه في العام 1981، وقد نجح في ذلك نسبيًا. ويمكن القول إن المجلس برَزَ، في ظل القيادة الفعلية للسعودية، بوصفه منظمة التعاون الإقليمي الأكثر فعاليةً في العالم العربي. فقد أطلق المجلس مشاريع اقتصادية مشتركة لتعزيز التكامل وتسهيله، وأسّس اتحادًا جمركيًا وسوقًا مشتركة، وأقام شبكة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي، التي تربط الشبكات الكهربائية للدول الأعضاء في ما بينها، حتى إنه أنشأ كذلك وحدة عسكرية خاصة به، هي قوات درع الجزيرة المشتركة.

لكن التنافس الاقتصادي المتعاظم بين السعودية والإمارات لطالما أثّر على فعالية المجلس ووحدته. ففي العام 2009 مثلًا، انسحبت الإمارات من مشروع مجلس التعاون الخليجي الرامي إلى تشكيل اتحاد نقديّ واعتماد عملة موحّدة، بسبب اعتراضها على اختيار الرياض مقرًّا للمصرف المركزي المُقترَح بدلًا من أبو ظبي. مع ذلك، شهدت بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين فترةً من التعاون الوثيق بين السعودية والإمارات، إلا أنها لم تَدُم طويلًا، إذ تجلّت الخصومة المتزايدة بينهما في اختلاف مقارباتهما للصراعات الإقليمية، واشتداد المنافسة الاقتصادية بينهما، ومساعي كلٍّ منهما إلى بسط نفوذه السياسي في الخارج بشكلٍ أُحادي.

وبالفعل، أفضى التنافس على قيادة الشرق الأوسط إلى سياسات خارجية متباينة أكثر فأكثر بين الجانبَين. فالنهج الحازم والمستقلّ الذي تتّبعه الإمارات يهدّد طموحات السعودية الإقليمية، ومكانتها المهيمنة ضمن مجلس التعاون الخليجي. في المقابل، يعيق تخوّف دول المجلس من الهيمنة السعودية تحقيقَ المزيد من التكامل بينها، ناهيك عن أن إحجام الرياض عن التخلّي عن هيمنتها يضرّ بتماسك المنظمة. أَضِف إلى ذلك أن الخلاف الشخصي بين وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد، فاقم التحدّيات والتعقيدات التي تُهدّد الحفاظ على الوحدة والتعاون ضمن المجلس.

كيف تدهورت العلاقات السعودية الإماراتية الوثيقة؟
عقب اندلاع انتفاضات الربيع العربي في كانون الأول/ديسمبر 2010، أصبحت لدى السعودية والإمارات مصلحةٌ مشتركةٌ في معارضة تنامي موجة الحركات الديمقراطية والإسلامية، سواء في داخل أراضيها أو في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعملتا في الوقت نفسه على مجابهة نفوذ إيران المتعاظم في المنطقة. وكان لافتًا في هذا الصدد نشر قوات درع الجزيرة المشتركة التابعة لمجلس التعاون الخليجي في البحرين، في آذار/مارس 2011، استجابةً لطلب الحكومة البحرينية، بغية قمع الاحتجاجات المناهضة لها. وقد تألّفت هذه القوات من حوالى 1000 جندي سعودي، و500 عنصر من الشرطة الإماراتية.

وشهدت العلاقات بين الرياض وأبو ظبي المزيد من التقارب عندما اعتلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز العرش في كانون الثاني/يناير 2015، عقب وفاة أخيه غير الشقيق عبد الله. وبعد أقلّ من شهرَين على تعيين محمد بن سلمان وزيرًا للدفاع، شنّ هذا الأخير في آذار/مارس 2015 عملية عاصفة الحزم، وهي عبارة عن تدخّل عسكري طموح شنّه تحالفٌ مؤلّفٌ من تسع دول بقيادة السعودية في اليمن، من أجل إعادة حكومة الرئيس اليمني المخلوع عبد ربه منصور هادي إلى السلطة. وفيما قرّرت دول مجلس التعاون الخليجي كافّة، باستثناء سلطنة عُمان، إرسال قواتٍ للمشاركة في هذا التحالف، كان عدد الجنود الإماراتيين الأكبر بعد عدد الجنود السعوديين، إذ نشرت الإمارات في اليمن ما يقرب من 3500 جندي، إضافةً إلى 3000 عنصر من القوات الجوية والبحرية لتقديم الدعم في مسرح العمليات.

