لأول مرة بتاريخ تركيا الحديث يستمر حزب مثل العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان ، منتخباً من قبل الشعب عبر صنادق الاقتراع بقيادة تركيا ، وحكمها كل هذه الفترة الطويلة ،بشكل متوالي وبدون اي انقطاع .

هذا الفوز المتكرر في كل الانتخابات الشرعية التي خاضها أردوغان ، جعل المعارضة التركية مرتكبة متخبطة وفي حيرة من أمرها ، ودفعها للبحث عن طرق متعددة تستطيع من خلالها انهاء هذه الحقبة الأردوعانية من الحكم المستمر منذ أكثر من عقدين .

المفارقة المحيرة الملفتة للنظر والتي تقلق المعارضة التركية أيضاً ، أنه حتى عندما يكون هناك تراجع بأصوات العدالة والتنمية ، لأسباب كثيرة ومبررات عديدة ، فإن هذه الأصوات لا تنتقل مباشرة لخانة المعارضة ، بل تظل بخانة الناخب المترقب المتردد ، أو الحارد أو “الزعلان” المنزعج ، لكنه لم يتحول لخانة الخصم ..

هذه الأصوات هي التي تزداد احيانا وتقل أحيانا ..وهي بيضة القبان في كثير من الانتخابات لأنها هي التي تحسم الأمر اذا مالت بنسبة كبيرة لأحدى الكفتين ..

وهذه الشريحة هي محط نتافس الأطراف عليها ، فلكل حزب قاعدة صلبة جامدة تصوت لحزبها مهما كان الأمر لانتماءها الحزبي او القومي أو العقائدي .وهذه لا خوف عليها فهي ثابتة مضمونة، لكن التنافس يظل لكسب الاصوات الطيارة المتنقلة المستقلة المترددة.

وكلما كبرت وزادت نسبة هذه الشريحة من الأصوات كلما زادت اهميتها وقيمتها أكثر وجعلت التنافس على كسبها حاداً ، وأكثر صعوبةً بنفس الوقت.

التقديرات تشير على أن هذه الشريحة من الاصوات بتركيا كانت ولاتزال نسبتها قد تصل لعشرين بالمئة من الأصوات ، وهذا يعني خمس الاصوات ، وهي نسبة لا يستهان بها ويجب التركيز عليها من كل الأطراف .

ومن المفيد التذكير به هنا ، أن بدايات حزب الرفاه ومن بعده العدالة والتنمية ، وبدايات رجب طيب أردوغان كانت بمخاطبة هذه الاصوات ، وكسبها بعد اقناعها بالذهاب لصناديق الاقتراع والمشاركة الايجابية بها ..

وشعار أردوغان ” نحن صوت من لاصوت له، وصوت الأصوات الصامتة” كان مؤثرا للنجاحات بالانتخابات الماضية.

الحقيقة أن تركيا تعاني من مشكلة بالمعارضة كما يقول الرئيس رجب طيب أردوغان ويكرر دائماً، الكثيرون يقرأون هذا الكلام بأنه مجرد كلام سياسي يراد منه فقط النيل من المعارضة ، بينما الاحزاب القوية التي تثق بنفسها دائما تريد منفاسة قوية تجعلها في تحد دئم وتأهب ، مثل فرق القدم القوية عندما تخوض مباريات مع فرق قوية ، تجعل الطرفين يستعد بكل ما يملك من قوة ، وتكون المباريات ايضاً لها طعمها الخاص الممتع.

تعاني تركيا من معارضة تعتمد القول أسودا لكل أبيض وأبيضا لكل أسود، فكل قرار رئاسي مهما كان ايجابيا ونافعاً ، يجد النقد والمعارضة ،إلا ما ندر ببعض القرارات السيادية ، كما أن هذه المعارضة والنقد والرفض لا يقترن مع طرح البديل المقنع والقوي لكسب الاصوات المترددة والغاضبة المستاءة …

وما انتقاد رئيس حزب السعادة الاسلامي لبناء مسجد جامليجا الكبير إلا مثالاً صارخاً على النقد لمجرد النقد ليس إلا…

عدم تزايد اصوات المعارضة رغم تراجع اصوات الحزب الحاكم بفترات سابقة ، وبقاء هذه الاصوات المبتعدة عن تشجيع الحزب الحاكم في حوض الشريحة الصامتة ،هذا أكبر دليل على خطأً واضحاً وفشلاً باستراتيجيات المعارضة.

