أعيش وأعمل مع العلمانيين الأوربيين منذ أكثر من ٣٠ سنة. لم أصطدم ولا مع واحد منهم في موضوع العلمانية ولا مرة واحدة طوال كل تلك السنين. بينما اصطدم يومياً مع علمانيين سوريين مؤيدين ومعارضين، كثير منهم أشد قسوة ولؤماً من الجلادين الذين سجنوني في سجون حافظ الأسد.

فيما يلي ملاحظاتي على كلا النوعين من العلمانيين :

١- العلماني الأوربي لا يقول لك أنه علماني ولا يتحدث عن العلمانية، إلا نادراً جداً جداً، وفي الحوارات الثقافية والتنظيرية البحتة. أكثر من ٩٥٪ ممن أعرفهم من الأوربيين لم يذكروا أمامي كلمة علماني أو علمانية ولا مرة واحدة.

بينما كثير من العلمانيين السوريين يتصرفون في موضوع العلمانية كسواطير (جمع ساطور، أو سكين) مسلطة على رؤوس الناس، همهم الأول هو فرض العلمانية بطريقة فظة، بذيئة، متعالية على الناس.

٢- يفهم الإنسان الأوربي العلمانية على أنها عدم إدخال الدين في السياسة، مع ترك الدين كما هو، وترك المتدينين بحالهم. العلمانية عندهم هي أولاً عدم تدخلهم بالدين، وثانياً عدم تدخل الدين بالسياسة.

بالمقابل كثير من العلمانيين السوريين يعملون بكل طاقتهم وأسلحتهم لتفتيت الدين (الإسلام حصراً وليس كل دين) واجتثاثه كلياً من القوانين والسياسة والنشاط العام، ومن نفوس الناس. يجلدون المسلمين ويحقرونهم ويسفهون دينهم كله ومقدساتهم كلها، ألسنتهم أشبه ما تكون بكابلات وسياط التعذيب. يريدون انتزاع الإسلام من نفوس المسلمين، ولو أدى ذلك لانتزاع أرواحهم.

ولا يحاول هؤلاء إقناع شعبهم بالعلمانية، لا يقبلون منه نقاشها أو تعديلها، وإنما ينهرون الشعب بأن عليه الخضوع التام للعلمانية وقبولها كما هي (كما يفهمونها هم)، والتخلي عن دينه كلياً، وإلا فإنه جاهل، متخلف، بدائي.

إذا أنت مسلم سوري، فأنت تسمع كل يوم، من علمانيين، سباً وإهانة لحجاب أمك، ولحية أبوك، ولربك ونبيك وقرآنك وكل عظيم وكل مقدس عندك. ولا يسمع المسيحي ولا الدرزي ولا العلوي من العلمانيين ولا ١ بالمليون مما تسمع.

٣- العلمانية عند الأوربي تفصيل صغير. الحرية والإنسانية والمساواة والديمقراطية عنده أهم من العلمانية ألف مرة. ولذلك لا يحكم على الناس بناء على تبنيهم أو عدم تبنيهم لها.

وبالعكس، العلمانية عند كثير من العلمانيين السوريين (كثير جداً منهم) تأتي فوق الحرية وفوق الديمقراطية وفوق الإنسانية وفوق كرامة الإنسان، ويحكمون على الناس بقسوة بناء على موقفهم من العلمانية.

٤- الحضارة الغربية أساسها الشك وعدم احتكار الحقيقة، والعلمانيون السوريون لا شك عندهم لا بأنفسهم ولا بالعلمانية.

٥- يتوهم العلمانيون السوريون أنهم بمجرد الاعتقاد بالعلمانية، يصبحون جزءاً من الحضارة الغربية، ويصبح علماء ومبدعو الغرب.. جماعتهم، وتصبح كل إنجازات الغرب في كل مجال.. انجازاتهم.

وهذا ما قد يفسر كل المشكلة. هذا التعلق المرضي بالعلمانية، هو طريقة غير سوية للهروب من مشاكل الواقع الصعبة، والتخلص دفعة واحدة منها ومن عارها ومن مسؤولية إيجاد حلول لها، ورمي كل المسؤولية على الآخرين.

هذا في حالة حسن النية، أما حالات سوء النية فتشمل :

– تبني أقلويين للعلمانية للانتقام من دين الأغلبية والقضاء عليه، كجزء من معركة الانتقام من الأغلبية والقضاء عليها.

– وتشمل تبني العلمانية للحصول على رضا جهات متنفذة في سورية والمنطقة والعالم، خاصة من قبل أصحاب الطموحات بالحصول على مناصب.

– وتشمل المهنة ومصدر الرزق. فهناك سوريون وظيفتهم ومصدر رزقهم طعن الإسلام والمسلمين، والعلمانية هي الواجهة الأسهل للقيام بهذا العمل. من هؤلاء من يعملون عند الأنظمة العربية المعادية للحرية والربيع العربي، ومن هؤلاء المرتبطون بالمحتل الروسي لسورية والذي يعلن صراحة أنه يريد دستورياً علمانياً لسورية علمانية، ومنهم من يتبع الفرع السوري لحزب العمال الكردي الستاليني.

يقول المفكر العربي المغربي الكبير محمد عابد الجابري :
مسألة العلمانية في العالم العربي مسألة مزيفة. وفي رأيي أنه يجب استبعاد شعار العلمانية من قاموس الفكر العربي، وتعويضه بشعاري الديمقراطية والعقلانية.