انشغلت الأوساط الإعلامية وبعض الشعبية بملف الدراما خلال شهر رمضان؛ وهو الشهر الذي تزدحم فيه الشاشات بالأعمال الدرامية؛ الأمر الذي ظلّ لازمة منذ عقود بعيدة، بما فيها تلك التي شهدت صعود الصحوة الإسلامية، وكذلك السنوات القليلة التي شهدت “ربيع العرب”.

وفيما انحصر الاهتمام الأكبر بمسلسل “الاختيار3″، فإن مسلسلات وأعمال أخرى لم تحظَ بذلك الاهتمام، رغم أنها حملت ذات الرسالة الضمنية التي قد لا ينتبه إليها كثيرون، والتي ما زالت أولوية الأولويات عند عدد كبير من الأنظمة العربية، ألا وهي مطاردة ما يسمّى “الإسلام السياسي”، وتبعا له “التديّن” بوصفه من يمنح الحاضنة الشعبية للقوى الإسلامية المشتغلة بالسياسة والعمل العام.

لن أتوقف هنا عند المسلسل المذكور، فقد قيل فيه الكثير، ولا جديد أضيفه على صعيد تشويه تاريخ قريب ما زال أكثر شهوده أحياء، ويكفي أن نشير هنا إلى ظاهرة كانت متوقعة، تمثّلت في أن مسلسلا كوميديا، ليس فيه سوى التفاهة (الكبير أوي.. الجزء السادس)، قد حاز على مشاهدات أعلى بكثير من المسلسل المذكور، ودعك هنا من الردود عليه في مواقع التواصل، والتي فاجأت كل من وقفوا وراءه، ودفعتهم لحلف الأيمان تلو الأيمان بصحة ما أورده من وقائع.

دعك من المشهد المصري بكل وقائعه تلك (تشويه الدين وإدانة ثورة يناير)، وخذ مثالا على ذلك المسلسلات السورية طوال السنوات الأخيرة، والتي تشيطن الثورة على نحو طاعن في الابتذال.

لا وجود فيها لشعب ثار ضد نظام أقلية طائفي بشع ولا مثيل له في الكون، فما قدّمته لا يعدو حشدا من المليشيات الإسلامية المتطرّفة التي تقدّم صورة عن الدين في غاية البشاعة، أو مليشيات غير إسلامية تمارس البلطجة والنهب و”التعفيش”، وكل ذلك في سياق الثورة، مع نكهات خفيفة ضد مليشيات تابعة للنظام، أو تدّعي الانتساب له.

لا وجود لثورة بدأت سلمية لشهور، ودفعت آلاف الشهداء والمعتقلين، ولا وجود لمليشيات إيرانية، ولا وجود لضحايا وتعذيب في السجون، ولا وجود للطفل حمزة الخطيب وأمثاله.

كل ما فيها شيطنة للثورة، وشيطنة للقوى الإسلامية المشاركة فيها، لا أعني تنظيم الدولة، أو حتى “النصرة”؛ رغم الصورة المبتذلة لهما، بل سائر القوى التي كانت في مجملها بهوية إسلامية تبعا لمزاج الشعب وغالبية الأمّة.

في الدراما الخليجية هناك مثال “العاصوف” الذي تتواصل أجزاؤه، والذي يشيطن أيضا كل القوى الإسلامية المعنية بالشأن العام، ويشيطن ما يُعرف بـ”الصحوة”، ويتهمها بصناعة التطرّف الاجتماعي في المجتمع السعودي، رغم أن تلك القوى لم تكن سوى تابع فيما يتعلّق بالظواهر الاجتماعية، والتي كانت تتبع الفتاوى الرسمية وشبه الرسمية، وإلا فهل كانت “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، تابعة للقوى الإسلامية أم للسلطة ذاتها، وكذا “هيئة كبار العلماء” التي كانت صاحبة الكلمة الأعلى في المجتمع؟!

ما أريد قوله هو أن المجتمع كان بخير وعافية قبل صعود “الصحوة”؛ من دون ردّ الأمر إلى سياقاته السياسية المعروفة بعد واقعة “جهيمان” والتحالف بين السلطة وبين المؤسسة الدينية، بل إن عاقلا لا ينكر مثلا أن الشيخين “ابن باز”، و”ابن عثيمين”؛ رحمهما الله، كانا بمثابة مراجع للقوى الإسلامية، أقله في قضايا العقيدة والفقه التقليدي، ولم يكن يُنظر إليهما على نحو سلبي، حتى عندما وقع الخلاف في بعض القضايا ذات البُعد السياسي.

هنا أيضا، يحضر العبث بالواقع، فنحن نتحدث عن حقبة ليست بعيدة، إذ أن كثيرا من شهودها ما زالوا أحياء، وإن جهلت بعض فصولها أجيال شابة، لم تعاصر بدايات “الصحوة” بعد التسعينات، أو وعت بعض فصولها بعد ذلك، ودعك هنا من إهمال أي وجه إيجابي لتلك الصحوة في حياة الناس، فهي دائما مصدر للشرور؛ باستثناءات جدّ محدودة.

بقيت نقطة بالغة الأهمية، وهي أن تلك الأعمال الدرامية ليست سوى جزء بسيط من الشيطنة الإعلامية لكل متعلقات الظاهرة الإسلامية، والتي تؤكد ما ذكرناه ابتداءً؛ من أن محاربة التديّن بوصفه يمنح الحاضنة لما يُسمّى الإسلام السياسي، ما زال أولوية الأولويات لدى العديد من الأنظمة، رغم السحق الذي تعرّضت له القوى المحسوبة عليه منذ 10 سنوات ولغاية الآن.