يجد قادة المنطقة حرجا أن يستخدموا مصطلح «السنّة» وهم يتحدثون عن الصراعات الجارية في المنطقة، على رغم أن رائحة الطائفية تفوح في كل مكان من حولنا، واختلطت برائحة الدم والموت والتهجير، لذلك سعدت أن ظهر «اللون الحقيقي» للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عندما سألته في ختام حوار تلفزيوني أجريته معه الأسبوع الماضي وبث على قناة روتانا خليجية، عن الموصل، فلم يكترث في إجابته بحسابات القومية العربية أو سيادة العراق، ذلك أنهما اختفيا منذ زمن، فقال: «من هم أهل الموصل؟ إنهم السنة العرب، والسنة التركمان، والسنة الأكراد، بالتالي يجب ألا يدخل «الحشد الشعبي» الموصل، «لم يصفه أنه شيعي ولكن من الواضح في رده، أن «الحشد الشعبي» يجب أن يُمنع من دخول الموصل من السعودية وتركيا كما قال، لأنه شيعي أصولي متطرف، مرة أخرى لم يقل ذلك ولكن المعني واضح، ولو لم يكن الحشد الشعبي «أصولي شيعي متطرف»، لما احتج أردوغان أو غيره على دخولهم الموصل، بينما يفترض أنهم مواطنون عراقيون إخوة لإخوانهم في الموصل، ولكنهم ليسوا كذلك ولا يريدون أن يكونوا كذلك.

حان الوقت لزعماء المنطقة السنة عربا وتركا، أن يتخلصوا من حرج الاتهام بالطائفية، ويدافعوا عن حقوق السنة بل ووجودهم ولا يبالوا، فالعالم من حولهم لم يعد يرى غير تلك الألوان الطائفية والعرقية، كأن هناك اتفاقا على أنهم أذنبوا وظلموا من حولهم طوال 1400 سنة، وحان وقت التحرر من الزمن السنّي، حديثي غير مقنع للبعض، أعلم ذلك، إنهم قوم يتجملون بعبارات إنشائية مثل «العروبة تجمعنا»، والطائفية سرطان يدمر مناعتنا في وجه الأعداء، حتى المرشد الإيراني خامنئي يهاجم الطائفية، ولكن ملشياته وحرسه الثوري الذي يباركها باسم الحسين كل صباح لا تقتل غير السنة، وما محرقة حلب الجارية إلا «محرقة السنّة».
فلا تستمعوا يا زعماء السنة، للقوميين العرب، ولا لليبرالييهم المزعومين، الذين يتطهرون من الطائفية، فهؤلاء اصطفوا مع كل قائد عسكري أخرق قفز على السلطة، ومع كل مستبد لا يهمه غيرها، لا يهمهم غير البقاء في ظله يحميهم من موجات الحرية التي يقودها شباب ينكرونهم، شباب انتموا للضمير السني الذي شكل روح المنطقة طوال 1400 سنة.

لقد بت مقتنعا أن ثمة مشكلة بين الولايات المتحدة تحديدا و«السنّة»، لعلها بدأت من لحظة 11 سبتمبر، ثم اختفت لسنوات قليلة، ثم تجددت مع ظهور «داعش»، وتأكدت مع استهدافها مجددا للغرب، فهذا الذي يقلق واشنطن منها، لا يهمها إرهابها إن جرى في عالمنا، فالمتطرفون الشيعة لا يقلون عنها قبحا وإرهابا، ولكن ها هو وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، يجيب ممثلين من المعارضة السورية التقوا به، ونشرت تفاصيل اللقاء الـ «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي، فسألوه لماذا تتجاهل بلاده جرائم «حزب الله» في سوريا وهو تنظيم إرهابي؟ فرد بإجابة مقنعة سياسيا وغير مقنعة أخلاقيا؛ «لأنهم لا يستهدفوننا».

هذه الأزمة مع «الإسلام السني» انعكست ترددا في التدخل بسوريا، على رغم سقوط 600 ألف قتيل، ولجوء ونزوح نصف الشعب، كما انعكست في حال لا مبالاة حيال الانقلابات العسكرية وإلغاء المسارات الديموقراطية في عالمنا السني البائس، وآخر انعكاساتها قانون «جاستا» الذي يستهدف السعودية «السنية»، فسمح الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بإطلاق جيش من المحامين الأمريكيين الجشعين على المملكة، ليقاضوها ويدفعوها إلى جدل حول هويتها ومواقفها وتاريخها، هم يلهثون خلف بلايين السعودية، ولكن السياسيين الداعمين للقانون يريدون فتح التحقيقات من جديد في ما يزعمونه «تورط السعودية في أحداث 11 سبتمبر»، وقد صرّح بذلك السناتور السابق بوب جراهم بمقالة نشرت قبل أسبوعين.

أزمة العقل الأمريكي مع الإسلام السني تظهر ما بين العراق وسوريا بكل وضوح، هناك تنازل الأمريكي عن التزاماته القانونية والأخلاقية، فتحالف مع إيران، وحرسها الثوري، وقائده قاسم سليماني ومليشيا «الحشد الشعبي»، وكلهم خلطة منتنة تتعارض مع القيم الأمريكية المفترضة، فإيران لا تزال مصنفة «راعية للإرهاب»، والحرس الثوري مصنف «إرهابي» صريح، أما «الحشد الشعبي» فهو من القبح أن من بينه امرأة تفخر أنها تطبخ رؤوس وأطراف ضحاياها، وهو ما لم تفعله حتى «داعش»،على رغم سوء صنعها وسمعتها، ولكن على رغم من ذلك تتعاون الولايات المتحدة معهم في حرب طائفية فاحت رائحتها، حتى في الإعلام الأمريكي ضد «داعش»، وهي وإن كانت كذلك فإنها أيضا ضد سنة العراق.