وبينما أسفر الخلاف الدبلوماسي مع قطر عن انقسام بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، بقيت السياستان الخارجيتان السعودية والإماراتية متجانستَين. ففي حزيران/يونيو 2017، قطعت السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر، علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، بعدما وجّهت هذه الدول الأربعة اتّهامات للدوحة بدعم المجموعات الإسلامية في جميع أرجاء المنطقة، ومن ضمنها جماعة الإخوان المسلمين. قوّضت هذه القطيعة وحدةَ مجلس التعاون الخليجي وفعاليته كتكتّل إقليمي، وشكّلت انحرافًا عن بروتوكولاته في ما يتعلّق بآلية صنع القرار، إلا أنها أدّت في الوقت نفسه إلى التقريب بين السعودية والإمارات أكثر. وبالفعل، أعلنت الإمارات في قمّة مجلس التعاون الخليجي التي عُقِدَت في الكويت في كانون الأول/ديسمبر 2017، أنها شكّلت تحالفًا سياسيًا وعسكريًا جديدًا مع السعودية، ما أثار شكوكًا جدّية حيال مستقبل المجلس.

لكن هذا التناغم السعودي الإماراتي لم يَدُم طويلًا، إذ بدأت مصالح البلدَين بشأن اليمن تتباعد في العام 2018. فبينما قدّمت السعودية دعمها الكامل لحكومة هادي المُعترَف بها دوليًا، أخذت الإمارات تموّل شبكةً من الميليشيات المحلية الوكيلة أنشأتها بنفسها، وتعارضت أهدافُها مع أهداف حكومة هادي. وكان أحد مصادر الخلاف الرئيسة بين الرياض وأبو ظبي تشكيلة حكومة هادي، التي ضمّت أعضاء من حزب التجمّع اليمني للإصلاح، وهو مجموعة إسلامية جامعة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالإخوان المسلمين. ففيما بدت السعودية مستعدةً للتعاون مع الإخوان المسلمين في اليمن، كانت الإمارات معارضةً بشدّة للجماعة.

عندما أعلنت الإمارات، في تموز/يوليو 2019، أنها باشرت عملية “إعادة نشرٍ استراتيجية” لقواتها في اليمن، بدا واضحًا أن قطبَي التحالف لم يعودا مُتّفقَين. وفيما خفّضت الإمارات عديد قواتها في اليمن، زادت دعمها المالي لوكلائها اليمنيين الذين ينشط معظمهم في جنوب البلاد. وقد ساند الإماراتيون بوجه خاص المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو منظمة انفصالية تتمتّع بنفوذ كبير في جنوب اليمن. هذا الدعم قوّض كلًّا من الجهود الحربية للتحالف الذي تقوده السعودية، وشرعية حكومة هادي المدعومة من المملكة، واضعًا أبو ظبي والرياض على طرفَي نقيض. وهكذا، تمكّن المجلس الانتقالي الجنوبي والفصائل الانفصالية المتحالفة معه، بدعمٍ إماراتي، من انتزاع السيطرة على عدن من يد حكومة هادي في مناسبات عدّة، قبل إعادة تسليم حكم المدينة إلى الحكومة بطلبٍ من السعودية. وأصبح جليًّا أن الأجندة الرئيسة للإمارات في اليمن لم تكن إعادة حكومة هادي إلى السلطة، بل السيطرة على المواقع البحرية الاستراتيجية في البلاد. فكان ذلك إيذانًا ببدء الجولة الحالية والمستمرة من التنافس الجيوستراتيجي بين السعودية والإمارات.

الأسباب الاقتصادية الكامنة وراء الشرخ السعودي الإماراتي
على مدى العقود القليلة الماضية، ارتقت الإمارات إلى مكانةٍ بارزةٍ بوصفها مركزًا إقليميًا للتجارة والسياحة. في المقابل، شرعت السعودية في مسارها الخاص من التحوّل والتنويع الاقتصاديَّين، الذي أطلقه محمد بن سلمان من خلال رؤية السعودية 2030، التي أعلن عنها في العام 2016. وقد أدّى هذا المسار، بخطى بطيئة ولكن ثابتة، إلى زيادة المنافسة بين البلدَين المتجاورَين، وهي ظاهرة يُرجَّح أن تستمرّ، لا بل أن تتسارع حتى. وقد ساهمت هذه المنافسة الاقتصادية بشكل دوريّ في توتّر العلاقة السياسية بين البلدَين.