المعارضة التركية تريد كسب هذه الشريحة الغاضبة من خلال دفعها وجعلها تكره وتعادي أردوعان ، من خلال سياسة الهجوم ونقد كل سياساته ، وهذا الاسلوب عادة ما يأتي بنتائج معاكسة لما تتمناه المعارضة ، ويجعل هذه الاصوات تزداد تمسكاً بالعدالة والتنمية لأنها لم تجد البديل المهني المقنع..

نجاح العدالة والتنمية بالأشهر العشر الأخيرة من استعادة كسب هذه الاصوات ، وعودتها لخانته من خلال بعض الاصلاحات الحزبية والسياسية دليل على ان هذه الاصوات لم تقطع انتماءها للعدالة والتنمية ، إنما كانت ممتعضة ومعترضة ومنزعجة من الوضع الاقتصادي وبعض الاجراءات وتريد تعديلها واصلاحها.

نجاح المعارضة التركية بفوزها المفاجئ بأكبر بلديات تركيا وخاصة العاصمة انقرة وبالأخص اسطنبول بعد أكثر من 24 سنة من سيطرة العدالة والتنمية منذ نجاح أردوغان بها عام 1994 م ،هذا النجاح اعاد الروح من جديد لجسم المعارضة وأنعش الأمل عندها وأعاد لها الثقة بإمكانية هزم العدالة والتنمية بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية كما استطاعت بالإنتخابات المحلية .

فهل تستطيع المعارضة تكرار هذا الفوز.. !؟

وماهي ركائز خططتها القادمة.!؟

انتهجت المعارضات التركية التعويل على فشل الحكومة اقتصادياً وسياسياً داخلياً وخارجياً ، ولذلك كان صوتها يعلو ، وحدة نقدها تزداد ، مع كل تراجع للحكومة أو فشلها أو تعثرها بهذه الملفات الحساسة .

واليوم تريد المعارضة التعويل على نتائج الزلزال المدمر لمنطقة كبيرة من تركيا ، رغم ادعاءها بأنها ستبعد السياسة عن هذه الآلام والجراحات ، لكنهم لا يتوانون من تحميل الحكومة التأخر بالوصول لإنقاذ الناس بالساعات الأولى من الزلزال.

سياسة المعارضة هذه المرة تعتمد على ثلاثة ركائز واضحة

الركيزة الأولى: التركيز على الفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد البرلمانية

الركيزة الثانية : هي منع أردوغان من الفوز بالجولة الأولى

الركيزة الثالثة : وهي تحصيل حاصل للركيزتين الاوليتين وهي حشد كل الاصوات المعارضة والمعادية لأردوغان “يعني ما يجمعنا كره أردوغان ”

الركيزة الأولى لها هدفان ، الأول الحصول على الأغلبية البرلمانية لحصار الرئاسة واعاقة عملها ، وسن قوانيين تحد من صلاحيات الرئيس في حال نجح أردوغان بالجولة الأول.يعني تعطيل الرئاسة وتغيير القوانيين ..يعني شل الحكومة ..

والهدف الثاني في حال لم يحسم الرئيس أردوغان الفوز بالجولة الأولى ، هو حشد اصوات المعارضة كلها بالجولة الثانية ،وهذا سيكون اسهل في هذه الحالة لأن كثير من الاصوات ربما ترجح أن يكون الرئيس من الجهة التي نالت الاغلبية البرلمانية ، وربما يؤدي لخييبة أمل بالطرف الآخر وتدفعه لعدم المشاركة بالجولة الثانية .

الركيزة الثالثة هي القديمة الجديدة التي تعمل عليها المعارضة من اذكاء حس المعارضة لأردوغان ومحاولة منع الناخب من أن يكون تصويته للرئاسة مغايرا للبرلمان ، حيث ربما يختار الناخب الرئيس أردوغان من جهة ويصوت لحزبه الذي ربما يكون بالطرف الآخر ، لذلك تسعى المعارضة لمنع هذه الازدواجية ونقل الانتخابات الرئاسية للجولة الثانية .

فهل تنجح المعارضة بتعويلها على معارضة أردوغان بدون أن تطرح البديل المقنع للناخب التركي الذي عُرف عنه حسه الدقيق بالانتخابات !!؟
هذا ما سنراه بالساعات الأولى من ليلة الرابع عشر من ايار القادم ..

ويالها من ليلة ستكون طويلة وثقيلة ليس على تركيا فقط بل على العالم كله…

ترك برس