في الوقت نفسه، تعرض السعودية على الولايات المتحدة، استعدادها لإرسال قوات إلى سوريا لمحاربة «داعش»، شريطة أن يكون ذلك ضمن التحالف الدولي، فهي حذرة، ولن تذهب إلى سوريا من دون غطاء المجتمع الدولي وشراكته وعلى رأسهم الولايات المتحدة، تسمع واشنطن العرض، تهز رأسها وتقول إنها فكرة تستحق الاهتمام، ثم تنصرف وتدير ظهرها لحليفها المفترض، لعل واشنطن ترى في السعودية «سلفية وهابية»، ولا تريد شراكة معها في معركة في سوريا، ولكنها تتلقى عرضا مماثلا من الأتراك أيضا، وهم ليسوا بسلفيين ولا وهابيين، بل حتى علمانيون، ومثلما تجاهل الأمريكي عرض السعوديين «السنة» فعلوا الشيء نفسه مع الأتراك «السنة»، ثم يهملونهما معا ويتحالفون مع الأقلية الكردية وأحزابها المتهمة بالإرهاب، فيرسلون لهم أسلحة ومستشارين!
هل هناك تفسير آخر غير أن لدى الولايات المتحدة مشكلة مع الإسلام السني؛ عندما نراها تهمل أكبر قوتين في المنطقة، مستعدتين وقادرتين، ولهما مصلحة في القضاء على «داعش»، ومنتميتين إلى الغالبية السائدة في المنطقة، ثم ينحازون إلى الأقليتين الشيعية والكردية!؟ لذلك يجب أن تدافع أيها الزعيم السني، السعودي والتركي عن «السنة»، ولا تبالي.

يبدو أمرا لا يصدق، هل يعقل أن تغيب الغالبية السنية، بتاريخها وامتدادها ودولها الكبرى عن العقل السياسي الأمريكي؟ لنستمع لجلسة الاستماع لرئيس أركان الجيوش الأمريكية الحالي جوزيف دانفورد أمام الكونغرس، التي جرت قبل أكثر من عام، وهي أشبه بالامتحان للتأكد من صلاحيته للوظيفة، ليس عسكريا فقط، وإنما استيعابه لأحوال المنطقة السياسية، أجاب على سؤال حول مستقبل العراق كما يراه، فنفى إمكان تقسيم العراق إلا إلى دولتين فقط، واحدة شيعية في الجنوب والثانية كردية في الشمال، بجملة واحدة قصيرة اختفى سنّة العراق من خريطته تماما، فقال: «من الصعب انقسام العراق إلى ثلاث دول، وأن نشهد دولة سنية، لأن السنة ليس لديهم مستقبل محدد يعتمدون عليه»، مشيرا إلى أنه اعتمد في نظرته هذه على «الواقع الاقتصادي والعائدات والحكم، فالشيعة والكرد لديهم الكثير لإقامة دولتهم، على خلاف السنة!».

كيف يحصل هذا؟ كيف يُغيّب جنرال أمريكي سنّة العراق بتاريخهم وامتداداتهم على وطنهم، وهم نسيج أصيل وأساسي فيه؟ هل هي مؤامرة أم إن السنة لم يجدوا من يدافع عنهم، ويمثلهم بقوة في العواصم الغربية؟ لذلك يجب أن تدافع أيها الزعيم السني عن «السنة»، ولا تبال.

ثمة من يمثل الأكراد في أروقة البرلمان الأوروبي، ولوبيات واشنطن، لذلك تجدهم متنمرين في سوريا، فبلغت بهم الجراءة في تغيير أسماء مدن عربية خالصة فيخترعون لها أسماء كردية، مثل منبج التي خلد ذكرها باسمها هذا، أبو فراس الحمداني قبل ألف سنة، فأطلقوا عليها مابوك، إنها سياسة استيطانية، تشبه ما فعل اليهود بفلسطين، وليست ثورة حرية وحقوق في إطار سوريا الموحدة مثل ثورة الغالبية السورية السنية، هذه الجرأة على التاريخ والجغرافيا، ما كانت أن تكون من فصيل كردي صغير لو كان للسنة ممثل قوي، فدافع عن «السنة» ولا تبالِ.

قبل أشهر، وفي رحلة إلى العاصمة النمساوية فيينا، كان رفيق السفر في المقعد المجاور شاب نمساوي، عائد من كوباني، هكذا سماها وهكذا عرفها العالم وليس هذا باسمها، ولكن ليس هذا هو المهم، تحدثت معه وتفكرت، هل أستطيع أن أفعل مثله، أن أمضي إلى حلب أساعد إخواني السنّة، متطوعون أوروبيون يذهبون لمساعدة الكرد، ولا أحد يمضي لمساعدة السنة غير حمقى التكفيريين، أنصاف المتعلمين الذين أتوا من أطراف الأرض يزايدون على سنّة سوريا في سنيتهم، وهم أهل السنة الأصلاء، بلاد ابن تيمية وابن قيم الجوزية، ولكن لماذا جاء هؤلاء؟ لأننا تركنا فراغا، فجاء من يملؤه ويزايد علينا، لذلك يجب أن ندافع عن «السنة» ولا نبالي.

صحيفة الحياة
٧ / ١٠ / ٢٠١٦