وواقع الحال أن الكثير من الشركات الساعية إلى التوسّع في الشرق الأوسط اختارت الإمارات لاستضافة مقارّها الإقليمية، نظرًا إلى ما توفّره من بيئة جاذبة للأعمال وسياسات مُغرية للمستثمرين. وعلى وجه التحديد، صُنِّفَت إمارة دبي بانتظامٍ ضمن مراكز الشحن العالمية الخمسة الأولى في السنوات الأخيرة. وإذ سَعَت الإمارات إلى تقليل اعتماد اقتصادها على الموادّ الهيدروكربونية، ركّزت على ترسيخ مكانتها كنقطة تقاطع لوجستية وقوة تجارية عالمية، إذ يشكّل ميناء جبل علي في دبي صلة وصل بحرية محورية تربط بين أفريقيا وآسيا. وتماشيًا مع هذا الهدف، اتّبعت الإمارات استراتيجية “سلسلة الموانئ” في جنوب شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي، والتي تقضي بالسيطرة على الموانئ الأساسية وتشغيلها على طول طرق التجارة البحرية الرئيسة.

تحاول السعودية بدورها تحقيق إنجاز مماثل، فالأهداف الثلاثة الرئيسة لرؤية 2030 تتمثّل في وضع السعودية في “قلب العالمَين العربي والإسلامي”، وتحويلها إلى “قوة استثمارية عالمية” و”مركزًا عالميًا يربط بين قاراتٍ ثلاث، هي آسيا وأوروبا وأفريقيا”. لكن على الرغم من إعلان السعودية عن الكثير من المشاريع الجديدة الطموحة دعمًا لخططها، مثل مشروعَي نيوم والبحر الأحمر، لا تزال الإمارات في صدارة الوجهات الجاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة. فوفقًا لتقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، حقّقت دولة الإمارات أعلى رقم في تاريخها لتدفّقات الاستثمار الأجنبي المباشر (بقيمة 23 مليار دولار تقريبًا) في العام 2022، فيما انخفض معدّل تدفّق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى السعودية بنسبة 59 في المئة (إلى حوالى 7.9 مليارات دولار) خلال الفترة عينها.

وسعيًا إلى جذب الاستثمار الأجنبي، طبّقت السعودية مجموعة من السياسات الاقتصادية الجديدة في السنوات الأخيرة، يطرح بعضها تحدّيات مباشرة على الإمارات. ففي تموز/يوليو 2021، فرضت الرياض قيودًا على وارداتها من بلدان مجلس التعاون الخليجي، لمنع وصول السلع المُنتَجة في المناطق الحرّة إلى السوق من دون استيفاء الرسوم الجمركية. يُذكَر أن الإمارات تضمّ ما يزيد عن أربعين منطقة حرة، تهدف إلى جذب الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال تقديم مزايا واضحة للشركات والأنشطة التجارية العاملة ضمن هذه المناطق، ومنها الإعفاءات من الرسوم الجمركية، وعدم فرض أي قيود على العملة، وإعادة تحويل رأس المال والأرباح إلى الخارج، والسماح بملكية الأجانب بنسبة 100 في المئة. وهكذا، لم تَعُد السلع التي تدخل السعودية، والتي تصنعها شركات تزيد نسبة القوة الأجنبية العاملة فيها عن 75 في المئة، والمنتجات التي تقلّ نسبة المدخلات المحلية في تصنيعها (أي القيمة المُضافة الناشئة عن السلعة) عن 40 في المئة، معفاةً من الرسوم الجمركية. رأى المراقبون في هذا الإجراء استهدافًا مباشرًا للإمارات، حيث لا يشكّل المواطنون الإماراتيون سوى 10 في المئة من السكان. كذلك، شملت القيود السعودية الجديدة السلع المُصنَّعة بمدخلات إسرائيلية. وهذا أمرٌ لافتٌ نظرًا إلى أن الإمارات طبّعت علاقاتها مع إسرائيل بموجب الاتفاقات الإبراهيمية في العام 2020.

وفي كانون الأول/ديسمبر 2022، وضعت الرياض مجموعة جديدة من القيود للحدّ من تعامل الهيئات الحكومية السعودية مع الشركات الأجنبية التي ليست لها مقارّ في البلاد، أملًا منها في تشجيع الشركات المتعدّدة الجنسيات على إقامة مقارّها الإقليمية في السعودية. وستدخل هذه الضوابط حيّز التنفيذ في كانون الثاني/يناير 2024، علمًا أن الرياض تهدف إلى جذب نحو 480 شركة لإقامة مقارّها الإقليمية في السعودية بحلول العام 2030. ويُنظَر إلى هذه القيود الجديدة على نطاق واسع بأنها تَحَدٍّ مباشر لمكانة الإمارات بوصفها الوجهة الخليجية المُفضَّلة للمقارّ الإقليمية الخاصة بالشركات العالمية.

ومن الأسباب الأخرى التي يُعزى إليها التنافس السعودي الإماراتي تصوّراتُ البلدَين المختلفة بشأن دور منظمة الدول المصدّرة للنفط إضافةً إلى إحدى عشرة دولة أخرى مصدّرة للنفط ومتحالفة معها (أوبك+)، وكلاهما عضو بارز في هذه المنظمة. فقد استخدمت السعودية نفوذها ضمن منظمة أوبك+ للضغط على الدول الأعضاء كافّة من أجل خفض إنتاجها النفطي. وما كان من الإمارات إلا أن أبدت مخاوفها إزاء هذا النهج في تموز/يوليو 2021، داعيةً إلى زيادة حصص الإنتاج النفطي، وأُفيد بأنها فكّرت في الانسحاب من المنظمة. ومع أن مسألة الحصص حُلَّت في نهاية المطاف، وأن كبار المسؤولين الإماراتيين قالوا إن الإمارات لا تنوي مغادرة أوبك+، كان هذا الخلاف خير دليلٍ على اتّساع الشرخ القائم بين السعودية والإمارات.

تداعيات التنافس السعودي الإماراتي المتواصل
يشكّل التنافس المُحتدم بين السعودية والإمارات، أضخم بلدَين من حيث عدد السكان وأكبر اقتصادَين في مجلس التعاون الخليجي، مدعاة قلق بشأن مستقبل المنظمة، ذلك أنه يعيق آفاق التعاون والتكامل بين الدول الستّ الأعضاء فيها. فالمجلس بدأ للتو بالتعافي من أثر الأزمة الدبلوماسية مع قطر، التي حُلَّت في كانون الثاني/يناير 2021. والأسوأ من ذلك أن الحصار الذي فُرِض على قطر شكّل سابقةً في التعامل مع الخلافات الداخلية لمجلس التعاون الخليجي من خارج آليته، عوضًا عن حلّها عبر هيئة تسوية المنازعات التابعة له. وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن محمد بن سلمان، أثناء محادثة خاصة مع صحافيين محليين في كانون الأول/ديسمبر 2022، هدّد بفرض حصار مماثل على الإمارات. وبحسب ما ورد، أخبر بن سلمان الصحافيين بأنه أرسل إلى الإمارات لائحة مطالب من شأن الإحجام عن تنفيذها أن يؤدّي إلى إجراءات عقابية.

صحيحٌ أن مقاطعة السعودية للإمارات مستبعدة، إلا أن الحرب التجارية الناشئة بينهما بدأت تؤثّر في عمل مجلس التعاون الخليجي بطرق عدّة. على سبيل المثال، قوّضت قيود الاستيراد التي فرضتها السعودية بشكل أحادي في العام 2021، الأهدافَ المُعلَنةَ للاتحاد الجمركي للمجلس، التي تتمثّل في “إزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية لتسهيل تدفّق السلع بين دول المجلس، وخلق قوة تفاوضية جماعية لدول المجلس سواء في سعيها إلى تحرير التجارة مع التكتّلات الاقتصادية الدولية الأخرى، أو في تنسيق سياسات الاستيراد والتصدير”.

كذلك، يهدّد الشقاق السعودي الإماراتي بعرقلة مسار مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة الجارية بين مجلس التعاون الخليجي وشركاء دوليين رئيسين، بمَن فيهم الصين، والهند، واليابان، والمملكة المتحدة. وبالفعل، بدأ كلٌّ من السعودية والإمارات يميل نحو عقد صفقات ثنائية. وفي حين أن الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي سبق أن وقّعت اتفاقيات تجارية ثنائية مع دول غير أعضاء في المجلس، مثل اتفاقية التجارة الحرة التي أبرمتها كلٌّ من البحرين في العام 2006 وعُمان في العام 2009 مع الولايات المتحدة، تُلقي الوتيرة المتزايدة للصفقات التجارية الثنائية التي تتجاوز مجلس التعاون الخليجي، ظلالًا من الشكّ على الهدف المتوخّى من هذه المنظمة.

فقد أبرمت دولة الإمارات مثلًا، منذ العام 2022، أربع اتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة مع كلٍّ من الهند وإندونيسيا وإسرائيل وتركيا، في مجالات التجارة والاستثمار والتعاون. وعلى نحو مماثل، وقّعت السعودية اتفاقيات تجارية عدّة مع تركيا في آذار/مارس 2023. هذا وتنخرط الإمارات في عددٍ متزايدٍ من الشراكات “المصغّرة والمتعدّدة الأطراف”، وهي عبارة عن مبادرات غير رسمية وموجّهة أكثر، وتضمّ عددًا أقلّ من الدول، وترمي إلى معالجة تهديدات أو حالات طوارئ أو مسائل أمنية محدّدة. تشمل هذه المبادرات مجموعة I2U2 (التي تضمّ كلًّا من الهند، وإسرائيل، ودولة الإمارات، والولايات المتحدة)، ومنتدى النقب، ومبادرة التعاون الثلاثي (بين الهند، والإمارات، وفرنسا). يبدو أن الإماراتيين، باتّباعهم هذا النهج، يحتاطون لما قد يحمله المستقبل لمجلس التعاون الخليجي، عبر استحداثهم سُبُلًا بديلةً للتعاون الإقليمي. ناهيك عن ذلك، يمكن لهذه الشراكات المصغّرة والمتعدّدة الأطراف أن تشكّل شبكة أمان في حال نَبَذَ المجلس الإمارات، كما فعل مع قطر في العام 2017.

وما لا يقلّ أهميةً عن ذلك هو أن مجلس التعاون الخليجي يواجه صعوبةً متزايدة في تبنّي موقف موحّد حول القضايا الإقليمية. فالقرارات الكبرى، على غرار التقارب بين السعودية وإيران أو اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، التي عادةً ما تُناقَش ضمن المجلس أولًا، اتُّخِذَت من جانب واحد، ما قلّص أكثر أهميةَ المنظمة بصفتها تكتّلًا إقليميًا. فضلًا عن ذلك، أصبحت السعودية والإمارات، بسبب سياساتهما الخارجية الطموحة، تتصادمان حتى في مناطق أبعد. فإضافةً إلى تضارب مصالحهما في اليمن، عمدتا إلى دعم فصائل متناحرة في الصراع في السودان، كجزءٍ من التنافس الناشئ على النفوذ في القرن الأفريقي.

وما أضاف بُعدًا جديدًا إلى التنافس بين السعودية والإمارات كان ظهور بوادر خلافٍ شخصي بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد. فمشاعر الخيانة والطعن في الظهر التي عبّر عنها ولي العهد السعودي خلال لقائه مع صحافيين محليين، ونقلتها صحيفة وول ستريت جورنال، وتهديداته باتّخاذ إجراءات ضدّ الإمارات، تشي بأن التوتّرات بين الرياض وأبو ظبي هي أكثر من مجرّد تنافس استراتيجي. لقد ربطت بين الزعيمَين سابقًا علاقةٌ وثيقة، إذ صُوّر محمد بن زايد، الذي دعم ارتقاء محمد بن سلمان سلّم السلطة، على أنه مرشد وليّ العهد السعودي. ولكن منذ نشوب الخلاف العلني النادر بين السعودية والإمارات بشأن منظمة أوبك+، أصبحت التوتّرات في العلاقة الشخصية بين بن سلمان وبن زايد باديةً للعيان أكثر فأكثر. وقد تجلّى ذلك في عدم حضور محمد بن زايد قمة الصين والدول العربية التي عُقِدَت في الرياض في كانون الأول/ديسمبر 2022، والقمة العربية في جدّة في أيار/مايو 2023، وكذلك في غياب محمد بن سلمان اللافت عن قمة القادة العرب في أبو ظبي في كانون الثاني/يناير 2023. والواقع أن هذا البُعد الشخصي مقلقٌ بشكل خاص لمجلس التعاون الخليجي، لأن الصدع الدبلوماسي يمكن رأبه بين ليلة وضحاها، أما النزاعات الشخصية فلا يمكن حلّها بسهولة.

لا مفرّ من حقيقة أن مجلس التعاون الخليجي يواجه تحدّيًا داخليًا معقّدًا في ظلّ الخلاف القائم بين الدولتَين الأكثر نفوذًا فيه وبين قائدَيهما. فهذا التنافس الجيوستراتيجي بين السعودية والإمارات قادرٌ على زعزعة الاستقرار والتعاون ضمن المجلس، وكذلك في منطقة الشرق الأوسط ككُل، ما من شأنه أن يسفر عن تشظّي المجلس، كما لاحظنا من خلال انخراط الإمارات المتزايد في الشراكات المصغّرة والمتعدّدة الأطراف. ومن المرجّح أن تسعى الدول الأعضاء الأخرى في مجلس التعاون الخليجي إلى رأب هذا الصدع، أو على الأقلّ الحؤول دون توسّعه، إلا أن نجاح جهود الوساطة سيعتمد إلى حدٍّ كبير على مدى استعداد محمد بن سلمان ومحمد بن زايد لوضع خلافاتهما الشخصية جانبًا. لكنّ هذا الاحتمال يبدو مستبعدًا اليوم.

مركز مالكوم كبر-كارنيغي